الصراع الروسي الغربي: نظام دولي جديد. أم فوضى عالمية خطيرة؟؟
يعيش العالم حالة خطر متفاقم تسودها الحروب ويقرر فيها السلاح والنار، ويتحدثون عن نظام دولي جديد. من جهة هناك مدن وبلدات وقرى تدمر وسكان وأهل يقتلون أو يهجرون أو يشردون، ومن جهة أخرى هناك أزمات عابرة للحدود تضيق العيش على الأرض و تخنق الإنسانية، سواء بموضوع الطاقة أو القمح أو الدولار، ومعه ، قبل كل ذلك، تعصب وتطرف وتكفير وإرهاب مجرم متوحش يشكل الهوية المفضوحة لأي حرب. ومع ذلك يستمر الغرب بالحديث عن نظام عالمي جديد يقوم على القيم والمبادئ الأطلسية، كما يرد الشرق الروسي والصيني بأنه نظام دولي جديد يلغي سيطرة القطب الواحد ليكرس تعدد الأقطاب الدولية. فهل هو مخاض نظام عالمي قادم أم أنه صيرورة فوضى دولية؟؟ فإلى أي مصير يتجه العالم؟؟
إذا كانت الحرب في أوكرانيا هي أساس الصراع الدولي الآن فإن الواضح والساطع أنها حرب مستمرة. روسيا من جهتها مصرة على تحقيق جميع أهدافها، وأوكرانيا، و من خلفها الغرب كله، مصرون على انسحاب روسيا من كل الأراضي الاوكرانية. روسيا مصرة على الانتصار والسيطرة على اوكرانيا، أو على الأقل الدونباس بجمهوريتيه، والغرب وراء كييف مصر على هزيمة موسكو ومنعها من تحقيق أي من أهدافها. وكلا الطرفين روسيا والغرب يحشدان القوة النارية ويؤججان الحرب. ولا حديث جدي من أي جهة عن مسعى لحل سياسي ينهني النزاع ويوقف الحرب. والمصيبة أن هذه الحرب تشعل أوروبا ليس بالنار فقط بل بأزمات الطاقة والغذاء. كذلك فإنها حرب تصيب روسيا بالعقوبات الاقتصادية والعزله الدبلوماسية وتهددها بتراجع مكانتها الدولية. المصيبة الاكبر أنها حرب تقع في قلب العالم، لذلك فهي تصيبه في كل أرجاءه.
أقرت قمة الأطلسي الاخيرة في مدريد، قبل ايام، التصور الاستراتيجي للحلف للسنوات العشر القادمة وهو التصور المبني على أساس اعتبار روسيا (التهديد الخطير) للغرب. لذلك حشد التصور الاستراتيجي الأطلسي كل لوازم استمرار الحرب حتى هزيمة روسيا . من جهة أخرى تقوم روسيا بحشد صندوق سيادي يتجاوز الستمائة مليار دولار لإنهاء خطر أوكرانيا على روسيا، وكل المساعي الروسية تقول لن تتوقف العملية العسكرية الخاصة حتى تحقيق الاهداف الروسية كاملة. إذاً كلا الطرفين الغربي المتضمن هزيمة روسيا والروسي المتضمن هزيمة الغرب في أوكرانيا يستلزمان حرباً طويلة وربما مستدامة لأن كلا الهدفين صعب وربما مستحيل التحقيق.
مع استمرار الحرب واستدامة القتال وغياب طرف دولي حكيم يتدخل لينجز حلاً سياسياً يوقف الحرب، مع كل ذلك العالم فعلا” يعيش في حالة خطر قاتل. وما يجري من حرب ليس مخاض نظام دولي جديد بل ربما هو أقرب إلى حالة فوضى دولية خطيرة!!