الصراع العربي – الإسرائيلي في الثقافة السياسية الأمريكية
عرض : مني مصطفي محمد*
Jonathan Rynhold, The Arab-Israeli Conflict in American Political Culture (New York: Cambridge University Press, 2015)
علي الرغم من الاعتقاد الشائع بأن الدعم الأمريكي لإسرائيل يأتي بسبب قوة اللوبي الموالي لها داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وقدرته علي التأثير في مجريات السياسة الأمريكية، فإن جوناثان رنهولد، مدير مركز أرجوف للدراسات الإسرائيلية بجامعة بار إيلان، في كتابه “الصراع العربي – الإسرائيلي في الثقافة السياسية الأمريكية” يقدم رؤية مغايرة، حيث يري أن التأييد الأمريكي إنما يرجع للثقافة السياسية الأمريكية ذاتها.
التوجهات الأمريكية تجاه إسرائيل:
تتزايد شعبية إسرائيل بين قطاعات معينة من الشعب الأمريكي، مثل الجمهوريين والمحافظين الذين وصلت نسبتهم في الولايات المتحدة في الفترة من عام 1992 إلي عام 2010 إلي ما يتراوح بين 36٪ و40٪. وقد أظهر استطلاع رأي -تم إجراؤه بواسطة مركز أبحاث جالوب خلال الفترة من عام 2002 إلي مارس 2006- أن نسبة تأييد الجمهوريين لإسرائيل تصل إلي 72٪، فيما قدرت نسبة تعاطفهم مع فلسطين بنحو 7٪.
بيد أن هناك دلالات تشير إلي أن الحروب التي تخوضها إسرائيل تؤدي إلي انخفاض شعبيتها حتى بين أنصارها من الجمهوريين. ففي استطلاع للرأي تم إجراؤه بواسطة مركز بيو، في أثناء حرب لبنان في أغسطس 2006، وصلت نسبة المؤيدين من الجمهوريين لإسرائيل إلي 68٪ بانخفاض قدره 4٪ خلال خمسة أشهر فقط، كما وصلت نسبة المؤيدين الجمهوريين لإسرائيل، في أثناء حرب غزة في يناير 2009، إلي 69٪.
كذلك، تمتلك إسرائيل تأييدا كبيرا بين أبناء الطائفة الإنجيلية الأمريكية إلي درجة دفعت القس الإنجيلي جيري فالويل إلي التصريح بـ “أن تقف ضد إسرائيل كأنك تقف ضد الرب”. ويبرر بعض المتشددين منهم تأييدهم لإسرائيل بالاستناد إلي نصوص دينية، مثل نبوءات الكتاب المقدس عن استعادة مملكة داود في إسرائيل. وأثبت استطلاع لمركز بيو في عام 2003 أن ما يقدر بثلثي أبناء الطائفة الإنجيلية الأمريكيين يؤيدون إسرائيل استنادا إلي معتقدات دينية. ولذا، قام بعضهم بمأسسة هذا التعاطف في صورة منظمات “خيرية” لدعم إسرائيل، علي غرار منظمة “جسور للسلام” التي أنشئت عام 1967 لدعم اليهود المهاجرين من الاتحاد السوفيتي إلي إسرائيل، ومنظمة السفارة المسيحية الدولية بالقدس التي تأسست عام 1980، والتي تمتلك 82 فرعا حول العالم.
وعلي الجانب الآخر، تتزايد التوجهات المناهضة لإسرائيل بين مؤيدي الحزب الديمقراطي والليبراليين، إلا أن هذا لا يعني أنهم يؤيدون العرب، بل يحملون المتطرفين من الجانبين مسئولية احتدام الصراع. وكذلك، يتخذ اليسار موقفا مضادا لإسرائيل، وتلاقي أفكار بعضهم قبولا بين أفراد النخبة الأكاديمية، وبعض وسائل الإعلام.
اليهود في الولايات المتحدة:
يقدر عدد اليهود في الولايات المتحدة في الوقت الحالي بما يتراوح بين 5.2 و6.4 مليون يهودي. ويؤكد الكاتب أن الانتماء للدين اليهودي لا يعني تأييد إسرائيل بالضرورة، لكنه في الوقت نفسه يشير إلي أن العديد من اليهود الأمريكيين يعدون إسرائيل أحد رموز هويتهم الأساسية.
وقد أظهر استطلاع للرأي، تم إجراؤه خلال حرب 1967، أن 99٪ من اليهود الأمريكيين يشعرون بالتعاطف مع إسرائيل، فيما تراجع تأييد إسرائيل بين اليهود الأمريكيين خلال فترة الثمانينيات، خاصة بعد الاعتداءات التي قامت بها إسرائيل خلال حرب لبنان عام 1982، والانتفاضة الفلسطينية الأولي، يضاف إلي هذا حوادث القبض علي بعض الجواسيس الإسرائيليين في الولايات المتحدة.
وتصاعدت نسب تأييدهم من جديد لإسرائيل منذ بداية العقد الماضي، إذ أظهر استطلاع للرأي أن ثلاثة أرباع اليهود الأمريكيين يشعرون بالانتماء إلي إسرائيل، وأن ما يتراوح بين 70٪ و80٪ منهم يؤيدون قيام دولة يهودية كبري. ويلاحظ أن غالبية مؤيدي إسرائيل من اليهود الذين تتجاوز فئتهم العمرية 65 عاما، فيما تقل نسب تأييدهم بين اليهود الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما.
وعلي الرغم من أن نسب الناخبين اليهود لا تتجاوز 4٪ من إجمالي المواطنين الأمريكيين، فإن لهم تأثيرا كبيرا في الانتخابات الأمريكية، نظرا لكون معدل إقبالهم علي التصويت أكبر من أي طائفة أخري في المجتمع الأمريكي. كما أن تصويتهم قد يحسم في كثير من الأحيان نتيجة الولايات المتأرجحة، أي التي لا تحتوي علي أغلبية جمهورية أو ديمقراطية. وقد أظهرت الاستطلاعات، التي تم إجراؤها قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2008، أن قضية إسرائيل من المحددات الرئيسية التي دفعت ما يزيد علي 50٪ من الناخبين اليهود إلي اختيار مرشح بعينه.
الثقافة الأمريكية الداعمة لإسرائيل:
تعددت الآراء حول أسباب التقارب الأمريكي مع إسرائيل، حيث رأي البعض، مثل ستيفن والت، وجون ميرشايمر، أن هذا التقارب يعود إلي قوة اللوبي الموالي لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، فيما حاول البعض تفسير هذه العلاقة استنادا إلي مفهوم المصلحة القومية، نظرا لكون إسرائيل تمارس دورا داعما لمصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
وعلي النقيض من هذا، رأي الكاتب أن الثقافة السياسية تعد المدخل الأنسب لتفسير الدعم الأمريكي لإسرائيل، فقد انتمي عدد كبير من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة إلي الطائفة البروتستانتية المتشددة، وكانوا يرون أنه من الأفضل قراءة الكتاب المقدس باللغة العبرية، وقد تم تدريس هذه اللغة لسنوات طويلة في الجامعات الأمريكية.
وفي هذا السياق، تمت ترجمة آلاف النسخ من الكتاب المقدس إلي اللغة الإنجليزية حتى أصبح الكتاب الأكثر قراءة في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، وأطلقت أسماء عبرية علي العديد من المنشآت والشوارع الأمريكية. كما شهدت الفترة نفسها قيام العديد من المواطنين الأمريكيين بزيارة فلسطين المحتلة، مع قيامهم بكتابة تقارير ومقالات تدعو إلي زيارة أرض الميعاد.
وقد استند كلارك كليفورد، كبير مستشاري البيت الأبيض في عهد الرئيس هاري ترومان، في أثناء مناقشة قضية الاعتراف بإسرائيل، إلي ما ورد بالتوراة عن وعد الله للشعب اليهودي، ولقب الرئيس ترومان نفسه باسم كورش، وهو الملك المذكور في التوراة، والذي استرد لليهود الأرض المقدسة. واستند الرئيس ليندون جونسون أيضا في تأييده لإسرائيل إلي ما ورد في الكتاب المقدس.
وأشار كلينتون في مذكراته إلي أن أحد القساوسة في كنيسته أخبره بأن الله لن يغفر له إذا تخلت عنه إسرائيل. ويؤكد الكاتب في هذا الصدد أن هذا يدل علي تأثر المنظومة القيمية لدي العديد من الرؤساء الأمريكيين بما ورد في الكتاب المقدس عن أرض الميعاد.
من ناحية أخري، تعد القيم الليبرالية والديمقراطية أحد المكونات الأساسية لمنظومة القيم الأمريكية، وهو ما دفع عددا من الأمريكيين إلي تأييد إسرائيل دون أن تكون لهم مصلحة مباشرة في ذلك، إذ رأي بعضهم أن قيام دولة لليهود هو تطبيق صريح لمبدأ حق تقرير المصير. وأكد البعض أن إسرائيل تمتلك ديمقراطية شبيهة بتلك التي تمتلكها الولايات المتحدة، وهو ما أكده استطلاع للرأي، تم إجراؤه في عام 2008، بأن أكثر من 80٪ من المواطنين الأمريكيين يرون أن إسرائيل تتشارك مع الولايات المتحدة في احترام الحرية والديمقراطية.
إجمالا، يري الكاتب أن الثقافة الأمريكية قد تأثرت بالثقافة العبرية، وهو ما أدى إلي تسهيل التقارب بين الولايات المتحدة وإسرائيل. كما يشير إلي أنه علي الرغم من وجود بعض الدعوات الأمريكية التي تدعو للضغط علي إسرائيل من أجل التوصل إلي تسوية للصراع العربي – الإسرائيلي، فإن تلك الدعوات تؤكد في الوقت نفسه -في مضمونها- الضغط علي العرب بشكل أكبر.
*باحثة في العلوم السياسية
صحيفة البيان الأماراتية