الضغوط الأميركية تؤتي ثمارها: لا انطلاقة قريبة لـ«الدستورية»…على مدار الشهر الفائت، أثارت «المبادرة العربية تجاه سوريا» (لجنة الاتصال العربية)، تساؤلات حول إمكانية مضيّها قدماً، في ظلّ الضغوط الأميركية المتواصلة لإفشال خريطة الطريق، التي تمّ الاتفاق عليها مع دمشق، والتي تهدف على نحو أساسي إلى دفع العملية السياسية، بالتوازي مع فتح الأبواب أمام عودة اللاجئين السوريين. وإذ لم تشهد عملية تنفيذ تلك الخريطة أيّ تقدّم بعد، فقد دفع هذا السكون وسائل إعلام عدة إلى الحديث عن تجميد المبادرة، قبل أن يخرج الأمين العام المساعد لـ«جامعة الدول العربية»، حسام زكي، نافياً هذه الأنباء. وفي غضون ذلك، خطت دمشق خطوات واسعة في إطار العلاقات العربية الثنائية عبر تعيين سفير لها في تونس، وقنصل في الرياض، تمهيداً لإعادة فتح السفارة بصورة رسمية هناك.
منذ بدء عودة العلاقات السورية ـــــ العربية، وإنهاء التجميد لعضوية دمشق في “جامعة الدول العربية“، رفعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون وتيرة الضغوط السياسية والاقتصادية لمنع أيّ انفراجة في المشهد السوري، بما يضمن استمرار الوضع القائم، وذلك بالتوازي مع تحصين واشنطن قواعدها في الشرق، استباقاً للآثار المتوقّعة لعملية التطبيع السورية – التركية الصعبة، والتي تحاول كلّ من روسيا وإيران إنجازها على خطّ موازٍ للانفتاح العربي. وبالفعل، تمكّنت واشنطن من عرقلة بعض الخطوات التي كان من المُفترض أن تُنجز ضمن “المبادرة العربية”، وعلى رأسها خطوات تتعلّق بمسألة اللاجئين السوريين، وخطط فتح باب العودة التي تتطلّب تسريع وتيرة مشاريع «التعافي المبكر»، لضمان تأمين بيئة مناسبة للحياة في المناطق التي تسبّبت الحرب في تدمير بنيتها التحتية الأساسية.
وفي قرار يمكن عدّه ثمرة لهذا النجاح، تراجع المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، عن تصريحاته السابقة الداعمة لـ«المبادرة العربية»، التي كانت قد أوجدت حلاً لمشكلة الجمود لمسار «اللجنة الدستورية» الأممي، من جراء الخلاف على مكان عقد الاجتماعات، وذلك بعد تخلّي سويسرا عن حياديتها، وانضمامها إلى الدول المعادية لروسيا في حربها مع أوكرانيا. إذ أفضت النقاشات العربية إلى اختيار مسقط في سلطنة عمان، مقراً لعقد الاجتماعات التي من المفترض أن تُستكمل قبل نهاية العام الحالي، وهو أمر عبّر بيدرسن عن «سعادته» بحصوله، وأبدى دعمه له، قبل أن يتراجع عن موقفه، و«يصرّ على عقد الاجتماعات في جنيف»، وفقاً لما نقلته جريدة «الوطن» السورية عن مصدر ديبلوماسي. وأكد المصدر أن «فرص انعقاد الجولة التاسعة للجنة الدستورية في العاصمة العمانية شبه معدومة، حيث تجري في الوقت الحالي مفاوضات للاتفاق على مكان محايد لعقد اجتماعات اللجنة».
الضغوط الأميركية تؤتي ثمارها
وبينما تعيش «المبادرة العربية» أوقاتاً صعبة، تشهد العلاقات السورية مع بعض الدول العربية، خطوات توثيق متزايدة، آخرها تعيين محمد محمد سفيراً لدمشق في تونس، التي كانت قد عينت في شهر نيسان الماضي سفيراً لها في سوريا، الأمر الذي أعاد الصلات السورية – التونسية إلى حالها قبل الحرب. وعلى المنوال نفسه، تمضي العلاقات بين دمشق والرياض، إذ أرسلت الأولى وفداً ديبلوماسياً إلى الثانية، يضمّ قنصلاً، تمهيداً لإعادة فتح السفارة، وسط أنباء عن تعيين المعاون لوزير الخارجية السورية، أيمن سوسان، سفيراً في المملكة. وأتت هذه الخطوة في وقت أكد فيه نائب وزير الخارجية، بسام الصباغ، أن «سوريا تسير على طريق استئناف العلاقات الديبلوماسية مع المملكة العربية السعودية، وتتطلّع إلى مزيد من تطوير العلاقات معها».
وعلى صعيد المبادرة الروسية – الإيرانية لفتح الأبواب المغلقة بين دمشق وأنقرة، يبدو أن «خريطة الطريق»، والاقتراحات الثنائية الروسية والإيرانية بالعودة إلى «اتفاقية أضنا»، وتشكيل غرفة مشتركة بين الدولتَين، وعودة الجيش السوري إلى الحدود لتأمينها، لم تتمكن حتى الآن من دفع عملية إعادة تطبيع العلاقات السورية – التركية. إذ تصرّ سوريا على انسحاب الجيش التركي من الأراضي السورية، وقطع أنقرة علاقتها بالتنظيمات المسلحة، في وقت تتابع فيه تركيا مراوغتها بحثاً عن مكاسب من دون مقابل، بما يشمل التخلّص من عبء اللاجئين السوريين.
وظهر ذلك بصورة واضحة في تصريحات أطلقها وزير الدفاع التركي، يشار غولر، الذي طلب من دمشق «التعاون لمحاربة الأكراد»، بدلاً من الإصرار على انسحاب قوات بلاده. وقال: «يقولون سوف تخرجون من هناك. لماذا يجب أن نخرج؟»، مضيفاً إن القوات التركية ستغادر «بعد أن تُؤمّن حدودنا وتتوافر بيئة سلمية تسهّل عودة السوريين».
في هذا الوقت، وفي خطوة ذات طابع إعلامي، استضاف وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، وفداً من المعارضة السورية يضمّ رئيس «الائتلاف»، هادي البحرة، الذي تسلّم منصبه بعد انتخابات صورية أثارت خلافات وانشقاقات في أوساط المعارضة، إضافة إلى رئيس “هيئة التفاوض”، بدر جاموس، ورئيس «الحكومة المؤقتة»، عبد الرحمن مصطفى، الذي تسوّقه تركيا على أنه يمثّل واجهة المعارضة. وناقش الوفد مع الوزير التركي «آخر تطورات الأوضاع في سوريا، ووضع اللاجئين، وتعثر العملية السياسية في جنيف وسبل تفعيلها، كما بُحثت الأوضاع الاقتصادية في الشمال السوري»، وكيفية «النهوض بها».