الضرر الجانبي للموسيقى
“مدفعية السلعة قادرة على دك برج إيفل”
____________________________
الكارثة… أن يموت الناس سواء في مسرح الموسيقى أم في المطعم أو الشارع. وبهذه الطريقة التي يشبع فيها الضحية موتاً من الذعر قبل أن يموت من الرصاص.
والكارثة الثانية… ألا يكون هناك في فرنسا من يضغط الضغط الكافي لدفع المعيار الأخلاقي في الموقف من الإرهاب إلى الواجهة الفرنسية في التعاطي مع الظواهر. والأخلاقي هنا هو الإغضاء عن الإرهاب في سورية والعراق مقابل أجر السكوت المدفوع نقوداً ومصالح مع السعودية وقطر وتركيا.
أما الكارثة الثالثة… فهي الاستمرار في التهرب من الحقيقة، وهي أن الجانب الأيديولوجي الديني سيكون المحرك الدائم للقوى الإسلامية في أوروبا (في فرنسا 7 ملايين مسلم) وسيكون الفكر الجهادي مما يستحيل مقاومته بهذه الميوعة الأوروبية في الموقف والممارسة العملية ضد الإرهاب.
ما سنراه في الأيام القادمة هو المزيد من العناد في فهم متجاهل لظاهرة الإرهاب، وموطنه، ومسرح عملياته، وجذوره، وخفاياه. الأمر الذي سيبدو في الموقف من أحداث سورية والعراق واليمن وليبيا. فحتى الآن هناك مكابرة مدفوعة الأجر في تفسير التطورات في الميدان العسكري السوري، على وجه الخصوص، وهناك مكابرة في تقييم الحادث الليبي على شكل كارثة لعبت فيها فرنسا الدور الأول، ذلك التقييم الذي لا يقول ،علناً وبصراحة، لقد مارست السياسة الفرنسية أقذر وأحط أنواع النفاق المدفوع الأجر (تماماً كالطريقة المألوفة عند العصابات، وليس الدول المتحضرة، وفي مدن النور).
اعتباراً من الغد ستعلو أصوات أهالي الضحايا، بعد انضمامهم إلى ضاحية اليمين الفرنسي (لوبان) بأن كل يورو دفع ، باليد اليمنى إلى الحكومة الفرنسية، وباليسرى إلى المجموعات المسلحة في سورية صار، كما رأينا، رصاصة في صدر الفرنسيين وهم يسمعون موسيقى الروك التي تعني الفرح وليس المأساة .
إن أي موسيقى من الآن فصاعداً، ستكون جزءاً من ذاكرة الفرنسيين الانفعالية دون أن يترسخ، في نفس الذاكرة، مشهد القتل العمومي في سورية بالسكاكين وكل الأسلحة، وفي كل مناطق الفتك المتطرف.
الشيء البسيط الوحيد الذي يمكن الذهاب إليه بأسرع وقت هو الانضمام إلى الحلف الموسع ، بقيادة الروس والأمريكان، لإنجاز العملية العسكرية التقليدي، وهي أولاً الكسر المهني الناجز لفقرات العمود الفقري للعسكرية الإرهابية. وتجفيف مستنقع الأموال، التي تتدفق على كل من يطلق رصاصة في الأرض السورية والعراقية واليمنية .
وللأسف، ليس من المستبعد أن يستمر التجاهل ويستمر أسلوب المماطلة، وأن تتحكم بقرارات الدول الأوروبية معاندة الحقائق على الأرض، وأن تظل عبارة “رحيل الأسد” شرطاً للسياسة في الشأن السوري، الأمر الذي سيجعل من الدول الأوروبية، لاحقاً، واحدة تلو الأخرى، عرضة لمذابح الإرهاب. ربما، عندئذٍ، يتراكضون إلى الانضمام لحلف مكافحة الإرهاب متأخرين بضع آلاف من الجثث والأشلاء.
في وصف ما يجري…هناك مئات الأوصاف والصفات.
أولها أن دولاً عديدة مشهورة بمخابراتها وجواسيسها كفرنسا وبريطانيا وأمريكا…ما تزال تنفذ سياسات مصالح اقتصادية، مع التجاهل للضرر الجانبي لهذه المصالح، وأن فكرة الحروب، للحماية وتوزيع الحصص، ليست قابلة للتكرار دائماً إلا على شكل الأساليب المبتذلة للمرابي، والنصّاب، والشرير الذي يملك القوة، وجزءاً من جينات استعمار قديم.
هناك شيء رمزي في الأحداث الفرنسية: الحضارة ليست صالة للموسيقى، وميترو للأنفاق، وأبراجا لمناطحة السماء. ففي دقيقة واحدة يقال للفرنسي: “لا تخرج من بيتك” لأن ثمة مسلحين في الشارع، وقوات خاصة تقتل مائة هاوي موسيقى، فيما تحاول إنقاذهم.
الإرهاب موجود في فتاوى ونصوص دينية، ولكنه يصبح مجرد تبشير ثقافي، لاعنف فيه، إذا لم يكن مسلحاً… فالنبي الأعزل كان موجوداً بكثرة في كل مراحل التاريخ، ولكن لا أحد سمع به.
النبي المسلح هو الذي يزخ الرصاص الآن …
ويسمعه الجميع!