الضغوط الأميركية تثمر: اتفاق كردي ــ كردي «أوّلي»
لم تمر خمسة أيام على النعي شبه الرسمي لقيادات كردية محسوبة على «الإدارة الذاتية» للمفاوضات مع أحزاب «المجلس الوطني» الكردي، إثر اشتداد الخلافات، لتأتي خطوة التوصّل لاتفاق سياسي بين الطرفين، أمس، بمثابة المفاجأة. فالمعطيات التي رشحت في خلال فترة انتهاء المرحلة التمهيدية، وبداية المرحلة الأولى من المفاوضات بين الجانبين، أوحت بصعوبة التوصّل لاتفاق أو تفاهم، في ظل تباين واضح في الرؤى السياسية، ترافق مع ضغط إقليمي لتعطيل الخطوة. لكن، يبدو أن الضغوط الأميركية على الطرفين، وبمساعدة من حكومة كردستان العراق، أدّت إلى إحداث ثقب في جدار المواقف المتناقضة بينهما، ليخرجا ببيان مشترك، بحضور ورعاية أميركيين، ويعلنا التوصّل إلى رؤية سياسية مشتركة. ووفق البيان، فإن الوفدين «توصّلا لرؤية سياسية مشتركة ملزمة، والوصول إلى تفاهمات أوّلية، واعتبار اتفاقية دهوك 2014 حول الحكم والشراكة في الإدارة والحماية والدفاع أساساً لمواصلة الحوار».
وتتضح الضغوط، من خلال إشارة البيان المشترك إلى دور السفير الأميركي وليام روباك، وإقليم كردستان العراق (مسعود ومسرور البرزاني)، في إنجاز الاتفاق بينهما. ويعكس الإلحاح الأميركي على تحقيق تقدّم في المفاوضات، رغبة في توافق كردي ــــ كردي تمهيداً لمشروع إعادة هيكلة المعارضة السورية، وتبديد مخاوف أنقرة من النزعة الانفصالية للكرد السوريين.
ورغم الأجواء الإيجابية للاتفاق، فإن عدم تحديد طبيعة الرؤى السياسية للطرفين المذكورة في البيان، تكشف عدم وجود توافق سياسي حقيقي، في ظل الهوة الواسعة في التوجهات السياسية والعسكرية والولاءات والتحالفات المتناقضة. ولا تبدو، في ظل هذه الأجواء، ثمّة إمكانية للتوصّل إلى اتفاق شامل، في ظل توقعات باستمرار الضغوط الكردية على «المجلس الوطني»، ورفض «الذاتية» المستمر لفكرة إعادة تشكيل «الإدارة الذاتية» و«قسد».
وعليه، يمكن القول إن الاتفاق جاء لتجنّب إعلان فشل الجهود الأميركية الغربية المشتركة، ولإعطاء فرصة للطرفين لإبداء مرونة أكثر في الجولات المقبلة، التي ستزداد صعوبة مع البدء بنقاش الرؤى الإدارية والعسكرية للمنطقة.
وفي هذا الإطار، تؤكد مصادر مطلعة على مسار المفاوضات، لـ«الأخبار»، أن «الاتفاق أنجز بعد سلسلة من الضغوط الأميركية والغربية وأخرى من حكومة كردستان العراق». وتكشف المصادر أن «واشنطن هدّدت بالانسحاب من سوريا، وإطلاق يد تركيا في الشمال السوري، في حال استمرار العناد من الطرفين»، مبيّنة أن «الاتفاق أوّلي، وسيعقبه ظهور للخلافات مع الوصول إلى نقاط خلافية تتعلّق بالملفات العسكرية والإدارية». وتبيّن المصادر أن «نقاش خطوة إعادة تشكيل الإدارة الذاتية وقسد على مبدأ 50 ـــ 50 ستكون مفصلية في مستقبل المفاوضات وإمكانية نجاحها المطلق».
يعتبر القيادي في «المجلس الوطني» الكردي، وعضو الوفد المفاوض عن المجلس، محسن ظاهر، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الاتفاق مهم للمنطقة والوطن السوري، كخطوة نحو توحيد الصف الكردي في سوريا». ويوضح أن «الاتفاق شمل الرؤى السياسية، على أن يتم نقاش الرؤى الإدارية والعسكرية، كسلة متكاملة في الجولات القادمة». وينفي «وجود أي ضغوط تركية»، مشدداً على أن «المجلس يتمتع باستقلالية في اتخاذ القرارات»، قبل أن يستدرك: «المجلس يتفهّم المخاوف الإقليمية من إنجاز اتفاق شامل»، في إشارة إلى تركيا.
في المقابل، تؤكد الناطقة باسم حزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي» (PYD) سما بكداش، أن «الاتفاق أوّلي ومبدئي وصيغ على أساس رؤية سياسية مشتركة للطرفين»، مضيفة أنه «خطوة للحفاظ على الإدارة الذاتية كمشروع مهم للجميع». ورأت أنهم كحزب «سيعملون على استمرار المفاوضات وإزالة أي عقبات مستقبلية في وجهها، للوصول للوحدة الكردية»، محذّرة من أن «أي فشل لتوحيد الصف الكردي، سيشكل خطراً وجودياً على الكرد». وتقرّ بكداش بوجود «ضغوط إقليمية لعرقلة المفاوضات وإفشالها»، معتبرة أن «نجاح المفاوضات سيكون بمثابة مفتاح حل للأزمة السورية».
الباحث والسياسي الكردي المستقل، فريد سعدون، وفي حديث إلى «الأخبار»، يعلّق على الاتفاق بالتأكيد أنه «جاء في ظروف مفصلية تعيشها المنطقة تتعلّق باستمرار التهديدات التركية وغلاء المعيشة والمخاوف من عودة داعش، ليكون اتفاقاً مبدئياً فرضته الضرورة». ويرى أن «هناك تفاصيل صعبة لا يمكن تجاوزها في المفاوضات، تتعلّق بالملفات الاقتصادية والعسكرية والإدارية»، معتبراً أن «الضغوط الأميركية المتزايدة على الطرفين قد تحقّق خرقاً مهمّاً، سيؤدي إلى مزيد من التفاهمات بين الطرفين». ويتوقّع أن تشهد الأيام المقبلة تصاعداً في التحرّكات التركية، الهادفة إلى تعطيل الاتفاق، من خلال مضاعفة الضغوط على أحزاب «المجلس»، مع التلويح بإمكانية استئناف عملية «نبع السلام»، واستهداف الشريط الحدودي من المالكية حتى عين العرب.
صحيفة الاخبار اللبنانية