كتب

العشق المستحيل في قصة حب مجوسية

وتتجلى صورة الحب العذري بوضوح في رواية (قصة حب مجوسية) حيث لا تنطفئ نار الحب العذري في قلب بطل الرواية والذي شبه حبه لمحبوبته بالمجوسي الذي يعشق النار ويعبدها فعلى مر العصور، والكتب العربية تنقل تاريخًا حافلًا وأدبًا رقيقًا عما نسميه بالحب العذري. ويرى بعض الباحثين العرب أن التسمية مستمدة من قبيلة “بني عذرة” التي يُنسب إليها أكثر من شاعر “عذري”، أقدمهم -بالتأكيد- عروة بن حزام صاحب “عفراء” .

يأخذنا عبدالرحمن منيف في هذه الرواية الى عالم الحب الحقيقي المترفع عن الشهوة فبطل الرواية (شاب عاشق للنساء نلمس شغفه بالنساء والعلاقات الحسية منذ الصفحات الأولى للرواية، وأميل إلى تفسير سبب تعددية علاقاته النسائية بسبب فقدانه لحنان والدته منذ طفولته، ففي الرواية يشير الرواي أكثر من مرة إلى فقدانه لوالدته وحرمانه منها في صغرهِ وهذا مايفسر سبب تعلقه بوالدة صديقته ميرا وكثرة تردده عليها ).

 (اللقاء الأول)

يصف الراوي اللقاء الأول بمحبوبته المقدسة كما يحب أن يسميها في إحدى المنتجعات السياحية على ساحل البحيرة (ما كدت أراها حتى ظننت أني أعرفها منذ آلاف السنين) ، كانت ليليان السيدة المتزوجة من رجل لايطلق عليه اسم في الرواية لعدم أهميته في تشكيل احداث الرواية يصفه الراوي بالرجل السمين، ولديها طفلان منه (من أنت ؟ أيه رحلة خطرة تدفعنا إليها الرياح؟ البياض الساكن في عينيك يفتش عن مرفأ : وأنا المتعب الملقى في هذا الركن البعيد عن العالم هل أكون هذا المرفأ؟ أريد يداً صغيرة ودافئة تسندني. أحس شيئاً في داخلي يتدمر وبسرعة يفنى). منذ اللقاء الأولى

نلاحظ أن البطل أحب هذه المرأة حباً طاهراً خالياً من أي شهوة

(وفي لحظة اخرى استبد بي شعور أقوى بأن نظرتي لو امتدت إلى ذلك الجسد يمكن أن تلوثه) .

وما ميز هذه الرواية عند كثير من قراء الروايات وقصص الحب أنها غارقة في الوصف التفصيلي، إضافة إلى ما فيها من اللفظ اللطيف الرقيق، والكلمات العذبة التي تستهوي هواة هذا النمط من النصوص الأدبية، وهذا ما يتسم به الروائي عبدالرحمن منيف.

هل كان حباً حقيقياً ؟

يدافع الرواي بشده عن حبه لمحبوبته ليليان هذا الحب الذي لم يتوج حتى بعلاقة عاطفية فقد بقي هذا الحب حديث القلب والعيون (كانت ابتسامة العيون لا أحد يراها إلا من أدمنها)..

كان حبه للأخيرة قادر على أن يدمر جميع علاقاته النسائية، وبعد أن عادَ إلى المدينة اكتشف إنه لن يستطيع ان يمنح قلبه لغير ليليان وظل يبحث في كل مرافق المدينة (المنتزهات والمسارح والسينما) عن محبوبته لعله يعثر عليها في احدى الإمكنة لكن دون جدوى . وهنا يظهر الكاتب سخطه على كل شيء، الكنيسة والقدر والحظ والحياة حتى على القراء إنفسهم.

ورغم كل هذا التمرد إلى أن عذاب الحب المستحيل يدفع القارئ للشفقة على هذا العاشق الذي يعذب نفسه بالبحث عن محبوبة لايراها ولايملك أي معلومات عنها سوى اسمها ليليان وزوجها سمين ولديها طفلان .

فإستحالة اللقاء بينهم أمر متوقع في هذه المدينة الكبيرة، ورغم مرور السنوات إلا انه لا ينسى حب ليليان الخالد في قلبه (لا أملك شيئاً، مازالت ليليان شامخه راكضة في ذاكرتي )

وكما قال الشاعر المصري أحمد بخيت (أليس الحب مجنوناً عظيماً ومسكونا بآلاف المعاني! شقي من يعاني الحب منا، وأكثر شقوة من لا يعاني).

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى