الصندوق الأسود هل هو وهم أم حقيقة؟
رواية بعد أخرى يسعى الكاتب وليد عودة للاستفادة من نظريات التحليل النفسي في كتابة النص الروائي، وهي الميزة الأساسية لعمله الروائي “الصندوق الأسود”، إذ يلعب اللاوعي دوراً بارزاً في تكوينه، بالإضافة إلى بنية الحلم وبنية اللغة، وبذلك تغدو كتابة النص الروائي هنا استثماراً لصور الحلم، ولمكونات اللاوعي، ولانتظامات اللغة في تشكلاتها الجُملية، وتعبيراتها المختلفة التي تروم البحث عن المكونات النفسية للبنية اللاواعية للشخصية الروائية؛ ما يعني أننا أمام روائي قادر، على تمثيل الحياة النفسية الإنسانية مستبقاً بذلك رجل العلم.
ينفتح المشهد الروائي على رجل يشعر أنه محتجز في صندوق خشبي مظلم، يستغيث ولا من مجيب، تارة يشعر أن الصندوق ارتفع عن الأرض، وأخرى يشعر أن روحه تبتعد عن جسده، ونور ساطع أمامه، من هذا المشهد تنطلق الرواية في تفسير الحدث ومنها أنه تم إنقاذه من الغرق عندما سقط من فوق جسر في حادثة تصادم مروري اتبعه انفجار، وأنه الناجي الوحيد من الحادث، هذا ما قاله أطباء المستشفى التي نُقل إليها، أو أن ذكرى قديمة عن عائلته عادت إليه في أحلامه؟ أو أن روحه سكنت جسداً آخر وتطلب منه إخبار عائلته بمكانه. أو أن كوابيس حلّت بكيانه، يرى فيها أناسا أغراب لا يعرفهم، استوطنوا خياله وباتوا يتحكمون في كل حلم يراه.
يتناوبون فيما بينهم لقص حكاياتهم الغريبة التي تجري في أراضٍ بعيدة لا يخطر بباله أنه زارها من قبل. أو أنه أُصيب بفقدان ذاكرة مؤقت على إثر حادث سيارة فقد فيه أربعة من أولاده وسيعود إلى وعيه تدريجيّاً. أو أن عقله خلق واقعاً بديلاً بتفاصيل مختلفة تماماً وبأحداث حقيقية تماماً يملأ فيها حياة موازية في عالم الأحلام.
وتتوالى الأحلام بشكل يومي؛ فبمجرد أن يغمض الرجل عينيه ينتقل إلى عالم آخر. إلى رواية تقص أحداثها امرأة تارة ورجل تارة أخرى. ولا تبدو ملامحهما واضحة في الحلم. وغير واضح إن كان أبطال رواية المرأة هم أنفسهم أبطال رواية الرجل أم غيرهم حيث ينتقل الراويان في سردهما لأحلام البطل بين أزمان مختلفة وبلاد كثيرة مترامية الأطراف!
ولكن ماذا لو كانت أحلامه ومضات من أحداث، ولم يكن راوياً، يصف أفراد عائلته. ماذا لو كانت الأحلام فصلاً من رواية قرأها فيما سبق وتأثر بها فعلقت في ذهنه؟ والأهم ماذا عن الصندوق الأسود هل هو صندوق حقيقي أم وهمي؟
أما الجديد الذي يتطرق إليه الروائي وليد عودة في هذه الرواية فهو تسليطه الضوء على العلوم المتعلقة بخوارق الأمور والحالات التي لم يجد العلم التقليدي تفسيراً موثوقاً لها. وهنا المفاجأة التي يُطلقها الروائي عندما يجعلنا نبحث وبشغف بعد الانتهاء من قراءة روايته عن مصطلح “الإسقاط النجمي” أو ما يُعرف بالإسقاط الأثيري الذي يفسر علاقة الروح بالجسد وخروجها منه، والتخاطر الذهني وانتقال الأفكار من عقل إلى آخر وغيرها من ظواهر وافقها بعض العلماء وشكك بها آخرون.
صدرت الرواية عن الدار العربية للعلوم ناشرون، وجاءت في 264 صفحة.
ميدل إيست أون لاين