العصر النووي الثاني: السياسات العالمية الجديدة تجاه انتشار الأسلحة النووية (بول براكن)
بول براكن*
عرض: رضوى عمار**
Paul Bracken The Second Nuclear Age:Strategy, Danger, and the New Power Politics
(USA: Holt, Henry & Company, Inc, 2012)
في ظل الجدل المستمر في أروقة مراكز صنع السياسة الأمريكية حول مستقبل السياسة الأمريكية تجاه المسألة النووية، منذ نهاية الحرب الباردة، وسقوط الاتحاد السوفيتي، يناقش بول براكن، في كتابه، مدي تأثير الأسلحة النووية في تطور الأزمات وتصعيدها، من منطلق أن سياسات القوة العالمية تتغير بسبب عودة ظهور الأسلحة النووية كعنصر حيوي في سياسات القوة.
وقد اعتمد في طرحه على سيناريوهات لعبة الحرب ليوضح فكرته حول أن الأسلحة النووية تغير حسابات سياسات القوة. وعرض على نحو دقيق الوضع في الشرق الأوسط، وجنوب آسيا، وشرق آسيا، مؤكدا أن الولايات المتحدة الأمريكية يجب ألا تسمح بأن تكون غير مستعدة لإدارة مثل هذه الأزمات، وأنها لابد أن تأخذ الموضوع على محمل من الجد، خاصة أن القنبلة أضحت جزءا رئيسيا من السياسات الخارجية والدفاع في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشرق آسيا.
وبول هو أستاذ الإدارة والعلوم السياسية في جامعة ييل، وكان عضوا سابقا في معهد هدسون، ومستشارا في مؤسسة راند، كما عمل في العديد من المجالس الاستشارية لوزارة الدفاع وكذلك مع الشركات المتعددة الجنسيات العالمية بشأن القضايا الاستراتيجية والتكنولوجيا.
العصران النوويان الأول والثاني:
ميز بول بين العصرين النوويين الأول والثاني. فبينما أرجع بداية العصر النووي الأول إلى نهاية الحرب العالمية الثانية حتي نهاية الحرب الباردة، يري أنه يصعب تحديد بداية العصر النووي الثاني، الذي ربما يعود تاريخه إلى التجربة النووية للصين عام 1964? أو التجربة النووية للهند عام 1974? أو تاريخ آخر.
ويشير بول إلى أن العصر النووي الأول قد شهد سباق تسلح نوويا من أجل البقاء، حيث كان هناك تنافس سياسي كبير بين القوتين العظميين، ويسعي كل منهما إلى تدمير أيديولوجية عدوه. بينما يشهد العصر النووي الثاني حالة انتشار الأسلحة النووية لأسباب ليست لها علاقة بالحرب الباردة. وقد وصفه بول بأنه عصر نظام نووي متعدد الأقطاب، ورآه نظاما أكثر تعقيدا من الحرب الباردة. وهو ما عكسه غلاف الكتاب، على حد وصف بول، حيث كرات تصطدم ببعضها، فالدولة تقوم بتحرك ما تتردد أصداؤه خلال النظام.
ويجادل بول بأن العصر النووي الثاني نشأ لأسباب وصفها بالطبيعية، وأنها تتعلق بغياب الأمن، والخوف، والقومية، وغياب التوازن الإقليمي لسياسات القوي التي حددت ملامح العلاقات الدولية في الألف سنة الماضية على الأقل، واستمرت حتي الآن. وفي هذا السياق، يري بول أنه ليس من المستغرب أن معظم الدول تريد أن تحصل على القنبلة.
وقد قسم بول الدول التي تملك أسلحة نووية في العصر النووي الثاني إلى نوعين: قوي رئيسية مثل روسيا، والصين، والهند، وأخري ثانوية مثل إسرائيل، وباكستان، وكوريا الشمالية، وعلى الأرجح إيران، مشيرا إلى أن هذه القوي لديها ثقافات مختلفة وإدراك مختلف، ومن ثم فهي أكثر تنوعا من الفاعلين النوويين في الحرب الباردة.
أين يكمن الخطر؟
يري بول أن الفترة الأخطر في العصر النووي الأول كانت أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، لأن الاتفاقيات المنظمة للانتشار النووي لم تكن قد أنشئت بعد، وأننا اليوم نعيش الموقف نفسه الذي ساد تلك الفترة الخطرة، لكن الأمر المختلف أن لدينا عددا أكبر من القوي النووية، وكل جانب يحاول استكشاف الآخر.
ويري بول أن العصر النووي الثاني يتسم بعدد أكبر من التحديات والمخاطر. فبداية، بينما كانت القوي العظمي محافظة بشأن أي شيء يتعلق بالأسلحة النووية، كان هناك حذر من الدخول في مخاطرات. فالمسألة ليست على النحو نفسه. وإذا نظرت إلى الوضع في إيران، وإسرائيل، أو باكستان، والهند، أو كوريا الشمالية كقوي نووية، فستجد أن وضعها مختلف عن القوي الكبري.
من ناحية ثانية، فإنه على الرغم من وجود إرهاب في العصر النووي الأول، فإنه لم يوجد دليل أو حالة تبرهن على أنه كان يهدف لإثارة حرب أكبر بين القوي العظمي. وهو ما يختلف عن الوضع الراهن، مما يثير مخاوف وقوع الأسلحة النووية في أيدي الإرهاب الذي يستطيع الاستفادة من البيئة النووية، حتي لو لم يصنع قنبلته النووية.
أيضا، أشار بول إلى أن امتزاج الإرهاب بالتطرف الديني والمشاعر القومية يجعله محفزا للحرب في العصر النووي الجديد. وتحدث في هذا السياق عن التفاعلات بين الإرهاب والدول النووية، لافتا إلى أن الدول الأكثر خطرا هي الدول الضعيفة التي لديها أسلحة نووية، أو على الأقل لديها صعوبة في نشر قوات تقليدية. فتوافر الأسلحة التقليدية يعني أن الدولة ليس عليها اللجوء إلى الأسلحة النووية حتي في الأزمات الحادة.
من ناحية ثالثة، ذكر بول أن الحرب الباردة كان يتم إدارتها بعيدا عن الشارع. فأثناء الحرب الباردة، كانت كل القوي الكبري حريصة على عدم إشراك الشارع أثناء الأزمات. بينما في العصر النووي الجديد، تكون إدارة الأزمات أقرب للحالة المزاجية للجماهير في الشارع الذي تسيطر عليه الشعارات الدينية والقومية.
ولاحظ بول أن هناك اعتمادا بشكل متواصل على استخدام نظريات ومصطلحات يعود تاريخ استخدامها إلى فترة الحرب الباردة: الردع والاحتواء، الضربتين الأولي والثانية، وغيرها، وأن هذه المصطلحات التي يعود تاريخ استخدامها إلى الخمسينيات تستخدم اليوم بنفس دلالات المعني المستخدم في الخمسينيات، رغم اختلاف الظروف، وهو أمر يجب معالجته.
وتناول بول عددا من الأمثلة الدالة على وجهة نظره، على سبيل المثال هو يري أن الإيرانيين ليسوا غير عقلانيين، لكن عقلانيتهم مختلفة عن النمط الذي ساد الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي. فالإيرانيون وضعوا الصواريخ ذات الرءوس النووية بجانب المدارس والمستشفيات، مختفية بين عدد كبير من الصواريخ التقليدية، وهو ما يزيد من تكلفة أي ضربة موجهة إليها. من ناحية أخري، بينما تركز الولايات المتحدة وإسرائيل على توجيه ضربة لإيران تهدف لإسقاط الحكومة الإيرانية، يكون هناك تخوف من دخول إيران في فوضي سياسية، أو أن تتعرض لتفكك قد يضع الأسلحة النووية في أيدي عناصر راديكالية أسوأ، وغير مقيدة بآليات الرقابة البيروقراطية.
ما هو الحل؟
ذكر بول أنه على الرغم من دعم الولايات المتحدة الأمريكية، منذ نهاية الحرب الباردة، لسياسات مناهضة للأسلحة النووية، فإنها لم تنجح. فقد نشأ النظام النووي متعدد الأقطاب نتيجة عدم قدرة الدول النووية الخمس على منع دخول دول أخري إلى النادي النووي. وأشار بول إلى أن أكبر دليل على ذلك هو أن الهند أصبحت عضوا شرعيا مقبولا في النادي النووي، على الرغم من وهم خطر الانتشار النووي.
وفي هذا الصدد، يري بول أن الأمر يتطلب وضع مجوعة جديدة من قواعد الدبلوماسية، والاستراتيجية العسكرية، والسيطرة على الأسلحة من أجل تحقيق استقرار النظام النووي الناشئ، وأنه على الولايات المتحدة الأمريكية أن تعيد التفكير في استراتيجيتها الوطنية، وإعادة التركيز على ديناميكيات الأسلحة النووية الجديدة، وأن التعامل مع العصر النووي الثاني بالنمط البطئ نفسه الذي اتبع في معالجة أزمة الصواريخ الكوبية يغفل التغيرات التي لحقت بالعصر الجديد. فهناك حاجة لإطار استراتيجي طويل المدي ينظر إلى العصر النووي الثاني كمشكلة طويلة الأمد، مستمرة لخمسين سنة، محذرا من أنه إذا لم نقم بإدارة العصر النووي الثاني، فإنه سوف يقوم بإدارة أمرنا.
*أستاذ الإدارة والعلوم السياسية في جامعة ييل.
** باحثة دكتوراه في العلوم السياسية، جامعة القاهرة
مجلة السياسة الدولية (تصدر عن مؤسسة الأهرام المصرية)