الظلم والإساءة التي سببها الأسد الأب والابن للشعب السوري تحت ستار حزب البعث وانصاف الأقليات على حساب الأكثرية كان اكبر من حريمة حرب يجب ان يحاسبوا عليها .
لقد كانت سوريا، منذ الاستقلال، مثالاً على التنوع الديني والعرقي، وهو ما شكّل ركيزة قوية لبناء دولة متعددة المكونات.
لكن وصول عائلة الأسد إلى السلطة عام 1970 تحت راية “حزب البعث العربي الاشتراكي” أدخل البلاد في حقبة اتسمت بالظلم والقمع والاستغلال السياسي لكافة مكونات المجتمع السوري ما أثّر بشكل كارثي على تماسك هذا المجتمع.
وفي هذا المقال، نتناول كيف استُخدم حزب البعث كأداة لترسيخ حكم استبدادي ركّز السلطة بيد بعض المكونات على حساب الأكثرية السورية، مستعرضين مظاهر الظلم عبر عقود حكم حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار.
أولاً: الخلفية التاريخية لصعود الأسد وحزب البعث
حكم حزب البعث سوريا بدءاً من انقلاب عام 1963، لكن صعود حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970 فيما عُرف بـ”الحركة التصحيحية” مثّل بداية التغيير الحقيقي في مسار الحكم.
ركّز حافظ الأسد سلطاته على القيادة القومية والقطرية لحزب البعث وسخّر أيديولوجيته لخلق هالة حول نظامه تُظهره حامياً للأقليات ومعادياً للأنظمة الطائفية أو العنصرية. استفاد الأسد الأب من الاضطرابات الداخلية والإقليمية لتقديم نفسه كمنقذ للدولة، بينما استغل الأقليات لتحقيق استقرار شخصي وسياسي بعيداً عن مكون الأغلبية التي كانت تُعتبر الفئة الأكبر عددياً في البلاد.
ثانياً: الاستغلال السياسي للأقليات
تحت ذريعة تمثيل الجميع والعدالة الاجتماعية، قام نظام الأسد الأب بإعادة هيكلة الدولة السورية بشكل يسمح لمكون من مكونات الأقليات التي ينتمي إليها بالسيطرة على المؤسسات الأمنية والعسكرية، بينما جرى تهميش الأغلبية وغيرها من المكونات.
- سيطرة أقلية على الجيش والأمن:
منذ سبعينيات القرن العشرين، أعاد حافظ الأسد بناء الجيش وأجهزة الأمن بما يضمن ولاءها الكامل له. استخدمت هذه المؤسسات لتصفية المعارضة السياسية بمختلف انتماءاتها، حيث تحولت الأجهزة الأمنية إلى أداة قمع جماعي تحت ستار “حماية الوطن” و”ضمان الوحدة الوطنية”.
- تقديم الأقليات كضحية تاريخية:
لعب الأسد الأب على وتر المظلومية الطائفية للأقليات، زاعماً أن حكم الأغلبية ا قبل عهد البعث كان مضطهداً للأقليات، واستغل هذا الطرح لتبرير إعادة توزيع السلطة بشكل غير عادل.
ثالثاً: مظاهر الظلم في عهد حافظ الأسد
- مجزرة حماة عام 1982:
واحدة من أكثر الجرائم وحشية في تاريخ سوريا المعاصر، حيث قُتل عشرات الآلاف في حملة عسكرية استهدفت مدينة حماة بذريعة قمع الإخوان المسلمين. استخدم النظام القوة المفرطة والدمار الشامل، مما أفضى إلى قتل عشوائي استهدف السكان المدنيين بغض النظر عن انتماءاتهم.
- قمع الحريات السياسية والإعلامية:
فرض الأسد الأب نظام الحزب الواحد، وقمع أي محاولات لإنشاء أحزاب أو وسائل إعلام مستقلة. تعرّض النشطاء السياسيون والصحفيون للسجن والتعذيب وحتى الإعدام تحت ذريعة حماية أمن الدولة.
- إفقار الريف وإهمال التنمية:
رغم الخطاب البعثي حول العدالة الاجتماعية والتنمية، بقيت معظم المناطق الريفية والمحرومة، خاصة ذات الأغلبية ، تعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية والتنمية الاقتصادية.
- سجن تدمر:
يُعتبر سجن تدمر رمزاً لقمع نظام الأسد الأب، حيث تحوّل إلى مركز للتعذيب والتصفية الجسدية للمعارضين. تم القضاء على أعداد كبيرة من النزلاء في مجازر جماعية موثقة، تعكس نهج النظام في إسكات كل صوت معارض.
رابعاً: الإرث الكارثي في عهد بشار الأسد
عندما ورث بشار الأسد السلطة عام 2000، وعد بالإصلاح والانفتاح، لكن سرعان ما تبين أن النهج العام للنظام بقي على حاله، بل تضاعف القمع والظلم في ظل التغيرات الإقليمية والدولية.
بداية الثورة والمطالب الشعبية وتصعيد القمع (2011- اليوم):
- تجاهل مطالب الشعب:
مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية عام 2011، واجه النظام مطالب الشعب بالحرية والعدالة الاجتماعية بالقمع العنيف، مما أدى إلى تحول المظاهرات السلمية إلى حرب أهلية مستعرة.
- جرائم الحرب واستخدام الأسلحة الكيماوية:
استخدم نظام بشار الأسد أسلحة كيماوية ضد المدنيين في عدة مناطق مثل الغوطة، مما أدى إلى مقتل الآلاف وتثبيت السجل المروع لجرائم الحرب.
- التهجير الطائفي وتغيير التركيبة السكانية:
خلال الحرب الأهلية، تعمد النظام تهجير السكان من مناطق الأغلبية واستبدالهم بسكان من أقليات أخرى موالية للنظام، ما أدى إلى تغييرات ديموغرافية تهدف لترسيخ سلطة المكونات الموالية.
خامساً: تبعات الظلم على المجتمع السوري
- التمزق الطائفي والعرقي:
أسهم استغلال النظام للأقليات والطائفية في خلق فجوة كبيرة بين مكونات المجتمع السوري، حيث تكرّست الطائفية والعداوة المتبادلة بفعل عقود من الظلم والإقصاء.
- الهجرة والنزوح:
أدّت السياسات القمعية والحرب إلى تهجير أكثر من نصف سكان سوريا داخلياً وخارجياً، ما شكّل واحدة من أكبر أزمات اللاجئين في العصر الحديث.
- الدمار الاقتصادي:
سعى النظام عبر عقود لاستغلال الموارد لصالح النخب الموالية، مما خلق اقتصاداً هجيناً قائمًا على الفساد والمحسوبيات. تعمقت هذه المشكلة خلال الحرب لتطال جميع مفاصل الحياة الاقتصادية.
وفي ختام المقال ومن سوء الطالع أظهر نظام الأسد الأب ومن بعده الابن نموذجاً لحكم قائم على الظلم والتفرقة، مستخدمين أيديولوجية حزب البعث كستار لتبرير قمع الأغلبية والتلاعب بالنسيج الاجتماعي.
كما تسببت سياساتهم في كارثة إنسانية ومجتمعية تفككت معها الدولة السورية وتشرذم المجتمع.
واليوم، ما زالت سوريا تعاني من هذه السياسات وما تركته من آثار مدمّرة، مما يضع على عاتق الأجيال المقبلة مسؤولية إعادة بناء وطن يرفض الظلم والتمييز.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة