«العدل الدولية» تدين تل أبيب: لإنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان
في الوقت الذي يسابق فيه الاحتلال الإسرائيلي الزمن لمصادرة أكبر مساحات من الأراضي في الضفة الغربية، وسط تشريع بؤر استيطانية جديدة، وتوسيع مستوطنات موجودة بالفعل، أصدرت «محكمة العدل الدولية» رأيها الاستشاري بشأن تقييم العواقب القانونية المترتّبة على «الاحتلال الطويل الأمد والاستيطان والضم» من جانب الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية، فضلاً عن السياسات الحكومية الإسرائيلية المرتبطة بتلك الممارسات، وعواقب السلوك الإسرائيلي على الدول الأخرى و الأمم المتحدة.
محكمة العدل الدولية – إنهاء وجوداسرائيل في فلسطين ووقف جميع أنشطة الاستيطان الجديدة.
وخلصت المحكمة، في النتائج التي توصّلت إليها هيئتها المكوّنة من 15 قاضياً، وتلاها رئيسها نواف سلام، إلى. أن «استمرار وجود دولة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني». وقالت المحكمة. إن الالتزامات التي تقع على عاتق إسرائيل تشمل «إنهاء وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة في أسرع وقت ممكن». كما وو«وقف جميع أنشطة الاستيطان الجديدة فوراً، وإجلاء جميع المستوطنين من الأراضي الفلسطينية المحتلة». بالإضافة إلى «تعويض الأضرار التي لحقت بجميع الأشخاص (المتضررين)».
أما الالتزامات التي تقع على جميع الدول والمنظمات الدولية، بما في ذلك مجلس الأمن والأمم المتحدة، وفقاً للمحكمة، فهي. «عدم الاعتراف بقانونية الوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني». فضلاً عن «عدم تقديم المساندة أو الدعم (لإسرائيل) للإبقاء على الوجود المستمر لها في الأراضي الفلسطينية المحتلة». واللافت في هذه القرارات، أنها حازت تأييد ما بين 11 و14 قاضياً. مقابل معارضة ما بين 1 و4 قضاة، فيما عارضتها جميعاً نائب رئيس «العدل»، القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي، المعروفة برفضها إدانة الاحتلال في دعوى جنوب أفريقيا بشأن ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في قطاع غزة، والتي كانت أعلنت أوغندا تبرّؤها منها، وقالت إن قرارها لا يمثل قرار الدولة.
ترحيب فلسطيني بقرار وزارة العدل ورفض اسرائيلي بالقرار
ولاقت الخطوة الأخيرة للمحكمة ترحيباً من قِبل وزيرة الدولة الفلسطينية للشؤون الخارجية، فارسين أغابيكيان شاهين، التي قالت. إنه «يوم كبير لفلسطين»، مشيرةً إلى أن «أعلى هيئة قضائية قدّمت تحليلاً مفصّلاً جداً لما يحصل في ضوء الاحتلال والاستيطان الدائميْن من جانب إسرائيل للأراضي الفلسطينية. في انتهاك للقانون الدولي». وفي المقابل، رفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية الرأي، وعدّته «خاطئاً جوهرياً ومنحازاً».
ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قرار «العدل» بـ«الكاذب». توازناً مع بدء سياسيين محافظين ويمينيين متطرفين وحتى وسطيين في إسرائيل، حملة إدانة لقرار المحكمة. وزعم نتنياهو، في بيان. أن «الشعب اليهودي ليس بمحتل في أرضه – لا في عاصمتنا الأبدية القدس ولا في إرث أجدادنا يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية وفقاً للتسمية الإسرائيلية)». وأضاف: «لن يحرّف أي قرار كاذب في لاهاي هذه الحقيقة التاريخية. وكذلك لا يمكن الجدال في قانونية المستوطنات الإسرائيلية في كل أنحاء وطننا». وقال وزير «الأمن القومي». إيتمار بن غفير، بدوره، إن القرار «يثبت مرة أخرى أن هذه منظمة سياسية ومعادية للسامية بشكل صارخ». لافتاً إلى عدم قبول ما سماه بـ«الوعظ القانوني»، وداعياً إلى السعي إلى «السيادة» على الأراضي المحتلة من خلال الضم.
زعيم المعارضة – قرار المحكمة ملوّث بمعاداة السامية ويفتقر إلى فهم الواقع على الأرض.
كما دعا وزير مالية الاحتلال، بتسلئيل سموتريتش، إلى اتخاذ خطوات نحو ضم الضفة الغربية، وقال عبر منصة «أكس»: «الرد على لاهاي: السيادة الآن»، فيما انتقد زعيم المعارضة، يائير لابيد، قرار المحكمة، ووصفه بأنه «منفصل وأحادي الجانب وملوّث بمعاداة السامية ويفتقر إلى فهم الواقع على الأرض».
وفيما يأتي القرار في القضية بناءً على طلب قدّمته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2022، غير أن القضية اكتسبت مزيداً من الزخم والدعم، في ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول الماضي. حيث كانت 52 دولة قدّمت شهاداتها أمام هيئة المحكمة، في جلسات استماع عقدت على مدار أسبوع بين 19 و26 شباط الماضي 2024. بالإضافة إلى مداخلات قدّمتها ثلاث منظمات إقليمية سمحت لها المحكمة بأن تبدي رأيها. وهي «الاتحاد الأفريقي» و«منظمة التعاون الإسلامي» و«جامعة الدول العربية». ورغم معارضتها قرار طلب الاستشارة. قدّمت إسرائيل وقتذاك بياناً خطياً من خمس صفحات. أهم ما جاء فيه اعتبارها أن «السؤالين اللذين طرحهما قرار الجمعية العامة على المحكمة يمثلان تشويهاً واضحاً لتاريخ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وواقعه الحالي. وأن طلب الفتوى الوارد فيه يتعارض مع الإطار القانوني المعمول به الذي يحكم الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. كما ويشكل إساءة استخدام للقانون الدولي والعملية القضائية».
محكمة العدل الدولية الاستشارية تستند في أراءها إلى القانون الدولي.
ورغم أن آراء «محكمة العدل الدولية» الاستشارية غير ملزمة، غير أنها تحمل قيمة معنوية وقانونية لناحية استنادها إلى القانون الدولي. ويتخوف الاحتلال من هذه الآراء من الناحية القانونية. كونها ترتّب عليها تبعات دبلوماسية ودولية ذات أهمية خاصة قد تكون ضارة لإسرائيل. كما وقد تعرّض قادتها لخطر الملاحقة الجنائية القانونية. والجدير ذكره، هنا. أن إسرائيل كانت سعت إلى عرقلة المسار القضائي. منذ بدء مسار هذه الدعوى في أروقة «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة. والذي عقد دورة استثنائية في 27 أيار 2021، في أعقاب عدوان إسرائيل على قطاع غزة (2021)، للنظر في الحالة الخطيرة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية. وهو ما نتج منه إنشاء لجنة تحقيق دولية، سارت في مسار طويل حتى أوصت بإحالة طلب عاجل إلى «العدل الدولية» لإصدار فتواها.
صحيفة الاخبار اللبنانية