العالم بعد قمة العشرين : (نظام كتل) أمريكي أم (نظام حوكمة) صيني ؟؟ وأين الشام الأساسية في الممر الاقتصادي؟؟
د.فؤاد شربجي
تسمي الادارة الأمريكية استراتيجية نفوذها في العالم بـ ( الدبلوماسية القوية ) التي نجحت في خلق شبكة من الشراكات و التحالفات التي تهدف لمواجهة تحديات مرحلة (ما بعد الحرب الباردة) التي تؤسس لما سيأتي من نظام عالمي جديد. وهذا كان واضحاً في خطاب ألقاه وزير الخارجية الأمريكية انطوني بلينكن قبل ايام أمام طلاب الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز. بالمقابل فإن الصين ترى أن ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية. ما هو إلى تصنيع لـ ( نظام الكتل) الموزعة في العالم لتحقيق الهيمنة الأمريكية. فما حقيقة ما يجري في إطار التنافس الدولي ؟؟ و هل شكل العرب قطبهم المتكامل في كل ذلك ؟؟؟
يبدو أن إدارة بايدن اكتشفت أهمية المنطقة العربية مجدداً. وعرفت مدى خطئها عندما قررت إهمال هذه المنطقة و الانسحاب منها، وشعرت بفداحة ما أرتكبته بحق الدول العربية الحليفة لها. ونتيجة كل ذلك من الواضح أن الادارة الأمريكية عادت لتمتن تحالفاتها مجدداً مع الدول العربية . وبعد أن أعلن بايدن في حملته الانتخابية انه سيجعل السعودية (بلد منبوذ) ، ها هو في قمة العشرين يصافح ولي العهد محمد بن سلمان بحرارة واندفاع. وبعد أن اتهم الإمارات بأشد الاتهامات يعود لياخذ الكلام في قمة العشرين موضحاً ( أقول لرئيس الإمارات المتحدة محمد بن زايد أنه لولاه لما كنا استطعنا التوصل إلى الاتفاق على الممر الاقتصادي من الهند إلى أوروبا مروراً بالدول العربية) ويتوجه بايدن لابن زايد بالقول ( شكراً شكراً شكراً ) شكر بالثلاثة !! كذلك وقعت واشنطن قبل أيام (الاتفاق الاستراتيجي) مع البحرين الذي نص على أن الولايات المتحدة تلتزم مع البحرين بـ (التشاور وتقديم المساعدة إذا واجهت البحرين أي تهديد أمني وشيك ) التزام بتقديم المساعدة إذا كان تهديداً وشيكاً، وهو ما يماثل المادة الخامسة من ميثاق الناتو حيث يكون الحلف مستعداً للدفاع عن أي بلد إذا تعرض لهجوم من دولة أخرى. واللافت في هذا الاتفاق الاستراتيجي ما عاد و أكده السفير آدم أيرلي من أنه يشكل الإطار الأساسي لأي اتفاق قادم مع دول المنطقة. أي أن أمريكا تعود إلى المنطقة بقوة معلنة استعدادها للمساعدة إذا كان هناك أي خطر وشيك. وهذا طبعاً يهم إيران، و يشغل الصين بالتأكيد ..
أما الصين فترى أن أمريكا بسعيها لتأسيس ( كتل ) ما هي إلا تحالفات لترسيخ الهيمنة الأمريكية. وردت بكين على المسعى الأميركي بالمطالبة بـ (نظام حوكمة دولي عادل) وقدمت الخارجية الصينية الأربعاء الماضي اقتراحأ شاملاً لإصلاح الحوكمة العالمية بإعطاء مزيد من القوة للدول النامية، وتجنب المواجهات العسكرية. أي أن الصين ترد على نظام الكتل الأمريكي الذي يشكل الأساس لحرب باردة جديدة باقتراح نظام للحوكمة العالمية عادل سلمي متعاون. ولكن الإعلام الغربي والسياسة الغربية استطاعت تغييب هذا الاقتراح الصيني و طمسه ..
من جهتها فإن دول المنطقة العربية تبقى دول الشرق والجنوب وقد بدأت تعتمد إستراتيجية ( تعدد التوجهات ) أو ( تعدد مجالات التعاون). فمثلاً الهند و السعودية أعضاء في مجموعة البريكس و بنفس الوقت أعضاء في مجموعة العشرين. و يقيمان شراكات مع الصين و روسيا و أمريكا والاتحاد الأوروبي بغض النظر عن الاختلافات السياسية أو التمايزات الاستراتيجية. وليست السعودية والهند فقط من يتبع سياسة تعدد مجالات التعاون، حيث أن الإمارات، والبرازيل ، ومصر ، والأرجنتين، وأثيوبيا …إلخ، تعمل وتعتمد مثل هذه الاستراتيجية على مبدأ (عدم ترك الخلافات السياسية لتعطل الإستفادة والمشاركة بالتطورالاقتصادي و التكنولوجي المتسارع) وهذا ما يجعل لهذه الدول قيمة تتنافس عليها الادارة الأمريكية مع منافسيها الدوليين الصين وروسيا. وكما يبدو فإن هذه الدول بدأت تستفيد من هذه المنافسة و تحتل المكانة المؤثرة في رسم النظام القادم.
بالمقابل يسعى محور المقاومة لإخراج أمريكا من المنطقة كلها. بدأ بطردها من العراق وسورية، وبينما تعمل بعض الفصائل والعشائر الموالية لإيران علي إزعاج القوات الأمريكية في سوريا والعراق، تقوم دول الخليج ومصر والأردن والمغرب بتجديد تحالفاتها العسكرية والأمنية مع أميركا . فهل تخطط واشنطن لضمان وجود قوي لها في بقية الدول العربية في حال نجحت إيران ومحور المقاومة من طردها من سوريا والعراق؟؟؟ أم أن تحالفاتها في المنطقة سترسخ وجودها أكثر في هذين البلدين المتحالفين مع إيران ؟؟؟ الواضح أن أمريكا تزيد من نفوذها ومن اتساع شركاتها ومن حضورها العسكري والأمني في كل المنطقة العربية ومن ضمنها سوريا والعراق .و هذا يصعد الصراع مع محور المقاومة المصر على طرد القوات الأمريكية و إبعادها .
من يدقق في سياسات الولايات المتحدة يجد بوضوح أنها تسعى إلى معاقبة الدول غير المنضوية معها بكل الطرق. من الفوضى إلى الحصار الاقتصادي إلى تجويع الشعب إلى إلى إلى ألخ. وهذا ما تفعله في سوريا .فبعد الحرب الإرهابية على المدن السورية وبعد تدمير بناها التحتية ومرافق إنتاجها وسرقة معاملها ونهب ثرواتهم الوطنية، تفرض عليها عقوبات قاسية وحصاراً اقتصادياً خانقاً يجوع الناس وينحدر بالعيش السوري إلى ما دون الفاقة ليعود ويثير المشاكل والاحتجاجات والفتن في الشمال الشرقي و الشمال الغربي، وفي الجنوب، مع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية المعتدية . ومن يشاهد خريطة الممر الاقتصادي الممتد من الهند إلى الخليج إلى بلاد الشام إلى أوروبا، والذي اعتمد في قمة العشرين، من يدقق في خريطته يلاحظ انه تجنب المرور في العراق وبلاد الشام الأساسية. مر إلى الأردن وإسرائيل ومنها إلى البحر وأوروبا. وهذا يعني أن الخطوط العربية الأمريكية الأوروبية الاقتصادية تريد حرمان العراق والشام الأساسية من خيرات هذا الممر استكمالا لعقوبتها و حصارها. بالرغم من أن هذا المشروع شمل إسرائيل مع ما تمثله من عدوان على الشعب الفلسطيني و تهديد لاستقرار المنطقة و استباحة المقدسات وزعزعة أمن الشرق الاوسط برمته. تصوروا ! المشروع شمل بخيراته إسرائيل، هذه القنبلة المهددة لكل المنطقة، ولم يشمل الشام الأساسية وهي قلب المنطقة . و لكي لا يذهب أحد إلى أن مشاركة إسرائيل يشكل تطبيعا فإن التفاهم الأمريكي السعودي حول هذا الممر نص بالحرف أنه ( لا ينشئ هذا التفاهم أي حقوق أو التزامات بموجب القانون الدولي ) صحيح لا ينشئ حقوقاً أو التزامات تجاه إسرائيل، لكن يشركها بالمشروع وبخيراته وعوائده ويجعلها عضواً طبيعياً فيه، بينما تبعد الشام الأساسية عنه ..
ويستمر الصراع في مرحلة (ما بعد الحرب الباردة) لتأسيس و (تشكيل النظام القادم) والكل يحاول اللحاق، والكل يسعى لأن لا يعيقه شيء للحصول على دوره الطبيعي. . . فهل تستكمل المملكة السعودية زعامتها للقطب العربي بالتعاون مع سوريا (الشام الأساسية) لاستعادة دورها الطبيعي والخروج من الحصار والعقوبات والفتن لتمارس دورها وفعاليتها في القوة العربية على المسرح الدولي بما يجعل العرب أكثر قوة و تكاملاً تجاه القوى العالمية الأخرى.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة