العمائم … لخدمة الدِّين والإنسان لا الأحزاب! (مهند حبيب السماوي)

 

مهند حبيب السماوي
 

يبدو من خلال ما نراه الأن في وسائل الإعلام المعاصرة التي عرَّت الكثير من الظواهر وكشفتها للإنسان البسيط؛ أن بعض هذه العمائم قد تناست دورها الحقيقي وشروط اعتمارها للعمائم وهدفها الأصل.

الوظيفة التقليدية للعمائم، أو من يعتمرها في العالم العربي والإسلامي، جلية ولا تحتاج للشرح والتفسير، فمن يضع هذه العمامة على رأسه هو طالب علوم دينية أو عالم مختص بالدين ويعرف، استناداً إلى هذا التشخيص، وعلى نحو متباين بدرجة المعرفة ومستواها، المبادئ والأحكام الدينية والتشريعات والقوانين المتعلقة بها شأنه في ذلك ِشأن المختص في أي علم من العلوم الإنسانية كالأدب والفلسفة والتاريخ والسياسة أو العلوم الطبيعية، كما تسمى أحياناً، كالفيزياء والكيمياء والجيولوجيا مثلا.
هذا يعني، بكل وضوح، أن العمائم والشيخ الذي يعتمرها يعمل على خدمة الناس من خلال تعريفهم بدينهم ومعتقداتهم؛ أو يَخدم الدين عبر تقديمه وعرضه للناس على نحو، كما هو ما ينبغي أن يكون عليه، عقلاني منفتح متسامح قائم على أساس الأخوة والسلام والمحبة والقيم والعدالة والمنطق؛ لا على أساس "تنفيري" قائم على الحقد والكراهية والخرافات، ويجعل ممن يريد التعرف عليه يزدريه ويكره ما جاء في من أفكار قد يقدمها صاحب العمامة بصورة رجعية لاعقلانية وربما مضحكة!
ولكن يبدو من خلال ما نراه الأن في وسائل الإعلام المعاصرة التي عرَّت الكثير من الظواهر وكشفتها للإنسان البسيط؛ أن بعض هذه العمائم قد تناست دورها الحقيقي وشروط ارتدائها للعمائم والغاية والهدف الأصلي منها، وانحرفت عن هذا الهدف وانساقت إلى مسارات أخرى فأمست لا تقوم بخدمة الدين الذي تدعو لها ظاهرياً؛ ولا الناس كما هو مفترض لها، بل تخدم أجندة وبرنامج سياسي معين لحزب ما وتقوم بالدفاع عنه شأنه شأن الدين ومعتقداته.
يغدو صاحب العمامة، سوداء كانت أم بيضاء، شيعياً كان أم سنياً، في ظل هذه الحالة واعظا وداعية للحزب السياسي الذي أنخرط فيه، فتراه منافحاً عن معتقدات حزبه، مدافعاً بكل ضراوة عن " أدبيات "ـــه والأفكار الذي يقدمها والأطروحات التي جاء بها مستخدما جميع الأساليب التي يتقنها والذي تعلمها من خلال درسه وتعليمه في المدارس الدينية.
ولأن الأحزاب في العالم العربي والإسلامي تتجسد دائما في شخص واحد يمسي ويصبح زعيمها الأوحد ورئيسها الفريد، وتصبح تعاليمه وآراءه وأفكاره الممثل الحقيقي والتفسير الصحيح لمبادئ الحزب لذا يتحول صاحب العمامة، هنا، من الدفاع عن مبادئ حزب ما الى الدفاع عن "زعيم" هذا الحزب بأشكال مختلفة وبأساليب متنوعة. أذ نجد أن صاحب العمامة قد يدافع بصورة مباشرة عن كل ما يقوله هذا " الزعيم " من أراءه أو ما يتخذه من مواقف، ومرة أخرى يكون دفاعه بصورة غير مباشرة حينما يساند عن كل رأي يشابه راي زعيم حزبه ويقود الى نفس النتيجة.
هنا يرتكب صاحب العمامة أخطاء فادحة ويرسل رسالة سلبية بحق نفسه؛ وحق الدين والطائفة التي يمثلها ناهيك عن الحزب السياسي نفسه الذي لن يكون في منأى عن النقد والاستهجان من قبل الأخرين ممن يؤمنون بخطورة توريط رجل الدين بالدفاع عن مواقف سياسية معينة لحزب ما او إيديولوجية معينة ترتبط بحزب سياسي.
قد يعرض علينا معترض قائلاً: بأن رجل الدين إنسان اعتيادي يجب أن يكون له رأي سياسي وموقف من الأحداث الجارية؛ شانه شان أي إنسان آخر، وهذا رد مقبول ومنطقي ولا نعترض عليه أن أعطى صاحب العمامة رأيه السياسي في قضية ما بصورة مستقلة، وكما يراها هو، لكن ما ننقده هنا ونستهجن حدوثه هو أن تكون العمامة في خدمة حزب سياسي ما أو تحت أمرة صاحب هذا الحزب يرسم لـ" العمامة" خريطة سلوكها ويُعبد لها طريق تصريحاتها ويضع لها حدود أقوالها، وبالتالي يقوم صاحب العمامة، وهنا الخطورة الكبرى، بتأييد آراء ونظريات الحزب بنصوص دينية واحاديث نبوية محاولة إضفاء مسحة تقديسية على هذا الحزب ومواقفه التي يتخذها.
آنذاك تصبح العمامة أداة رخيصة بيد السياسة وألاعيبها ومصالحها غير النزيهة وتمسي النصوص الدينية أداة طيعة بيد صاحب العمامة لتقوية مواقف حزبه السياسي؛ الذي منح هذه العمامة امتيازات لم يمنحها لغيره من المعممين المستقلين ممن لا يوافق هذا الحزب في أرائه أو لديه موقف غير مرضي عنه من قبل هذا الحزب.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى