الظاهر بيبرس .. رؤية من بعيد (3 / 3)- ( محمد زكريا توفيق)

 

 محمد زكريا توفيق


في عام 1263، توفى الملك أشرف أبو الفتح موسى الأيوبي، أمير حمص. من نسل شيركوه، خال صلاح الدين. لم يترك وريثا، لذلك تولى أمر حمص، أمير من أمراء المماليك الأيوبيين.
في عام 1263، لم يف نهر النيل بالفيضان في ميعاده. جاءت عقب ذلك مباشرة، مجاعة عمت كل أنحاء البلاد. أمر بيبرس بأن تفتح مخازن الغلال الحكومية على مصاريعها، وأن تباع فقط للفقراء بسعر ثابت، بكميات صغيرة لا تسمح بالتجارة أو التخزين.
الفقراء كانوا كثيرين جدا، إلى الدرجة التي جعلت بيبرس يأمر كل أمير أو موظف كبير في الحكومة، بإطعام عدد كبير منهم، على نفقته الخاصة. الجند العاديون، طلب بيبرس من كل منهم، أن يعول بائسا أو اثنين من الفقراء.
بيبرس نفسه، كان يعول عدة آلاف، يطعمهم كل يوم على نفقته الخاصة. بعضهم، كان يكلف بأعمال خاصة، في مقابل ذلك. رئيس الوزراء، كان مكلفا بإطعام من فقدوا نعمة البصر في القاهرة.
قائد الجيش، كان عليه إطعام الفقراء التركمان. يقول المقريزي، إن بيبرس أراد بذلك، كسب حب الناس كلهم. لقد فعل ذلك، مع علمه أنهم لا يقدرون على شيء، غير الامتثال لمشيئته.
في 23 يوليو/ تموز عام 1264، جاءت الأنباء بأن الامبراطور اليوناني، منع وفدا من المماليك من الذهاب إلى بركة خان، حاكم القبيلة الذهبية. كان سفير هولاكو، موجودا في القسطنطينية في ذلك الوقت، وربما كان له دخل في هذا المنع. الخوف من هولاكو، كان ينتشر في كل البقاع المجاورة.
توالت الهجرة من بلاد الخان المغولي، إلى سوريا بسبب استبداد المغول بالسكان الأصليين. جاءوا ينشدون العدالة، التي كانت تتوافر في دولة المماليك الجديدة، التي أسسها بيبرس. القصة التالية تبين، ما كان يدور في دولة المماليك، المظلومة تاريخيا، والتي يضرب بها المثل، زورا وبهتانا، في الظلم والاستبداد.
حدث أن أمير مئة، من أمراء المماليك، قتل خطأ صاحب متجر بالقاهرة. الأمير كان مرعوبا، لدرجة أنه حاول مساومة أهل القتيل بالمال، كي يعترفوا كذبا بأن القتيل مات ميتة طبيعية.
في نفس الوقت، ذهب الأمير إلى الأمير قلاوون، أحد قواد جيش بيبرس، لكي يسانده، إذا وصل الأمر لبيبرس. وصل الأمر فعلا لبيبرس، وكان ينتفض غضبا، عندما علم بالحكاية.
لكنه لم يستطع تطبيق الحد على الأمير، بسبب اعتراف أحد أقارب المتوفي بأن الميت، مات موتة ربنا بسبب المرض. على النقيض من ذلك، نجد أنه إذا قتل مغولي رجلا فارسيا، فإن الأمر يمر مرور الكرام بدون أي سؤال.
في 10 أغسطس/أب عام 1264، تم تعيين ابن بيبرس الأكبر، الملك السعيد بركة، وليا للعهد. سار في موكب رسمي يطوف كل شوارع القاهرة، لكي يعلم القاصي والداني بمنصبه الجديد. بعد ذلك، اجتمع القضاة ورجالات الدولة والأمراء في القصر، وأصدروا ما يلزم من المراسيم، حتى يصبغ هذا القرار بالصبغة الرسمية.
موضوع الوراثة، غير معروف للمماليك. جلهم جاء للبلاد وهو صبي صغير بدون أسرة. لكن بيبرس، وجد من الضروري أن يكون له وريث. حتى يجنب البلاد القلاقل عندما يموت السلطان فجأة ويخلو منصب رئيس البلاد. وحتى يضمن انتقال السلطة بطريقة سلسة سلمية.

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى