الضغوط المالية تدفع السعودية الى تعديل طفيف في سياستها النفطية
يرجح محللون أن يكون الضغط الاقتصادي الناتج عن انخفاض أسعار النفط قد دفع السعودية للمضي في اتفاق مفاجئ لخفض الانتاج بين أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك)، إلا أن المملكة تبقى مصممة على الحفاظ على حصتها من السوق.
ومنذ بدء تراجع أسعار النفط منتصف عام 2014 رفضت السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم أي محاولات لخفض انتاج أوبك، مفضلة الاحتفاظ بحصتها الريادية في السوق على حساب إنعاش الأسعار.لكن موقف الرياض كان أكثر ليونة خلال اجتماع غير رسمي الاربعاء للمنظمة في الجزائر، ما ساهم في التوصل إلى اتفاق بين دول أوبك على خفض الانتاج بمعدل مئات آلاف البراميل يوميا.
ومن الأسباب التي دفعت السعودية لرفض خفض انتاجها في السابق زيادة خصمها الإقليمي ايران تدريجيا في انتاجه منذ مطلع 2016، اثر رفع عقوبات اقتصادية دولية عنها.
وبموجب الاتفاق الجديد، سيتراجع انتاج أوبك إلى ما بين 32.5 مليون برميل يوميا و33 مليونا، بدل من مستوى 33.47 مليون برميل يوميا المسجل في اغسطس/اب. ويعفي الاتفاق إيران التي تسعى للعودة الى مستويات انتاجها في مراحل ما قبل العقوبات والذي كان يناهز 4 ملايين برميل يوميا، من خفض انتاجها.
وتقف ايران والسعودية على طرفي نقيض في نزاعات المنطقة لاسيما سوريا واليمن. كما أن علاقاتهما الدبلوماسية مقطوعة منذ مطلع 2016.
وقال الخبير النفطي الكويتي كامل الحرمي “لا شك أن السعودية تشعر بالتأثير الاقتصادي لعائدات النفط المنخفضة والتي تضاف إليها كلفة الحرب في اليمن والتوترات الاقليمية”.
وتابع “لكن من خلال تسهيل الاتفاق، سجلت السعودية نقطة سياسية مهمة. أظهرت أنها لا تزال تمسك بزمام أوبك. أعادت تثبيت قيادتها”.
واشار إلى أن التنازلات السعودية لم تقتصر على إيران بل طالت أيضا نيجيريا وليبيا حيث لن يشملهما خفض الانتاج.
وكانت السعودية المنتج الوحيد في أوبك الذي يتمتع بهامش اضافي من الإنتاج، يتيح لها زيادة كمياتها وخفضها للتأثير على السوق، إلا أن المملكة تخلت عن هذا الامتياز منذ 2014 وركزت على حماية حصتها من السوق في ظل منافسة شرسة من منتجين خارج أوبك.
وفي ظل عدم تمكن المنظمة من التوصل إلى مخرج لإعادة رفع الأسعار وتنامي حصة الدول غير المنضوية فيها من سوق النفط (وصلت لزهاء 60 بالمئة)، بدأت الاسئلة تطرح عن جدوى استمرار أوبك.
ويقول كبير استراتيجيي الأسواق في شركة “اكسي ترايدر” غريغ ماكينا “العديد من أعضاء أوبك يعانون اقتصاديا من الأسعار المنخفضة. اقتصاداتهم متباطئة أو منكمشة ويواجهون مشكلات في الميزانية”، مضيفا “يبدو أن الحافز المالي تفوق على السياسات الداخلية لأوبك”.
من جهتها، اعتبرت شركة “كابيتال ايكونوميكس”، ومقرها لندن، أن من الأسباب المرجحة للاتفاق “شعور السعودية بالحاجة للتوصل إلى أي اتفاق لإعادة تعويم مصداقية أوبك”. ورأت أن صانعي السياسات السعودية “كانوا قلقين بشكل متزايد من تأثير التقشف المالي على اقتصادهم”، وهو من الأكبر في المنطقة.
وبعدما وصلت إلى مستويات تتجاوز المئة دولار للبرميل منتصف العام 2014، تراجعت أسعار النفط إلى ما دون الثلاثين دولارا للبرميل مطلع 2016، قبل أن تستعيد بعضا من عافيتها خلال الأشهر الماضية.
وأثر هذا الانخفاض بشكل سلبي على ايرادات الدول النفطية. واعلنت السعودية في 2015 تسجيل عجز قياسي في ميزانيتها بلغ 98 مليار دولار، ما اضطرها لاتخاذ خطوات تقشف وتقليص النفقات.
ويرى كبير محللي الاسواق في شركة “اواندا” جيفري هالي، أن السعودية قد تكون “أعادت تقييم سياستها النفطية السابقة القاضية بضخ كميات كبيرة في الأسواق لإخراج النفط الصخري الأميركي” منها، إلا أن الضغط على ميزانيتها “بلغ بشكل واضح الحد الأقصى”.
وفي حين يعتبر هالي أن الخطوة السعودية تعكس “تغييرا جذريا” في مقاربة الرياض النفطية، بدا محللون آخرون أكثر حذرا.
واعتبرت “كابيتال ايكونوميكس” أنه من غير المرجح أن “يغير الاتفاق قواعد اللعبة بالنسبة للمملكة العربية السعودية، حتى وإن كانت هي ستتحمل الجزء الأكبر من خفض الإنتاج”.
وأضافت “الاتفاق يظهر أن السلطات السعودية عدلت بشكل بسيط من موقعها المعارض في اتجاه عمل منسق في السوق النفطية لكننا نبقي على رؤيتنا القائلة بأن المملكة ستواصل تقبل أسعار نفط منخفضة نسبيا وتمضي في اعتماد سياسة مالية تقشفية”.
وقال مصدر في القطاع النفطي إنه من المبكر الحكم على مدى التغيير في السياسة النفطية السعودية، مشيرا إلى أن العوامل الاقتصادية الداخلية “قد تكون قوة دفع” خلف تعديلات محتملة.
ويعتبر كبير المستشارين لدى “آي اس اتش للطاقة” سبنسر ولش أن التغيير السعودي لم يكن بارزا بل إن مسؤولي المملكة “قالوا لفترة انهم مستعدون للاتفاق في حال التزم الآخرون. يبدو أن الآخرين وافقوا”.
ميدل ايست أونلاين