شرفات

ذكرى الطيب تيزيني وجورج طرابيشي وجمال الأتاسي: 2 ــ ذكرى المفكر السوري جورج طرابيشي ( ثلاثة تي شيرتات وعشاء !)

عماد نداف

 

أنجزتُ قبل نحو عقدين من الزمن  ثلاثية وثائقية عن المفكر السوري الكبير جورج طرابيشي، وأعتبرها واحدة من أهم الأعمال الوثائقية التلفزيونية التي أنجزتها  في حياتي، وعندما طُرح اسم هذا المفكر في سياق مشروع وثائقي هام أنجزناه في تلفزيون الدنيا وافق عليه المدير العام وقتها الدكتور فؤاد شربجي ، وطلب المباشرة فوراً.

كان أمامي مهمة ينبغي العمل عليها قبل الشروع بالتصوير، وهي إنجاز مرجعية موثقة لهذه الثلاثية عن حياة وأفكار وترجمات وبحوث هذا الكاتب، وكانت العملية صعبة عليّ، وأنا لم أكن قد قرأت له سوى أربعة أو خمسة كتب من أبحاثه مع العديد من ترجماته، وكان الحل عند صديقي لكاتب وائل السواح ، فقد تعهد بتقديم كل المعلومات عنه، وقمت أنا بتحويلها إلى أفلام بوضع السيناريو والإخراج بعد إجراء الحوار معه.

وللأمانة قدم الصديق وائل مادة بحثية على غاية الأهمية، أتمنى لو كانت بحوزته بعد مرور نحو عشرين عاما على إنجازها، وسافرت إلى حلب حيث كان الباحث الراحل يقيم في أحد فنادق المدينة ، وكان برفقتي مصور مميز في مهنته هو (دثار العلي).

جرى التمهيد للتصوير بلقاء شرحت له فيه آليات العمل : أمكنة التصوير، الملابس، شكل الحوار ومحاوره، وكان سعيداً بأفكاري، وخاصة تلك المتعلقة  بمدرسته وحارته وأصدقائه في حي النيال بحلب، وأوضحت له أن البحث الوثائقي هو لوائل السواح ، فأشار إلى صداقته معه، بل وأضفت أن ثمة ثلاثين سؤالا اقترحها وائل مع البحث الوثائقي.

شرعتُ بإنجاز العمل، وكانت البداية في تصوير الحوار الفكري معه، ولإيماني وفهمي العميق بما كان بين يدي من بحث، أنجزت الحوار بسلاسة أمتعته وجعلته يستجيب لطلبات التصوير الأخرى كالذهاب إلى قلعة حلب وإلى بيت شقيقته وإلى حارته ومدرسته ، وضمن تلك الطلبات إصراري على تغيير الملابس وطريقة الجلوس ، وهي فكرة لم يكن قد حسب لها حساباً ، فهذا يعني بالنسبة له تقديم جهود إضافية لايريد إضاعة الوقت بشأنها ، لكنه وجد الحل باقتراح عملي، رأيته وقتها أنه تحايل عليّ كمخرج وتحايل على الكاميرا كآلة، ففي جعبته أكثر من خمسة (تيشرتات) كل واحد بلون ، فصار يبدل (التيشيريت) مع تبديل مكان التصوير، وكأنه هضم اللعبة جيداً .

وأذكر أن واحدة من شهادات السلسلة الوثائقية كانت مع الباحث الكبير عبد القادر النيال رحمه الله في دمشق في حي المالكي ، والنيال كان صديقه وزميله في المدرسة ، وكان مفكرا كبيراً اختص بالاقتصاد لكنه تخضرم بالسياسة ونأى عن ممارستها.

أنجزت الفيلم ، وتم عرضه ضمن البرامج الوثائقية لتلفزيون الدنيا في سنواته الأولى، ولاقى العرض نجاحاً في الوسط الثقافي، لكنني لم أره إلا بعد سنة، وكان اللقاء بوجود الصديقين وائل السواح ولؤي حسين رحمه الله، وكانا يعدان لمؤتمر العلمانيين العرب الأول الذي انعقد في سورية بإشراف الدكتور طرابيشي ..

يعود اسم المفكر السوري الكبير جورج طرابيشي إلى ذاكرتي، في وقت نفتقد فيه الأسماء الكبيرة ، وأسأل : هل تتكرر هذه الأسماء ؟

يتبع الحلقة الثالثة : عن الدكتور جمال الأتاسي

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى