العرب واستباحة الذات …
كبا العرب فكثرت السكاكين والخناجر وتقاطرت السهام في محاولة للإجهاز على هذا النمر الجريح ….وكانوا مثل كلاب الصيد المدرّبة والمؤتمرة بأوامر سيدها.
يتهافت ويتسابق الأوغاد والحاقدون من السلالات الشعوبية وبقايا الكتائب الانكشارية والثقافات الشفوية المغلوبة على أمرها في شتم العرب لنيل صكوك الاعتراف من أولياء النعمة المستجدّين.
يسعى الوشاة مبتهجين للـ”مؤاجرة” وتبييض صفحتهم لدى الذي يظنّ نفسه قد آلت له الغلبة غالباً فتوهّم بأنه قد حسم الأمر منذ الجولة الأولى .
قد يغفر كبرياء الكبار وحلمهم للصغار شططهم ويتفهّم غيض من كان في الأمس مظلوماً أو مغبوناً أو مهضوم الحق تحت رايتهم …ولكن …هل نسامح بني جلدتنا ولغتنا ورفاق مصيرنا فعلتهم في الإستقواء بمن جاء لقتلنا ؟
هل نثني على “غلغلة خنجره” في خاصرتنا ونعدّه ضرباً من حرية الرأي واستقلالية القرار؟
جلدنا ذواتنا بما فيه الكفاية حتى أشفقت السياط على أجسادنا العارية النحيلة تحت الشمس. اعترفنا بخطايا الماضي والحاضر وما سوف يأتي حتى ملّتنا كراسي الاعتراف ….وآن الأوان أن نوقظ شيئاً من كبريائنا المشتهى مثل قصيدة يقولها فارس نبيل ومنكسر في معركة طويلة الأمد .
نعم , نحن ـ وإن بلغ الفطام لنا صبيّ ـ طيور حرّة، مرّة اللحم وعصيّة على القنص والشواء في مآدب الخصيان وأبناء الإماء.
ليعلم الجمع ممّن ضمّت مجالس الأمم وكافة الملل والنحل أن قوماً كتب بلغتهم ابن رشد وابن خلدون والجاحظ والمتنبي وفتن بها “بلاشير” و”لوي ماسنيون” و”جاك بيرك ” …لا ينقرضون لمجرّد أنّ فيهم طابوراً من الجهلة والظلاميين ينفّذون بـ”إتقان” ما يرتئيه الحاقدون والطمّاعون.
دقّت ساعة الاعتداد بالنفس أكثر من أي وقت مضى، ذلك أنّ مكامن القوّة لا تظهر إلاّ قبيل توقّع إعلان الهزيمة ورفع إشارة الاستسلام من طرف خصومك ….لقد تعلّمنا من سير الأبطال الذين تعلّموا منّا …ومازال لدينا “حلم ” …والشعب الأمريكي المتعدّد الأعراق يحيي هذه الأيام ذكرى “مارتن لوثر كينغ” .
ماذا يعني أن يتكالب عليك الأعداء من كل حدب وصوب غير أنّك مازلت في نظرهم قويّاً ومهدّداً لمصالحهم الخسيسة .
ماذا يعني أن تستهدف ديانة و يشيطن أهلها عبر تجييش وتجنيد الجرذان القتلة ….ماذا يعني تشويه عقيدة حرّرت العبيد ووصلت إلى مشارف الصين ووقفت عند بلاط الشهداء ..؟
عضّ على جرحك أيها العربي والعق دمك الذي أراد أن يستبيحه السفلة وامض إلى الشمس التي تحبك وربما تشرق لأجلك .
اتسعت الخيمة العربية ـ ومعها الكساء والقدر والفراش وظهر الفرس وقرص القمر ـ إلى الكثير من الأقوام والمستجيرين وعابري السبيل …………..فلماذا يريد بعضهم أن يبولوا على النار وبتواطؤ مع الذين كنّا نظنهم فتية الحيّ .
لا شكّ أنّ البيت العربي يحتاج الآن ـ كما لا يحتاج أبداً ـ إلى كنس الذي نصّبوا أنفسهم شيوخاً وأهل حلّ وربط وطفقوا يسقون القهوة للغزاة والغرباء .
سئمنا القول في كلّ مرّة أن الأمة تمرّ بامتحان عسير ، ثمّ نرسب دون أن نخوض الامتحان …
ليس الأمر استنهاضاً لتعبئة قومجيّة لم أكن يوماً فيها متحمّساً حزبيّاً ولا ” شبّيحا” أيديولوجيّاً ، لكنها حقيقة يقرّها القاصي قبل الداني وهي أنّ ثقافة يقع اغتيالها على مقربة من أهلها ـ بل وبمشاركة من بعضهم ـ مثل من يعزم الغربان لتناول جثته قبل بدء المعركة .