الطريق إلى «كامب ديفيد» في وثائق الـ«سي آي إيه» (9) ميزان القوة العسكرية يفرض اتفاقية السلام (محمود مروة)
محمود مروة
لن يكون عرض الأهداف والأسباب التي دفعت بواشنطن إلى الضغط لتوقيع معاهدة سلام مصرية ــ إسرائيلية كافياً في حال لم يتم الحديث عن الجانب الأبرز، المتمثل بميزان القوة العسكرية في المنطقة وبالموجبات التي يفرضها طبقاً للمنظور الأميركي.
وتعرض لهذا الجانب وثيقة، غير مؤرخة أيضاً، وتشرح أنّ الهدف على المدى الطويل سيكون إراحة إسرائيل في محيطها لأنّ أي استمرار في الاقتتال لن يكون من مصلحتها.
تبدأ الوثيقة بإقرار أنّ إسرائيل زادت من هامش تفوقها العسكري على العرب منذ حرب العام 1973، وذلك «نتيجة التقدّم على صعيد العديد والمعدات والبنية التحتية».
إلا أنّ معدي الوثيقة يستدركون قائلين إنه «برغم الضعف العسكري النسبي للعرب، فإنهم ما زالوا يحتفظون بخيارات عسكرية».
وفي هذا الصدد، تشرح الوثيقة انه سيكون لهجوم عربي ضد إسرائيل هدفان: تحسين الموقف السياسي العربي عبر كسر الجمود في المفاوضات وإيذاء إسرائيل على صعيدي الخسائر البشرية والاضطرابات الاقتصادية.
أما عن أسباب التراجع العسكري العربي، فتعتبر الوثيقة أنّ الاستعداد المصري العسكري، مثلاً، تراجع بسبب قطع الدعم العسكري السوفياتي والمساعدة التقنية. كما أنّ الحصول على معدات عسكرية غربية مرتبط بشكل كبير بثبات الدعم السعودي المالي ـ وهذا له محاذيره السياسية المرتبطة بمسار المفاوضات ـ إضافة إلى أنّ دمج هذه المعدات ببنية القوة العسكرية المصرية يوجب اعتماد مسار متدرج وصعب.
وفي محاولة لمحاكاة احتمال وقوع حرب مقبلة، تشير الوثيقة إلى أنّ الخلافات العربية تطرح إشكالية في ما يخص مسألة دعم أي تحرك عسكري مصري.
وتعتبر أنّ «سوريا منهمكة بالوضع غير المستقر في لبنان، إضافة إلى أنّ موقفها العسكري في الجولان قد ضعف بشكل جدي بسبب التزاماتها الواسعة تجاه قواتها في لبنان»، مضيفة كذلك أنّ «علاقة مصر مع ليبيا والعراق متوترة، ما يصعب إرسال قوات أو معدات عسكرية في حال تجدد القتال».
إزاء ذلك، يلفت معدو الوثيقة إلى أنّ «الرئيس (المصري أنور) السادات ومستشاريه العسكريين يدركون الآفاق القاتمة في ما يخص القيام بعمل عسكري»، ولكن وبرغم ذلك يعتبرون أنّ «السادات قد يختار على مضض الخيار العسكري في حال شعر بأنه لا إمكانية في تحقيق تقدم في المفاوضات».
إلى جانب هذا العرض، فإنّ الوثيقة تولي اهتماماً بموقف بعض القادة الإسرائيليين، الذي يعتبر أنه بالرغم من تفوّق القوات العسكرية الإسرائيلية، فإنّ «إسرائيل تعاني من نقطتي ضعف على الصعيد العسكري:
÷ تعتبر مسألة تسجيل خسائر بشرية عالية في إسرائيل حساسة جداً نظراً إلى عدد السكان المنخفض.
÷ إضافة إلى ذلك، فإنّ القوات العسكرية الإسرائيلية عليها أن تعتمد على التعبئة الواسعة النطاق للاحتياط بهدف القيام بعمليات غير محدودة. وبالتالي، يمكن للتعبئة أن تربك الاقتصاد الإسرائيلي، وقد لا تستطيع الدولة تحمّل ذلك».
وتطرح الوثيقة كذلك مسألة القوة العسكرية الإسرائيلية على المدى الطويل، وهذا ما يمكن اعتباره أهم لأنه يفتح المجال للاستنتاجات المرتبطة بالأهمية التي كانت توليها واشنطن في ما يخص ضرورة توقيع معاهدة السلام.
وتقول الوثيقة إنّ «تحقيق المزيد من النمو في حجم القوات المسلحة الإسرائيلية … سيكون صعباً نظراً إلى القيود التي تفرضها مسألة محدودية الأعداد».
كذلك، فإنّ «تحسين القدرة العسكرية العربية، المقترن بالعزيمة على إلحاق تكاليف ضخمة بإسرائيل، يمكن أن يجعل من إسرائيل الخاسر الحقيقي في حرب مستقبلية، حتى ولو حققت انتصاراً تكتيكياً».
وأيضاً، يرى معدو الوثيقة أنّ «إسرائيل مرهقة جراء اقتطاع ميزانية الدفاع لنسبة ثلاثين في المئة من الميزانية العامة، ويمكن حتى لهذه النسبة أن تصبح أعلى في حال لم تتم تهدئة التوترات مع جيرانها العرب».
وتشير الوثيقة كذلك إلى مسألة مهمة في حال تم ربطها في حينه باحتمالات فشل قمة كامب ديفيد في تحقيق اتفاق سلام، إذ تقول «لقد أُضعِفت مكانة إسرائيل ضمن المجتمع الدولي بشدة، إضافة إلى أنّ اعتمادها على الولايات المتحدة في ما يخص الدعم العسكري والاقتصادي زاد بشكل كبير، وذلك في أعقاب حرب العام 1973. وسيتعاظم هذان الأمران في حال تجدد القتال، خصوصاً إذا ترافق ذلك مع اللجوء إلى الحظر النفطي».
وإذا تم التسليم جدلاً بأنّ هذه الوثيقة لا تعرض للمخاوف الأميركية، بل هي مجرد تحليل، فمن المهم ربما الإشارة أيضاً إلى النقطة الختامية للوثيقة. وتقول إنّ «(رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم) بيغن مدرك لهذه المشاكل الجدية، لكن الحجم الذي تحتله في تفكيره يصده إحساسه بالتاريخ اليهودي وشكوكه المتعلقة بخصومه العرب»، في إشارة تظهر حجم التنازلات التي كان الأخير مستعداً لتقديمها.