تحليلات سياسية

العالم يغلي فوق بركان إسرائيلي-إيراني… هل ينفجر

 

أي إنزلاق أكبر من المتوقع بين إسرائيل وإيران قد يُشعل المنطقة برمّتها. يبدو أن الهجوم الغامض على موقع نطنز النووي الإيراني، قارب هذا الإنزلاق، لذلك تحرّك العالم شرقا وغربا لتهدئة الأوضاع وحصل أول اتصال هاتفي إيجابي بين الرئيسين الأميركي والروسي، وجرى بموازاته اتصالٌ آخر بين مستشار الأمن القومي الأميركي ونظيره الإسرائيلي ، واتصالات أخرى مع طهران. لكن هذا التحرك العالمي، سُرعان ما  سمع أن سفينة إسرائيلية أخرى تعرّضت لهجوم.

 ما عاد سرّا أن الحرب البحرية والسيبرانية الإسرائيلية-الإيرانية رفعت منسوب المواجهة بين الطرفين، وما عاد بالإمكان الإكتفاء بحروب الوكالة عبر دول أو مناطق أخرى، وإنما صارت المواجهة الآن وجها لوجه.

لم ترقَ الردود الإيرانية في مجال الإختراقات السيبرانية حتى الآن الى مستوى الهجمات الإسرائيلية. فإسرائيل تستهدف قلب البرنامج النووي الإيراني، واغتالت أحد أهم العلماء النووين د.فخري زاده قبل فترة، وسرقت معلومات نووية حساسة في العام الماضي، كما أنها استهدفت مرارا القوات والصواريخ الإيرانية  وقوات حزب الله على الأرضي السورية،  أما في البحار، فالواضح أن إمكانيات إيران كبيرة، حيث يُصار الى الرد على أي هجوم بهجوم مماثل، وهو ما سيطرح مُجددا مشكلة معابر التجارة الدولية عبر البحار.

قدرات إسرائيل في مجال الحرب الألكترونية كبيرة، فإسرائيل تعتزم قريبا السيطرة على 20 بالمئة من الأمن السيبراني العالمي، وشركاتها تحتكر قسما لا بأس به من الإنتاج الأمني السيبراني العالمي. لكن بنيامين نتنياهو شكا غير مرة من أن إيران هي الأكبر خطرا في المجال الألكتروني على إسرائيل أيضا وتحدث عن مئات الاختراقات المحدودة. فماذا لو وصلت طهران في المرحلة المقبلة الى اختراق أحد المفاعلات النووية الإسرائيلية وإحداث خراب جدّي فيه؟

القلق الإسرائيلي من البرنامج النووي الإيراني كبير، رغم أن وكالة الطاقة الذرية لم تقل يوما إن طهران باتت قادرة على انتاج قنبلة نووية، وإنما أكدت في تقريرها في منتصف الشهر الماضي :” أن إيران بدأت تخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز تحت الأرض باستخدام نوع ثان من أجهزة الطرد المركزي المتطورة آي.آر-4، في انتهاك جديد لاتفاق طهران مع القوى الكبر” . أما أميركا وبعض الغرب الأطلسي فقد قالا أكثر من مرة، وخصوصا بعد انتخاب بايدن،  إن ثمة فترة قصيرة تفصل عن إمتلاك العلماء الإيرانيين القدرة على انتاج قنبلة، ومن الأفضل بالتالي العودة سريعا الى المفاوضات النووية.

الواقع أن القلق الإسرائيلي لا يتقصر على النووي، وإنما يتمحور حول القدرات الصاروخية البالسيتية والاستراتيجية الإيرانية واقتراب القوات الإيرانية من الحدود عبر سوريا ولبنان، إضافة الى تمدد الدور الإيراني الى أربع دول عربية هي العراق واليمن وسوريا ولبنان.

نتنياهو المُكبّل بالفساد والقضايا الأخرى داخليا، يخوض بشراسة منذ سنوات الحرب ضد إيران المكبّلة اقتصاديا على إعتبار أنها الأهم، وهو يحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى، أولا كي لا يُقال إنه فشل في لجم إيران عن انتاج القنبلة،  وفي منع استئناف التفاوض الدولي معها بما فيه الأميركي( الذي يُستأنف على نحو غير مباشر يوم الأربعاء في فيينا)، وثانيا لإعتقاده بأن هذه الحرب خدمته وتخدمه داخليا وهو الذي قد يواجه السجن اذا فشل في تشكيل الحكومة المقبلة وانهارت حصانته الدبلوماسية.

هو يريد في افضل الأحوال جر إيران الى الرد كي يدمّر المفاوضات ويُجبر أميركا على الوقوف خلفه، وفي أسوأها أن يُظهر القيادة الإيرانية بمظهر الضعيفة وغير القادرة على الرد في قلب إسرائيل.

كل الكتب والدراسات والوثائق الغربية التي نُشرت حول برنامج إيران النووي تؤكد أنه مهما فعلت إسرائيل فهي لن تُدمّر البرنامج الموزّع أصلا على مساحة جغرافية إيرانية كبيرة. وأن أقصى ما يُمكن أن تفعله اسرائيل حتى لو شنّت هجمات جوية مُباشرة وبقصف مركّز لأسابيع طويلة، هو تأخير البرنامج وليس منعه. فإيران قطعت شوطا بعيدا، ليس في التخصيب وإنما أيضا في اخفاء وحماية قسم كبير من برنامجها.

لا شك أن عدم رد إيران في الداخل الإسرائيلي وفي قلب البرنامج النووي الإسرائيلي يُضعف فكرة التوازن بين الجانبين.  لذلك فإن طهران المُدركة لخطر الفخ الإسرائيلي، تذهب بإتجاه إحراج نتنياهو والغرب، وذلك من خلال رفع نسبة التخصيب، على إعتبار أن هذا سيزيد قلق اسرائيل من جهة، ويدفع الغرب للإسراع في رفع العقوبات والعودة الى المفاوضات بلا شروط تتعلق بالصواريخ والدور الإيرانيين.

لكن ثمة ثلاثة أسئلة مطروحة  الآن:

  • أولهما: ما هي حقيقة مواقف روسيا والصين حيال إيران. فالدولتان متنافرتان جدا في الوقت الراهن مع أميركا، لكن هل تقبلان فعلا أن تصل إيران الى مستوى انتاج قنبلة نووية أم تعتبران هذا الإحتمال خطراً عليهما مستقبلا  أيضا؟ الجواب على هذا السؤال، مهم جدا لمعرفة مآلات الأمور وتطوراتها، ومدى مغامرة اسرائيل بالاقدام على هجوم أوسع وأخطر.
  • ثانيهما: هل الاختراقات الإسرائيلية الأخيرة لموقع نطنز وغيره، تتم بالتعاون مع دول خليجية مثل السعودية أو الإمارات؟ فالدولتان تتصدران الدول العربية الراغبة بلجم الدور الإيراني في المنطقة، وقد لا تترددان في تكثيف التعاون مع التكنولوجيا الإسرائيلية لتحقيق هذا الهدف، خصوصا أن الرياض تعتبر أن كل ما تتعرض له من هجمات من قبل الحوثيين إنما يتم بسلاح أو تدريب إيرانيين؟ الجواب على هذا السؤال أيضا، كبير الأهمية لمعرفة مخاطر المواجهات المقبلة خصوصا عبر الخليج.
  • وثالثهما: هل إختراق إسرائيل لموقع نطنز وقبله إغتيال العالم الإيراني، وما تعرضت له مواقع إيرانية أخرى من عمليات إختراق وتخريب، تتم بوسائل تكنولوجية فقط، أم أن الموساد نجح ( لوحده أو بالتعاون مع دول خليجية) في تشغيل عملاء له في الداخل، ما يعني أن ثمة خلايا نائمة قد تقوم مستقبلا بأخطر مما يحصل حاليا.

لا شك أن إستئناف التفاوض مع الغرب ورفع العقوبات، هما أولوية إيرانية في الوقت الراهن؟. لكن طهران الآن أمام 3 خيارات :

  • فإستمرار إسرائيل باختراق برامج إيران دون ردٍ إيراني مماثل في قلب البرنامج النووي الإسرائيلي ( وليس في أي مكان آخر) يُضعف موقف المحافظين وحلفائهم في المنطقة، ويُظهر محدودية توازن الرعب.
  • ومحاولةُ الرد في قلب أسرائيل، يعني جنوح الأمور الى حافة أخطر بكثير …

. أما الخيار الثالث فهو تحمّل وهضم ضربات إسرائيل في الداخل الإيراني، مقابل إنجاح التفاوض، وهذا لا شك محور جدل إيراني داخلي كبير بين المتشددين والإصلاحيين. ولكنه الخيار الأكثر ترجيحا حتى لو حصلت ردود إيرانية محدودة في البحار أو عبر بعض الحدود.

يبدو أن العالم فعلا أمام وضع مُقلق خصوصا أن نتنياهو يلعب حاليا بكرة من نار كآخر شوط له في المعركة الداخلية والخارجية، ويريد حرق خصمه كي لا يحترق…. حتى إشعار آخر.

خمس نجوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى