الشعر في مصر يربح معركة الثورة
القاهرة ـ دار الإعلام العربية
أعطت ثورات الربيع العربي للأعمال الإبداعية بُعداً جديداً، وفتحت أمام الكُتّاب والمثقفين آفاقاً واسعةً لتناول تلك التطورات، والتعبير عن الشعور العام، وما أوجدته تلك الثورات من مصطلحات وتعبيرات جديدة على الساحة العربية ودخيلة على ثقافتها، بالتالي شهدت الساحات الثقافية العربية «ثورة» موازية للثورات التي شهدتها الساحات السياسية المختلفة، إذ جعلت تلك التطورات المجال مفتوحاً أمام الشعراء والمثقفين والروائيين وكُتّاب القصص القصيرة؛ للتعبير عن مشاعرهم ورؤيتهم الأدبية لكل تلك التطورات.
وقد ظهرت عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير بمصر جملة من الأعمال الإبداعية التي تناولت «الثورة»، إلا أن تصاعدت وتيرة الأحداث، وتنامي حدة التطورات بالمشهد المصري عامةً لدرجة إقصاء أول رئيس منتخب بعد الثورة، بالتالي كانت التطورات السياسية أسرع من تفكير المبدعين بهذه السرعة التي تمت بها تلك التطورات.
القصائد تكسب
ووفق ما يؤكده نُقاد أدبيون في مصر فإن الأعمال الشعرية التي تناولت التطورات السياسية قد غلبت الأعمال الروائية، وتفوقت عليها؛ نظراً لكونها تكون تالية مباشرة للحدث أو سائرة وصانعة للأحداث في وقتٍ من الأوقات، ما يجعلها مقبولة لدى الشارع، وأسرع وأكثر ملائمةً من الأعمال الروائية الطويلة أو المواد القصصية.. وقد سارت تلك الأعمال على خطٍ متوازٍ مع كافة التطورات السياسية التي تشهدها مصر إذ تسارع الشعراء، وتنافسوا فيما بينهم على التعبير عنها، فمثلاً كتب الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي قصيدة مباشرة لتظاهرات 30 يونيه.
ولخلاف قصيدة الأبنودي فهناك قصائد كثيرة جداً تتحدث عن التطورات السياسية بوجهٍ عام في مصر، وتلاحق تلك التطورات، وتشد من أزر الشارع والشباب، عبّر عنه شعراء كُثر، في مقدمتهم الشاعر هشام الجخ وغيره من الشعراء، الذين ألهبت قصائدهم مشاعر الثوار، وحرّكت فيهم الحنين إلى مصر الأمن والأمان، فكللوا ذلك بنجاحات قوية تُضاف لرصيد الشرعية الثورية.
عمل روائي غير ناضج
وظلت الأعمال الروائية عاجزة عن مواكبة الحدث أو التعبير عنه، لعوامل عدة، في مقدمتها أن بناءها التكويني يحتاج اكتمالا للرؤية، وبما أن الثورة نفسها لم تكتمل مشاهدها بعد فإن الرؤية تظل ناقصةً لدى الروائي.
وفي هذا الإطار يقول الأديب والقاص زكي سالم لـ»البيان»: إن الأعمال الإبداعية لا تكون تالية للحدث بأي حال من الأحوال، فالعمل الإبداعي ينتظر؛ لتكتمل الصورة كليةً أمام الكاتب؛ ليرصدها في عمله، وهو ما يتضح من خلال ما رصده نجيب محفوظ، إذ عبّر في عمله (الثلاثية)، عن ثورة العام 1919، رغم أن الثلاثية تم كتابتها بعد ثورة يوليو في العام 1952».
تابع: صحيح أن هناك أعمالاً روائية تناولت ثورة 25 يناير، لكنها ظلت قاصرة ومقصورة في حدود نطاق معين، ولم تعبر تعبيراً حقيقياً عن ثورة يناير، فحدث تاريخي مثل ذلك الحدث لابد أن يصاغ، ويكتب في عمل إبداعي روائي بعد سنوات طويلة قد تتجاوز الـ10 سنوات؛ كي يكون مكتملاً.
القصائد.. فن التعبير عن الموقف
(لكن الشعر هنا يتفوق على الأعمال الروائية والمواد القصصية) كذلك يكتب سالم شهادة تفوق للقصائد الشعرية في التعبير عن مختلف الأمور والمعالجات السياسية والأحداث العظيمة، قائلاً: «بنية القصائد في الأساس تتعلق بسرعتها، وبالتالي فقد تكون تالية مباشرة للحدث أو متزامنة معه كالقصائد التي خرجت في أثناء الثورة وبعدها؛ لأن الشعر بطبيعته تعبير عن حالة أو موقف».
وعلى ما يبدو أن الروائي عزالدين شكري فشير قد فطن حقيقة كون الأعمال الروائية في مجملها لا يمكنها أن تعبر في حينها عن الأحداث والتطورات السياسية الكبيرة كالثورات، فراح في روايته التي تناولت ظرف الثورة الدقيق وهي رواية (باب الخروج) يطرح رؤى مستقبلية لتلك الثورة.
ملفات لم تغلق بعد
ويؤكد أستاذ التاريخ الحديث عبدالمنعم الجميعي أن الثورات غير المكتملة تقف دائماً حائلاً ضد الأعمال الإبداعية الروائية والقصصية، قائلاً: «هناك العديد من الملفات التي لم تغلق بعد، بالتالي فالأديب قد يكتب عن حقائق بعينها، لكنه يغفل حقائق أخرى لم تتحقق عند كتابته للعمل الإبداعي الخاص به، وبالتالي فالتعبير الأفضل لأحداث الثورات يكون بعد وضوح واكتمال الرؤية تماماً بعد سنوات».
بين التاريخ والأدب
وفي المقابل، فإن الروائي والقاص المصري جار النبي الحلو قد أكد لـ»البيان» على أن الأعمال الإبداعية ليست تأريخياً لأحداث سياسية أو ما إلى ذلك، لكنها في الأساس مشهد نابع من خيال المؤلف أو الكاتب، بالتالي يُعبر عنه على الورق، راصداً مشاعره وأحاسيسه، كما تحلو له دون تدخل من أي طرف، فلا يستطيع أحد أن يحجر على فكر الأديب، بالتالي يُعالج الأديب الأحداث السياسية من زاويته ومنظوره الخاص، ولا شأن له بالتطورات السياسية وما سوف ترمي إليه مستقبلاً.
تابع: «قد يكون الشعر أفضل فرصة من الأعمال الروائية، ذلك لطبيعة الشعر والقصائد نفسها، سهلة الحفظ والتداول وكذلك في الوقت الذي يستغرقه الأديب في الكتابة، بخلاف الأعمال الروائية، لكن ذلك لا يمنع أبداً أن هناك أعمالاً روائيةً عبّرت بقوة عن الحدث الثورة الذي شهدته مصر مؤخراً».