العزيزة سوريا (فاروق يوسف)
فاروق يوسف
لا أحد يتمنى أن يلتقي السوريون مثل الغرباء في قاعة، من المؤكد أن أجهزة التصوير الحساسة قد زرعت في اماكن مختلفة منها.
يعرف الجالسون مكرهين في تلك القاعة أن هناك مَن يحصي أنفاسهم، مَن يقرأ شفاههم. مَن يدرس اسباب تلفتهم. مَن يسعى إلى تأويل طريقتهم في النظر.
لا حاجة هنا للتعريف بتلك الجهة التي تقوم بدور الرقيب.
سيقال إن تلك الجهة هي المجتمع الدولي وهو مَن يدفع المجتمعين في جنيف إلى السعي وراء اتفاق من شأن التوقيع عليه أن يضع حدا للحرب الأهلية في سوريا. فهل هو نفسه مَن لا يزال يرعى تلك الحرب بالعدة والعتاد؟ هل هو نفسه مَن لا يزال يجيش المشاعر ويلعب بالعواطف من خلال وسائل الاعلام من أجل صنع رأي عام يحث على الاستمرار في الحرب وصولا إلى لحظة أنتصار طرف، هي ذاتها لحظة هزيمة الطرف الآخر؟
سيكون على السوريين المجتمعين في جنيف أن يكونوا حذرين وهم يراقبون تركيبة المعادلة التي أوصلتهم إلى جنيف الباردة. سنكون رومانسيين لو فكرنا بحضن دمشق الدافئ. سنتذكر أن قاسيون صارت موطنا لمنصات الصواريخ التي تضرب دمشق.
"من قاسيون أطل يا وطني/فأرى دمشق تعانق السحبا" يبتسم المجتمعون بحزن وهم يتذكرون كلمات الشاعر الراحل خليل الخوري التي تجمعهم وتملأهم بالحنين إلى بلاد الياسمين. في لغة السياسة ما من شيء اسمه الحنين، غير أن المجتمعين في جنيف لا ينكرون أن قاسيون ينظر إليهم، ينتظرهم بشغف.
الأخوة الاعداء، يجلس بعضهم في جنيف في مواجهة البعض الآخر.
في شعور بالندم سيلوم البعض البعض الآخر. "ما أعظم أن نحل مشكلاتنا في بلادنا" جملة اشكالية تتردد مثل غصة في القلوب كما في العقول. لكن شيئا من تلك الامنية الرومانسية لم يعد الآن ممكنا.
لقد تمكن القتل من شعب كانت هوايته أن يصنع الحب، فصارت الكراهية عنوانا لسنوات ثلاث عجاف، لم يشهد السوريون أثناءها سوى القتل والتهجير والتشرد والجوع وأنوعا مختلفة من العزل الطائفي.
أبلغة القتل سيتحاور المجتمعون في جنيف، وهم يدركون جيدا أن تلك اللغة هي جردتهم من غطائهم الوطني فصارت جنيف تستر عوراتهم؟ لقد تركوا دمشق وراءهم وهم يسعون إلى حل، سيكون في إمكانه كما يتخيلون أن يحفظ للشاميين ما تبقى من عاصمة الامويين.
أعتقد أن سوريي جنيف لن يغامر بعضهم في النظر إلى عيون البعض الآخر. سيكون السؤال نفسه ماثلا في كل العيون: "ما الذي فعلناه ببلادنا؟"
"أما كان ممكنا أن يتخلى نظام العائلة عن قبضته الأمنية؟" في المقابل "أما كان في إمكان المعارضة أن لا تلجأ إلى التسلح ومن ثم التدويل" سؤالان حائران لن يفهم أحدهما الآخر.
سوريا العزيزة على الطرفين تقض مضجعيهما.
سيرى الاخوة الاعداء مضطرين سوريا، بلدهم المشترك بعيون جديدة، لكن من المؤسف أنهم يفعلون ذلك متأخرين وفي المكان الخطأ.
من الثابت أن الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها الشعب السوري لن تسمح لأي من الطرفين بممارسة أي خيلاء سياسي. على الأرض فشل الطرفان في حسم الحرب التي دفع الشعب السوري ثمنها، فهل على ذلك الشعب أن يدفع ثمن فشل المفاوضات السياسية بينهما؟
سوريا العزيزة على الجميع هي التي تتحكم بقرار المجتمعين في جنيف.
لا بشار الاسد حاكما أبديا ولا الاستيلاء على السلطة وفق الوصفة العراقية سيكونان مناسبين للوصول إلى حل ينهي الحرب في سوريا. سوريا التي تنظر إلى جنيف بعينين دامعتين لن تكون سوريا الأسد ولا سوريا أحد من أعدائه. هناك معادلة ستنبثق من جنيف، ستكون بمثابة مفاجأة للجميع.
ميدل ايست أونلاين