الطريق إلى «30 يونيو»! (مصطفى اللباد)

 

مصطفى اللباد

يترقب الملايين من أبناء مصر والمنطقة يوم الأحد «30 يونيو» 2013، الذي دعت المعارضة المصرية فيه إلى خروج تظاهرات مليونية لإسقاط الدكتور محمد مرسي وحكم جماعة «الإخوان المسلمين». ويعود السبب في الترقب والاهتمام الكبير إلى احتدام حالة الاستقطاب في مصر مع نهاية عام من جلوس مرسي ممثلاً لجماعته على مقعد رئاسة الجمهورية المصرية، بما ينبئ بتغيير عميق ممكن في المشهد السياسي المصري، ومن ثم الإقليمي. وإذ هيمنت جماعة «الإخوان المسلمين» على المشهد السياسي بعد «الربيع العربي» في مصر وتونس، وأصبحت بفروعها في دول المنطقة وبتحالفاتها الإقليمية مع تركيا وقطر وعلاقاتها الدولية مع الإدارة الأميركية ركناً من أركان المشهد الإقليمي الراهن. وبالتالي لا تنحصر التداعيات المحتملة لتظاهرات الأسبوع القادم على الساحة المصرية، وإنما سيكون لها تداعياتها المباشرة إقليمياً ودولياً. يتصاعد الزخم الإعلامي والجماهيري كل يوم في مصر مع اقتراب الموعد المضروب، وتتكثف تحركات الأطراف المختلفة للاستعداد لهذا الاستحقاق السياسي الكبير، بما يعيد الميادين إلى قلب العملية السياسية المصرية، تلك التي تيبست مع نجاح «الإخوان المسلمين» في الإمساك بتلابيب السلطة السياسية وفشلهم المدوي في إدارتها.

تحشيد

تتوالى المؤتمرات الجماهيرية للمعارضة والمدعومة من تغطية إعلامية غير مسبوقة، لحشد المصريين في هذا الاستحقاق الكبير. وبالرغم من أن موعد الاستحقاق الحالي معروف منذ أسابيع، مثلما كان موعد «25 يناير» 2011 معروفاً قبلها بفترة كافية، يضيق هامش المناورة على «الإخوان». ومرد ذلك أن حركة الملايين في الشوارع والميادين قادرة، في حال حدوثها، على اجتراح تغيير سلمي لا تفلح معه الشرطة بهراواتها أو مؤتمرات الترهيب بسفسفات قولها، وبالتالي تهدد السلطة السياسية القائمة. يبدو أن طريقة المصريين في الثورة بالإعلان عنها مسبقاً، لم تختلف مع مبارك ومرسي، وإن كان الأخير قد أطلق تظاهرة كبيرة مؤيدة له يوم الجمعة الماضي، بغرض إظهار دعم شعبي له وتخويف متظاهرين محتملين من النزول يوم الأحد المقبل ومواجهة حشود مقابلة.
تحاول السطور القادمة قراءة التوازنات المصرية القائمة، بغرض استشراف امكانات تغيير المشهد السياسي، بعد أن تعينت اشتراطات هذا التغيير، ما يسهل على المتابعين داخل مصر وخارجها فهم الدلالات الإستراتيجية لتظاهرة الأحد القادم لجهة عمق التغيير الذي تستطيع اجتراحه في المشهد الراهن. يبدو هامش المناورة وقد ضاق كثيراً على «الإخوان المسلمين»، وهو ما يسهل مهمة الثوار في خلق الحالة الشعبية والمؤسساتية الحاضنة لإسقاط مرسي وجماعته من الحكم، ودفع أعمدة السلطة الثلاثة خارج سيطرة الجماعة إلى حسم أمرها وتبني هذا الخيار. وفي الوقت نفسه تدل الكتلة الشعبية الكبيرة المعارضة لحكم «الإخوان» وتداخل المصالح بين أعمدة السلطة الثلاثة (الاقتصاد والإعلام والأجهزة الأمنية – العسكرية)، إن نجاح المعارضة في الحشد المليوني سيفتح الباب على سيناريوهات مختلفة سنكون على موعد معها المقال المقبل.

موازين القوى الراهنة

تتشكل السلطة في أي بلد من أربعة أعمدة رئيسية هي: المؤسسات السياسية، الاقتصاد، الإعلام والأجهزة الأمنية – العسكرية، وتقاس موازين القوى بحسب قدرة اللاعبين الأساسيين على التأثير في هذه الأعمدة. وعند تطبيق ذلك على الحالة الإخوانية في مصر، نرى أن جماعة «الإخوان المسلمين» بسطت سيطرتها على مؤسسة الرئاسة ورئاسة الوزراء والبرلمان. يسيطر «الإخوان» على مؤسسة الرئاسة بعدما خُير المصريون بين اختيار مرشح فلول النظام السابق أم مرشح الإخوان، فاختاروا الأخير بنسبة تناهز 51 في المئة من الأصوات. ويتحكم «الإخوان» في رئاسة الوزراء بعد تعيين هشام قنديل من مؤسسة الرئاسة مباشرة، ويلتف «الإخوان» على سلطة البرلمان بعد «الإعلان الدستوري» الذي أصدره مرسي العام الماضي، وينقل فيه صلاحية التشريع العائدة إلى مجلس الشعب المنحل بحكم المحكمة الدستورية العليا، إلى «مجلس الشورى» عديم الصلاحيات أصلاً والذي يسيطر عليه «الإخوان المسلمون» والتيار الإسلامي.
وفوق ذلك فقد عين مرسي حكام أقاليم جدد (المحافظين) يدينون بالولاء للجماعة أو للتيار الإسلامي، ما يعزز قبضة الجماعة على السلطة التنفيذية والمؤسسات السياسية. أما العمود الثاني للسلطة فهو الاقتصاد، وتحليله يلحظ أن الجماعة وممثليها من رجال الأعمال الكبار: خيرت الشاطر، حسن مالك وأحمد أبو هشيمة، لم يتمكنوا من احتلال نصيب كبير من كعكة السوق، بالرغم من تبنيهم الكامل لآليات السوق في عصر مبارك وتقديسهم الواضح للأجندة النيوليبرالية.
ويأتي ذلك التقدير بالرغم من خصخصة سياسة مصر الإقليمية لمصلحة رجال الأعمال «الإخوان»، لأن الأخيرين يسيطرون على «مجلس الأعمال المصري – القطري» و«مجلس الأعمال المصري – التركي»، والسبب أن رجال الأعمال الكبار منذ عصر مبارك لم يخلوا الساحة اقتصادياً، وإن آثروا الصمت سياسياً منذ «25 يناير» 2011. تعرض رجال أعمال مبارك إلى التضييق السياسي وإلى المحاكمات، ليس إحقاقاً للحق وإنما ليخلوا الساحة اقتصادياً، أو ليتشاركوا مع رجال الأعمال «الإخوان»، ما يمهد لصعود الأخيرين إلى قمة الهرم الاقتصادي المصري. ومع التضييق وحصول نجاحات إخوانية هنا أو هناك، فما زالت جماعة «الإخوان المسلمين» عاجزة عن بلوغ هدفها، أو حتى اجتراح أداء اقتصادي ما زال بعيداً جداً عن النجاح.
وتشير تقديرات موضوعية إلى أن رجال الأعمال التابعين للتيار الإسلامي لا يسيطرون على أكثر من 10 في المئة من الاقتصاد المصري. العمود الثالث للسلطة أي الإعلام لا يمكن اختصاره في وسائل الإعلام الحكومية فقط، حتى مع الدور الكبير الذي يلعبه وزير الإعلام الإخواني صلاح عبد المقصود في تطويع مؤسسات ضخمة مثل «الأهرام» و«الأخبار» والتلفزيون المصري. فوسائل الإعلام المصرية الخاصة المملوكة لرجال الأعمال المصريين، أثبتت نجاعتها في تشكيل الرأي العام المصري حتى قبل «25 يناير» 2011، وهي تثبت في غالبيتها الساحقة كفاءتها في حشد ملايين من المصريين العازفين عن الخوض في السياسة (يطلق عليهم المصريون حزب الكنبة) للنزول إلى الشارع يوم الأحد المقبل، وهو أمر يبدو من الآن أنها نجحت فيه فعلاً.
العمود الأخير للسلطة وربما الأهم في الحالة المصرية، أي الأجهزة الأمنية والعسكرية، يستلزم التنويه والتوضيح. هناك فرق كبير في الحالة المصرية بين قوات وزارة الداخلية التي تسيطر الجماعة على قياداتها العليا، والمؤسسة العسكرية التي لا تسيطر عليها الجماعة وإنما تتساكن وتتعايش معها.
سيطر مبارك على قوات الداخلية التي انهارت خلال ثلاثة أيام فقط من التظاهرات «25 يناير» 2011، أما المؤسسة العسكرية فقد نزلت إلى الشوارع بعد انكسار الشرطة وأجبرت مبارك في النهاية على الاستقالة كي تمنع سقوط كامل النظام ومصالحها فيه. تقول خلاصة موازين القوى الراهنة أن جماعة «الإخوان المسلمين» باتت تدافع عن الأمر السياسي الواقع، في حين تقول القراءة المتمعنة في أعمدة الاقتصاد والإعلام والمؤسسة العسكرية إن الجماعة لا تأثير جدياً لها على هذه الأعمدة الثلاثة.

«30 يونيو» مرحلة نوعية جديدة؟

من نافلة القول إن إخفاق المعارضة عن حشد مليوني يوم الأحد المقبل، سيعني استمرار حكم «الإخوان المسلمين» لثلاث سنوات قادمة على الأقل وتأبيد التوازنات السياسية القائمة، وعلى العكس من ذلك فمن شأن خروج تظاهرات بالملايين يوم الأحد المقبل أن تهتز سلطة الجماعة السياسية (لا تملك غيرها في ضوء التحليل السابق لأعمدة السلطة الأربعة). ساعتها سينفتح الباب أمام تكتيكات محتملة من جانب «الجماعة» مثل إعلان حالة الطوارئ لمنع التظاهرات، أو الدفع بحشود من التيار الإسلامي لاحتلال الميادين قبل يوم الأحد القادم لمنع المعارضة من فعل ذلك، مع ما يمثله ذلك من المخاطرة بمواجهات دموية. ومن المحتمل جداً أن تبادر «الجماعة» إلى تقديم «تنازلات» سياسية من ناحيتها، سواء بالدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة، أو القبول بإسقاط حكومة هشام قنديل وتشكيل حكومة «وحدة وطنية»، أو حتى عزل النائب العام الذي عينته الجماعة على الضد من رغبة المؤسسة القضائية والقوى السياسية، وليس انتهاء بدعوة مرسي نفسه إلى انتخابات رئاسية مبكرة.
سيتوقف حجم التراجع الإخواني على عدة اشتراطات: أولاً قوة الحشد المعارض، ثانياً استمرار الحشد لأيام متتالية، ثالثاً تمدد التظاهرات إلى محافظات مصرية مختلفة؛ ورابعاً تبلور القيادة السياسية للتظاهرات بشكل واضح.

علوم ربّانية أم شعبية

لا يتبقى حتى الأحد المقبل ومراقبة الاشتراطات الأربع ومدى تحققها إلا أن تتذكر عزيزي القارئ أن القراءة الإستراتيجية للحدث تستند إلى معطيات ومؤشرات مثلما يتوقف نجاحها على تحقق اشتراطات، ولكن حركة الجماهير التي تصنع التاريخ لم يكن لها يوماً قانون محدد أو سيرورة واضحة. ومرد ذلك أن حركة الجماهير تخرج من باب العلوم العقلية لتدخل في تصنيف فريد من تصانيف العلوم الربانية، أي علم إرادات الشعوب، تلك التي تنوب عن مشيئة الله التي ستنزع الملك بإذنه ممن تشاء!

صحيفة السفير اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى