العقل والحقل
العقل والحقل … نقص الإحساس بالفاعلية عند المواطن، يؤدي إلى الاستخفاف بالمعرفة. وتجاهل الانخراط في الشأن العام. المعرفة بلا وظيفة ومجال حيوي في الثقافة تؤدي إلى كسل المسعى الإنساني لتحسين شرط الحياة.
والشأن العام، إن كانت مؤشرات اللاجدوى من الانخراط فيه… متفاقمة، فإن المواطن يتراخى، ثم يكسل، ثم تضمر لديه حاسة النقد، ورغبة المشاركة.
الشأن العام ليس إدارة البلاد والعباد فقط، بل هو مناخ يسمح للفاعلية الفردية والجمعية بالنشاط، والنمو. مناخ المباراة وإحراز النصر.
المعرفة هي القواعد الأساسية للتطوير والحداثة ولكن المشكلة أن السلطات العربية تعتبر الاهتمام بالشأن العام هو عتبة من عتبات الاحتجاج على السلطة، ثم لاحقاً مشروع استلام السلطة. ولذلك تتم مراقبة النشاط المدني والعام بوصفه احتمال خطأ أو خطر.
لذلك لا تنشأ في الدول العربية بيئات ثقافة، منصات إبداع، شخصيات تاريخية تمسك بالراهن الحاضر لتجعله، في زمن قياسي مؤشراً للمستقبل.
في تقرير قدمته السفيرة البريطانية، جين ماريوت، إلى مجلس العموم البريطاني، عن التعليم في العالم العربي، جاء فيه ما يلي:
“النظام التعليمي يؤدي إلى مفارقات مدهشة في الخريجين:
فطلاب الدرجة الأولى من الأذكياء… يذهبون إلى كليات الطب والهندسة. بينما خريجو الدرجة الثانية يذهبون إلى كليات إدارة الأعمال والاقتصاد بذلك يصبحون مدراء لخريجي الدرجة الأولى.
خريجو الدرجة الثالثة يتجهون للسياسة، فيصبحون ساسة البلاد، ويحكمون خريجي الدرجتين الأولى والثانية.
أما الفاشلون في دراستهم، فيلتحقون بالجيش والشرطة فيتحكمون بالساسة والاقتصاد، ويطيحون بهم من مواقعهم، أو يقتلونهم إن أرادوا.
أما المدهش، حقاً، فهو أن الذين لم يدخلوا المدارس أبداً، فيصبحون أعضاء مجالس نيابية، وعمد، وشيوخ قبائل… والجميع يأتمرون بأمرهم”. ويمكن ان نضيف أيضاً شيوخ مساجد وتكايا، ومرجعيات فتاوى تأتي من اجتهادات في تفسير النص الديني فتتحكم، باليقين وبالتكرار، بأنماط التفكير، وطبائع البشر، وأهداف المسعى.
سئل مؤسس سنغافورة “لي كوان يو”: ما هو الفرق بين سنغافورة ودول العالم الآسيوية؟
قال: “الفرق هو أننا نبني المكتبات، ودور البحث العلمي، وهم يبنون المعابد. نحن نصرف الأموال على التعليم وهم يصرفونها على التسليح. نحن نحارب الفساد من قمة الهرم، وهم يمسكون اللصوص الصغار ولا يقتربون من المفسدين الكبار”.
معلومة: دخل كوريا الجنوبية من صادرات الرقائق 10 مليار دولار شهرياً، أي ما يعادل 5 مليون برميل نفط يومياً.
وهذا هو الفارق بين ثروة العقول وثروة الحقول.