عقدت «محكمة العدل الدولية»، جلسة النطق بالحُكم في التدابير الاحترازية الإضافية التي طالبت بها جنوب أفريقيا، في العاشر من الشهر الجاري، على خلفية تصاعُد الهجمات الإسرائيلية في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة.
وذكّرت المحكمة، في مستهلّ الجلسة، وسط تغيُّب ثلاثة من أعضائها، من بينهم ممثل إسرائيل أهارون باراك، بالقرارات السابقة التي اتّخذتها بمقتضى الدعوى المرفوعة من جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، ضمن مندرجات «اتفاقية منع الإبادة الجماعية»، في الـ26 من كانون الثاني الماضي، إضافة إلى تعديلاتها المقرّة في الـ28 من آذار، والتي دعت فيها إسرائيل إلى اتّخاذ تدابير احترازية طارئة لمعالجة الوضع في غزة، وتقديم تقارير مثبتة حول ما تقوم به من إجراءات للحدّ من مخاطر الحرب على سكان القطاع، وحقوقهم الأساسية، مؤكّدة «معقولية» و»قانونية» ما ورد في دعوى بريتوريا، وذلك استناداً إلى أحكام المواد 9 و20 و41 و51 و67 و75 من «اتفاقية منع الإبادة الجماعية».
ومستنداً إلى تقارير وكالات إغاثية دولية وتصريحات مسؤولين أمميين، على رأسهم مدير وكالة «الأونروا» فيليب لازاريني، ومدير «منظمة الصحة العالمية» تيدروس أدهانوم غيبريسوس، لفت رئيس المحكمة، القاضي نواف سلام، إلى وجود دلائل على تدهور الوضع الإنساني «الكارثي» و»الهش» في غزة، بخاصة في رفح، متطرّقاً إلى ما أوردته تقارير للأمم المتحدة، ومن بينها لـ»برنامج الغذاء العالمي»، في شأن افتقار نحو نصف المقيمين في المدينة إلى الخدمات الأساسية، إضافة إلى وجود خطر حقيقي يتهدّد أرواح مئات آلاف النازحين إليها، في ظل تعذّر حصولهم على المساعدات الإنسانية الضرورية من المنظمات الإغاثية المعنية، وخروج مستشفى «النجار» عن الخدمة أخيراً (آخر المستشفيات العاملة في رفح).
«العدل الدولية» تعمّق مأزق إسرائيل: لوقف اجتياح رفح
وأشار سلام إلى أن «الوضع الحالي الناتج من هجوم إسرائيل العسكري على رفح، يمثّل المزيد من الخطر والضرر في حقّ المدنيين الغزيين، بشكل لا يمكن إصلاحه»، مشدّداً على أن «هناك ضرورة عاجلة وفورية لوقف ذلك»، لما يمكن أن يترتّب عليه من «دمار جزئي أو كلّي» في المدينة، مضيفاً أن «المحكمة، وانطلاقاً من هذه الاعتبارات، ترى أن التطوّرات (في غزة) تتطلّب تغيير القرارات السابقة للمحكمة في التواريخ المشار إليها، والقابلة للتطبيق في كل أنحاء غزة، بما في ذلك رفح».
وفي معرض تأكيده عدم التزام إسرائيل بالتدابير الاحترازية التي سبق أن طالبت بها المحكمة، تحدّث سلام عن تدهور الأوضاع المعيشية في غزة بشكل ملحوظ، ولا سيما أن أكثر من نحو 800 ألف اضطرّوا للنزوح عن رفح بحلول الـ18 من أيار، وهو تاريخ بدء إسرائيل هجومها «الخطير بشكل استثنائي» على المدينة، وفق تعبيره.
وأوضح أن النسبة الكبرى من هؤلاء نزحوا إلى المواصي وخانيونس، ومناطق أخرى من القطاع، مؤكداً، بالاستناد إلى بيانات صادرة عن وكالة «الأونروا»، عدم توافر البنية التحتية الأساسية، ولا سيما مياه الشرب النظيفة في تلك المناطق التي نزح إليها الغزيون، فضلاً عن عدم تأمين المأوى، أو المساعدات الإغاثية والإنسانية الضرورية لهؤلاء، متابعاً أن «إسرائيل لم تقدّم ما يكفي من المعلومات حول أمن وسلامة المدنيين النازحين، أو مدى توفّر الخدمات الأساسية لهم، ولم تتعامل بشكل مرضٍ يستجيب للمخاوف التي تمّت الإشارة إليها».
وقبل سرد الملخّص التنفيذي للحكم، جدّد سلام التأكيد أن قرارات المحكمة ملزمة لكل الأطراف الموقّعة على «معاهدة منع الإبادة الجماعية»، مطالباً بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المعتقلين لدى الفصائل الفلسطينية فوراً، ومن دون شروط.
وفي نص القرار، أعلن سلام، في الفقرة الأولى منه، أن «المحكمة، وبأغلبية 13 صوتاً من أصل 15، تعيد التأكيد على قرارَيها السابقَين، الصادرَين في كانون الثاني وآذار الماضيَين، حول ضرورة تنفيذ التدابير الاحترازية الطارئة التي وردت في نصيهما بصورة فورية».
ثم طالب إسرائيل، في الفقرة الثانية بـ»أن تقوم بواجباتها وفقاً لمعاهدة منع الإبادة الجماعية. وبالنظر إلى تفاقم الوضع الحالي في غزة، عليها أن توقف عملياتها العسكرية أو أيّ أعمال أخرى في مدينة رفح، قد تزيد من صعوبة أوضاع الفلسطينيين في القطاع، وإبقاء معبر رفح مفتوحاً أمام حركة دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع».
أما ثالثاً، فدعا إلى إلزام الجانب الإسرائيلي بـ»اتّخاذ إجراءات ملموسة لضمان وصول أيّ لجنة تحقيق، أو لجنة تقصّي حقائق، أو جهات أخرى أممية معنية بإجراء التحقيقات في جرائم الإبادة الجماعية، وبتقديم تقرير إلى المحكمة حول جميع الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها خلال شهر من صدور قرار المحكمة».
ترحيب فلسطيني واستنكار إسرائيلي
وفي أول ردود الفعل على قرار المحكمة، اعتبر وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، أن مستقبل إسرائيل ليس منوطاً بما يقوله من وصفهم بـ»الأغيار»، معتبراً أن «الردّ على قرار المحكمة اللاسامية هو احتلال رفح وزيادة الضغط العسكري على حماس». وبدوره، سارع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى الدعوة إلى عقد اجتماع لبحث الرد على قرار «العدل الدولية». وعلى المقلب الأميركي، علّق السيناتور «الجمهوري»، ليندسي غراهام، على القرار المذكور، من خلال اتهام أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة بـ»الانحياز» ضدّ إسرائيل، داعياً الأخيرة إلى تجاهل مطالب المحكمة.
في المقابل، أعربت حكومة جنوب أفريقيا، بصفتها الطرف المدّعي، عن ترحيبها بالقرار، واصفة إيّاه بـ»المجموعة الأكثر حزماً، من حيث الصياغة، من الإجراءات المؤقّتة». وتابعت أن القرار ينطوي على «دعوة واضحة جداً إلى وقف إطلاق النار» في غزة، وهو موقف مشابه لمواقف أطراف عديدة رحّبت بالقرار، وعلى رأسها المجموعة العربية في الأمم المتحدة، ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، وحكومات عربية، كالأردن، ومصر، وغربية، ككندا، وبلجيكا.
وفي تعليقها على الحدث، رأت صحيفة «نيويورك تايمز» أن قرار «العدل الدولية» من شأنه أن «يزيد من وطأة الضغوط على حكومة نتنياهو في شأن إدارة الحملة العسكرية» في غزة، معتبرة أنه يُعدّ «بمثابة ضربة (سياسية ودبلوماسية) إضافية لإسرائيل التي تواجه عزلة دولية متزايدة». أما صحيفة «ذا غارديان»، فلفتت إلى أن ما جرى «سيؤدي إلى زيادة الضغوط على كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، اللتَين سبق أن انتقدتا أخيراً قرار المحكمة الجنائية الدولية على خلفية توجّهها إلى إصدار مذكّرات اعتقال (في حقّ نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت)، وذلك بهدف حثّهما على ممارسة نفوذهما على إسرائيل».
صحيفة الأخبار اللبنانية