الضحايا لا يصنعون المستقبل (وائل عبد الفتاح)

 


وائل عبد الفتاح

ـــ 1 ـــ

هي حرب. نرى منها جلطات الدماء. صرخات الضحايا في انفجارات واشتباكات. قسوة الوجوه. ارتباكات أجهزة الدولة في القاهرة و«اللا دولة» في بيروت. انها النهايات التي لا نهاية لها. نظام عربي كامل يحتضر منذ سنوات. احتضاره لا يصل حد الموت. لكنه يريد أن يلغى من الحياة المقبلة بإثباته أنه لا بديل له أو منه. لا شيء أقسى من الشعور بالموت ملتبساً بالحياة. ولا حرب أقوى من تفجيرات بلا أهداف معلنة. لها رسائل مشفرة ومن أطراف كلها مهزومة.
لم يعد في أنظمة ما بعد التحرر من الاستعمار الأجنبي شيء سوى القدرة على خنق البديل/ المستقبل ليتسرب الإحساس بأن في الماضي أماناً.
فالتوازن الطائفي في لبنان أفضل من مستقبل بلا طوائف! والثورة في مصر لا استقرار معها! فلا تحلموا بعالم جديد. فقط استقبلوا علامات من قدرة الماضي على قتل المستقبل حياً.
أو على الأقل هناك إشارات على هشاشة محاولات الخروج من الممر المعتم.

ـــ 2 ـــ

الهشاشة التي تقوم على البسالة/ في القاهرة والغضب أو الخوف في بيروت… طريقها قصير.
هذا رغم ما يُكتشف ببطء في لبنان من وصول «لا دولة الطوائف» إلى حائط مسدود/ وما يُعاد اكتشافه كل بضعة أشهر في القاهرة من انسداد أفق دولة الاستبداد المقنع مع تبدل الأقنعة.
الحرب تديرها الكيانات القديمة لتحافظ على مربعاتها وتشرعن القائم باعتباره «السد العالي» في مواجهة المجهول المقبل، أو المؤامرة الكبرى التي تستهدفنا.
وماذا ستفعل المؤامرات أكثر مما فعلت محاولات حمايتنا منها؟ يقولون إن انفجار الضاحية لم يحقق أهدافه/ وماذا عن تلك الدماء ـ الأرواح ـ الدماء المتجلطة على الإسفلت؟ هل هناك هدف أقوى من الحفاظ على الحياة…؟
وتقيم السلطات الانتقالية في مصر نصباً تذكارياً لضحايا مجازرها، قبل ان تحاكم قاتليهم، في النصب اعتراف مبطّن ومحاولة بلهاء في امتلاك سردية تتوهم «طرفاً ثالثاً».
الضحايا لم ينتقموا بعد في بيروت، لكنهم في القاهرة حطّموا نصب السلطة قبل أن يجفّ حجر تأسيسه.

ـــ 3 ـــ

الضحايا طبعاً لا يصنعون المستقبل… ولا يقيمون دولاً… لكنهم يُشعلون الحروب إلى أجل غير مسمّى.
باسم الضحايا قد تسقط أنظمة، وهذا ما يهدد الحكومة الانتقالية في مصر بتصادم قطار دهشور وضحاياه نتيجة الإهمال والتداعي في ثاني أقدم شبكات السكك الحديدية في العالم. إنها مصيدة الضحايا والأنظمة. عندها يتمّ اكتشاف الفشل. ويتم تغيير المسؤول أو صبّ اللعنات على الحاكم. وهنا ينسدّ الطريق على ما هو أبعد.
وكذلك تثير الانفجارات المجتمع في بيروت، وينفجر الغضب من الدخول في حروب إقليمية بالوكالة، وينتهي الغضب عند اللعنات المصحوبة بتغيير الأوزان النسبية للطوائف.
إلى أين؟
ماذا سيحدث؟
تتكرر الأسئلة، ولا شيء يتغير سوى أن الإجابات القديمة كلها لم تعد صالحة للاستخدام الطويل. لا رهان على ما كان يُراهَن عليه. ولا استقرار مع كل تبديل له. ولا انتصار لمن يتوهّم استعادة قوته بتحالفات جديدة. ولا شيء سوى الانسجام مع الفوضى والشعور بالحرب الذي هو أقسى من الحرب نفسها.
إلى أين؟
الغيم لا يقول شيئاً ولا يمكن التأكد من أن حالة السلام مع الفرجة على ماضي يحتضر لم تعد قادرة على الاستمرار، فلا دولة الاستبداد صالحة للمستقبل في مصر و«لا دولة الطوائف» قادرة على الطفو بلبنان من جديد.


صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى