«الشيخ الأحمر»… عباس بيضون يتقصّى تاريخ لبنان روائياً
عن دار «الشروق» بالقاهرة، صدرت للكاتب والشاعر اللبناني عباس بيضون روايته الجديدة «الشيخ الأحمر» التي يعود فيها إلى التاريخ ويستلهم قصة لافتة بلغة سردية متدفقة وحبكة متصاعدة تتسم بالتكثيف وسرعة الإيقاع.
زمن النص هو الحقبة العثمانية، إذ تتكشف سيرة مغايرة لـ«عبد الحسين» الذي ينشأ في قرية بالجنوب اللبناني، ثم يسافر إلى النجف في العراق ليدرس علوم الدين لكنه يولع بالفلسفة، الأمر الذي يكسبه لقب الشيخ والأحمر. كما يولع البطل بالنساء ويتمتع بالكثير منهن، أرامل ومطلقات في الأعم الأغلب، وهو ما كان يُعدُّ في ذلك الوقت تحصيناً لهن وحماية من الزلل.
يعود «الشيخ الأحمر» إلى بلدته ليواصل حياته كداعية دينية على طريقته، وقد تزوج «خديجة» وهي امرأة عراقية وتصحبهما شقيقة زوجته وتدعى «عاصمة»، التي تتحول تدريجياً لتصبح سيدة البيت، لكن رحيل الزوجة يضع العلاقة بين «عبد الحسين» و«عاصمة» على المحك، ويضع كليهما أمام اختبارات معقدة وحساسة.
تستلهم الرواية التاريخ لتلقي العديد من الأسئلة المعاصرة حول طقوس التدين والحرية والحب والخيانة والجسد ليبدو الحاضر وكأنه استمرار للتاريخ، وليبدو الماضي وكأنه لا يغادرنا قط. وهنا تظهر تساؤلات عميقة من نوعية: أين نحن من ذلك كله؟ هل الحاضر هو قفزة من الماضي، أم هو عود مثابر لأصل متجدد؟
يمكن اعتبار الرواية «نوفيلا» أو نصاً قصيرة، إذ تقع في 135 صفحة عبر 23 فصلاً قصيراً، لكن هذا الحجم القصير منح العمل مزايا عدة، منها الابتعاد عن الحشو أو الثرثرة والدخول مباشرة في صلب أزمة الشخصيات، بعيداً عن التمهيد المبالغ فيه.
وعباس بيضون هو شاعر وروائي وصحافي لبناني من مواليد 1945، درس الأدب العربي في جامعة بيروت، وحصل على الماجستير في الأدب من جامعة السوربون بباريس. صدرت له العديد من الروايات، منها «خريف البراءة» التي حصلت جائزة «الشيخ زايد للكتاب»، فرع الآداب، و«علب الرغبة» التي وصلت إلى القائمة الطويلة في الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر»، كما صدرت له عدة مجموعات شعرية لافتة منها «الموت يأخذ مقاساتنا» التي حازت على «جائزة المتوسط للشعر»، وتُرجمت قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والإسبانية والكردية.
ومن أجواء الرواية نقرأ:
«بعد تفكير قررت (عاصمة) ألا تتزوج (عبد الحسين)، لقد فكرت كثيراً وأخيراً وصلت إلى رأي: لن تتزوجه رغم أن الشرع يسمح بذلك ورغم أن التقليد يدعمه والعادة تسنده. تعرف (عاصمة) ذلك. مَن حولها انتظرن الزواج وهنأنها قبل أن يظهر شيء لكنها، وحبيبتها (خديجة) وأحباؤها وأولادها، أين يذهب هؤلاء إذا احتلت هي فراش أبيهم وسلبتهم إياه. كيف يمكن أن تدخل وبأي شكل إلى فراش أختها وتستولي على زوجها وكأنها كانت تنتظر ذلك وتتوخاه. لقد عمرت هذه العائلة وبنتها والجميع من (خديجة) إلى (عبد الحسين) إلى الأولاد جميعهم صنعتهم واليوم المطلوب منها أن تخرب بيديها ما سبق أن بنته وعمرته وسهرت عليه. لا بأس أن تتزوج وأن تغادر فليس هذا معيباً، بل هي بدأت تفكر بالرجال الذين فقدوا زوجاتهم بل تحرت عنهم وسألت والنتيجة كانت أن واحداً من هؤلاء لا يستحقها.
لقد توفيت زوجة (محمد رضا) وهي في ربيع العمر وتركت له طفلين، ذكراً وأنثى، ومن ذلك الوقت و(محمد رضا) الذي لم يتزوج احتراماً لذكرى زوجته عكف على تربية ابنيه ونجح في ذلك فابنه الآن في إسطنبول، ضابط في الجيش العثماني وابنته التي سرعان ما وجدت عريساً عمرت بيتاً وبناتها الثلاث هن زينة المدرسة. (محمد رضا) كما فكرت (عاصمة) هو المناسب ولم يكن هو بعيداً عن هذه الفكرة، فهو بمجهوده ورعايته يستحق امرأة مثلها، منذ أن تراءت لها هذه الفكرة تملك الجرأة على أن تتحرش بـ(محمد رضا) حتى إنها دعته وعائلته إلى عشاء في قصر (عبد الحسين)، وأثناء العشاء أبدت كثيراً من الغنج إلى درجة أحرجت (محمد رضا). كانت تقدم اللقمة له قائلة له: مشان ما تضل بعينك، حتى إنها غازلت (محمد رضا) الذي كان فعلاً وسيماً قائلة: شو الطول، نخلة بصحيح الله عهالقامة، أكيد والدتك حبلت فيك وهي بتحلم بالنخل».
صحيفة الشرق الأوسط اللندنية