بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، وجدت الطائفة العلوية نفسها في مواجهة واقع جديد يفرض عليها إعادة تعريف دورها وموقعها في سوريا الجديدة. لعقود طويلة، كانت الطائفة مرتبطة بالسلطة، ليس من خلال خيار واعٍ وإنما عبر ديناميكيات سياسية وأمنية فرضت عليها هذا الدور. اليوم، ومع انتهاء عهد الأسد، تتجه الأنظار إلى كيفية تعامل العلويين مع إرث النظام ومسؤولياتهم تجاه المرحلة القادمة، في ظل تحديات لا يمكن تجاهلها.
المشكلة الأساسية التي تواجه الطائفة ليست فقط في الموقف العام للمكونات السورية الأخرى منها، وإنما أيضًا في غياب القيادة المدنية التي يمكن أن تعبر عن تطلعاتها بعيدًا عن إرث النظام السابق. على مدار سنوات، كانت السلطة المركزية هي التي تحدد مسار الطائفة، لكنها اليوم تواجه فراغًا سياسيًا واجتماعيًا يزيد من حالة القلق الداخلي. البعض يخشى من محاولات التهميش أو الانتقام، فيما يدرك آخرون أن استمرار العزلة لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة.
الطائفة العلوية ليست كتلة متجانسة، وهذا ما يجب أن يكون واضحًا في أي نقاش حول دورها في سوريا القادمة. هناك أصوات من داخل الطائفة بدأت منذ سنوات تعارض سياسات النظام، وكان أصحابها من أوائل من واجهوا القمع بسبب مواقفهم المستقلة. هؤلاء لا يجب أن يكونوا في موقع الدفاع، بل عليهم أن يكونوا في مقدمة الحراك الساعي إلى العدالة الحقيقية، بحيث لا تكون هذه العدالة انتقائية، بل تشمل الجميع، بما في ذلك من ارتكب انتهاكات بحق العلويين منذ بداية الثورة السورية وحتى سقوط النظام.
يمكن للطائفة العلوية أن تتبنى موقفًا استباقيًا وتطالب بشكل علني بآليات محاسبة عادلة، ليس فقط لتأكيد عدم مسؤوليتها الجماعية عن جرائم النظام، وإنما أيضًا لسحب الذرائع ممن يحاولون استخدامها كحجة لتبرير أي إجراءات إقصائية ضدها في المستقبل. المبادرة إلى دعم العدالة الانتقالية سيكون دليلاً على موقف مسؤول، لا على محاولة الهروب من الإرث السياسي الثقيل. هذا النهج قد يسهم في إعادة بناء الثقة بين العلويين والمكونات السورية الأخرى، ويمنح الطائفة دورًا إيجابيًا في إعادة تشكيل البلاد ضمن صيغة سياسية جديدة تقوم على المواطنة بدلًا من الطائفية.
الرهان اليوم يجب أن يكون على المؤسسات المدنية، لا على الزعامات التقليدية. أي محاولة لإيجاد قيادة مركزية بمرجعية دينية أو قبلية لن تؤدي إلا إلى إعادة إنتاج العزلة، في حين أن البديل الأكثر واقعية هو دفع النخب الفكرية والاجتماعية داخل الطائفة للعب دور أكثر فاعلية في صياغة المستقبل السوري. هذه المرحلة تحتاج إلى جرأة في اتخاذ مواقف واضحة، وتجاوز الخوف من الانتقام أو التهميش نحو المشاركة الجادة في بناء سوريا جديدة تستند إلى العدالة والمواطنة.
ما بعد الأسد ليس مجرد مرحلة انتقالية، بل لحظة تاريخية تحدد ملامح المستقبل. الطائفة العلوية أمام خيارين: إما البقاء في موقع الدفاع والشكوك المتبادلة، أو المبادرة إلى إعادة تشكيل دورها ضمن مشروع وطني يضمن لجميع السوريين مكانًا متساويًا في مستقبل بلادهم. فالخطوة الأولى نحو تجاوز الماضي ليست الهروب منه، بل مواجهته بوعي ومسؤولية.