العرب على العرب
ها نحن نهجر أنفسنا باسم النقد البناء شعراً و نثراً و تصويراً كطرائف و نكات و كاريكاتور، فنبالغ كما نصنع حين نمجد العرب كخير أمة أخرجت للناس …
كنا نتقبل هذا النقد الساخر في بداياته كإدانة للأنظمة الحاكمة و للإستعمار ، أما الشعب نفسه فقد كنا نحرص على تبرئته مما نحن فيه ملقين التبعة على غيره، إلى أن يتحول النقد إلى إدانة العرب أنفسهم كشعب أو كعرق متخلف بالفطرة فهو النقد الذي يخرج عن طوره حقا فلا يوصف بأنه نقد مزعج فحسب ، بل يتمادي نصف العرب بالغباء المطلق إذا لم نقل بالخيانة، ذلك لأنه يقدم عامدا أو غير عامد خدمات كبرى لأعداء العرب المتكاثرين تحت أقنعة مختلفة و أساليب متنوعة ، و لهذا لم أكن معجبا بلهجة التعميم الجارحة التي إستخدمها الشاعر نزار قباني مثلا في رثائه الشهير لزوجته ” بلقيس” التي لقيت مصرعها في حادث تفجير السفارة العراقية في بيروت إبان الحرب الأهلية هناك و إليكم هذا المقطع منها :
(( حتى العيون الخضر يأكلها العرب / حتى الضفائر و الخواتم و الأساور و اللعب / حتى الطيور تفر من وطني و لا أدري السبب / حتى النجوم تخاف من وطني و لا أدري السبب / حتى الكواكب و المراكب و السحب / حتى الدفاتر و الكتب / و جميع أشياء الجمال ، جميعها ضد العرب…))
في تلك القصيدة كما هو واضح ، يدين نزار الأمة العربية جمعاء ومن أقدم العصور إلى يومنا هذا بأنها أمة تكره الجمال- لأنها تحب البشاعة إذن و تقدس الجريمة فتخاف منها كل الكائنات …
غير أن لهجة التعميم هذه لم تتوقف عند هذا الحد ، فلقد شرعنا نقرأ بكثير من الدهشة و الإستنكار خطابات لا هم لها إلا التنديد بالعرب و نشاهد صورا كاريكاتيرية تسخر من المواطن العرب و نشاهد في التلفزيون حلقات عن حياة البدو العرب في الصحراء بأسلوب يجعل المشاهد متقززا من قسوة البدو و جلافتهم. و قس على ذلك!!
هنا لابد أن نسأل : ما هو إذن دور الفنان الحقيقي في هذه المرحلة الصعبة ؟ ومن هو المستفيد الأول من هذه الكتاب أو الصور الحمقاء على شاشاتنا العربية أحيانا ؟ و هل نحن حقا على هذه الصورة ؟ و إذا كنا كذلك فقضيتنا خاسرة سلفا؟ أليس هذا هو المعزى الأخير الذي تقوله تلك الأعمال المنسوبة إلى الإبداع الفني ؟ و ما قيمة النوايا الحسنة التي يدعي بعضهم أنها أعمال صادرة عن نوايا حسنة ؟
صحيح .. كما قال أحدهم : إن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة …!!