الصداقة عبر الانترنت
أعيش في هذه الأيام البائسة بلا أصدقاء بعد أن طعنت في السن و مات أو رحل إلى بلد آخر معظم أصدقائي . أعيش إذن محاطا بضباب لا أرى فيه أحدا. قلت لنفسي : لماذا لا أحاول إكتساب الأصدقاء عبر أجهزة الأنترنت كما يصنع معظم الناس في هذه الأيام .
وضعتني هذه التجربة في مواجهة حالة جديدة ،علي من التفكير إلى أين أنا ذاهب مع هذه الأجهزة ،و ما هي الصداقة فعلا و هل يوفر الأنترنت الفرصة حقا لاكتساب صداقات حقيقية ؟
أول ما يشعر به المتصفح للفايسبوك أن العلاقة التي يقيمها لا ترتبط بين اثنين بل هي مشاع بين كثيرين و في وقت واحد تقريبا و بالتالي فهي علاقة لا تربط الواحد بالأخر كما يحدث في الصداقات البشرية يدا بيد و عناقا بعناق ، إن العلاقات الإنسانية – كما بدا لي بعد هذه التجربة – ليست مجرد معلومات عن الشخص فالمعرفة الإفتراضية كما يجب أن تسمى العلاقات عبر الانترنت لا تقوم مقام التجربة الميدانية الشخصية وجها لوجه.
الفايسبوك باختصار كما بدا لي أشبه ما يكون بحالة من التمثيل المسرحي أو التخاطب عن بعد بين من يملكون أجهزة الأنترنت فقط حيث لا مجال في هذا الزحام الألي للتقارب الروحي الذي يصنعه اللقاء المباشر بين الأشخاص و هكذا يمكن القول إن الصداقة كما اعتدنا عليها باتت غير ممكنة كما أن رفضها غير ممكن و هنا يكمن الإشكال الأصعب للعلاقات عبر الأجهزة أنه لا يمكن رفضها ما دامت الألة موجودة بالرغم من رغبة كثير من البشر في التخلي عنها ماذا يحدث لي إذا ؟ ما يحدث لي كما يبدو يحدث لبشر هذا الزمان بالمعنى المطلق و الأعمق ، فالمشاعر التي نفقدها عموما في هذا العصر لا يمكن المقايضة عليها ، و بالتالي لا يمكن استبدالها ، و بهذا المعنى فنحن مطالبون بأن نروض نفوسنا على التعود حسب ما تمليه الحداثة ليس بمنطق المواقف القديمة التي اعتدنا عليها و انما بمنطق المواقف المرنة -أو البلاستيكية – القابلة للتغيير من دون أن نفرط بأخلاقياتها العريقة .
يالها إذن من عملية ترويض لغرائزنا و أفكارنا و تقاليدنا و على الأخص علينا نحن الذين نشيخ في هذا الزمان الذي لا يرحم !.
صحيح أنني اليوم أعيش بلا أصدقاء ،غير أنني أروض نفسي فعلا على أن أتغير من دون أن أفقد خصوصيتي ، و الذي يعزيني في هذه الورطة أنني أجدني قادرا على الإختراع و الإبتكار و التخيل ، و أنني بهذه القدرة وحدها أتحمل وحدتي و أستطيع أن أكتب و أبدع و أن أبتسم لمن أقابلهم في مسيرتي التي تباطأت خطواتها لحسن الحظ أو لسوئه على الأغلب و هي تقترب كثيرا من حافة الحفرة التي تنتظرني ..