العوامل الداخلية السياسية والاقتصادية لثورة 25 يناير في مصر
عرض: وفاء الريحان جمعة
لم يتوقع كثير من الدراسات العربية انتفاض الشعوب العربية ضد أنظمتها الحاكمة، رغم أن جميع الشواهد والمؤشرات كانت تمهد الطريق لقيام الثورة في عدد من الدول العربية. ومع اندلاع تلك الثورات، بدأت الدراسات العربية البحثية والأكاديمية تولي قدرا من الأهمية لأسباب اندلاعها ومساراتها مع سرعة وتيرتها وتطورها بصورة لم تكن متوقعة.
ومن تلك الدراسات هذه الأطروحة التي تدرس العوامل الداخلية (السياسية والاقتصادية) التي مثلت الأسباب الكامنة وراء اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير .2011 وقد حددت الدراسة الفترة الزمنية من عام 2005 إلي عام 2010، لأن هذه الفترة شهدت اختلالات في أداء وعمل النظام السياسي المصري، مما أتاح البيئة المواتية للحظة الانفجار الثوري.
الإطار النظري لتحليل ثورة يناير 2011:
استهلت الباحثة الدراسة باستعراض التراث النظري للثورات بداية من أرسطو وحتي منظري العصر الحديث، وخلصت إلي وجود نوعين من الثورات، أولهما “الثورات التأسيسية أو العظمي”، وهي التي تهدف إلي محو بنية النظم السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية القديمة، وتقدم نموذجا جديدا لهذه النظم، ثانيهما “الثورات التحويلية”، التي ينتقل فيها المجتمع من حالة إلي أخري، ولكنها لا تستمر لأسباب أيديولوجية أو سياسية، أو استراتيجية.
وعن أسباب صعوبة بلورة نظرية عامة لتفسير الثورات، أشارت الدراسة لعاملين، أحدهما خاص بعدم الاتفاق بين منظري الثورات علي تعريف محدد للثورة، والآخر متعلق بجانب القيم التي يتم ربطها بظاهرة الثورة، في ضوء صعوبة بلورة هذه القيم أثناء فترات التغيير السياسي.
ورغم أنه يوجد شبه اتفاق علي أن لكل ثورة ظروفها وخصوصيتها التاريخية والثقافية، وأنه لا يمكن الجزم بعوامل محددة تتوافر في كل الثورات، فإنه من المتعارف عليه أنه لا توجد ثورة، أيا كان توجهها، تحدث فجأة، حيث تسبقها مجموعة من المقدمات والاحتجاجات ضد سوء الأوضاع الداخلية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتي تلعب أدوارا مهمة في اندلاع الثورات، وهو ما يؤكده “أليكسي دو توكفيل” الذي يصف لحظة اندلاع الثورة بأنها “اللحظة الثورية”، التي لا تتعارض مع وجود شواهد تنذر بوقوع الثورة قبل هذه اللحظة.
ويبقي التساؤل عن سبب ثورة الأفراد في هذا التوقيت علي هذه الأوضاع المتردية التي يعيشون فيها منذ أعوام، وتكمن الإجابة في أن هؤلاء الأفراد وصلوا لمرحلة أن استمرار النظام القائم بالنسبة لهم أكثر سوءا من مخاطر الثورة عليه. هذه المرحلة تسمي بنقطة الذروة التي تحدث بفعل مجموعة من العوامل، وتختلف الثورات فيما بينها فيما يتعلق بأسبقية أحد هذه العوامل علي الآخر.
خصائص الثورة المصرية:
عن حالة ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، تؤكد الباحثة ضرورة عدم قياس الثورة المصرية بالثورات التاريخية الكبري بالعالم لكون التراث النظري لدراسة هذه الثورات إنما هو نوع من الاستقراء الذي يخضع للنقد بشكل مستمر.
وفي ضوء اختلاف الآراء حول طبيعة ثورة يناير، تشير الدراسة إلي أن خبرة الثورات التي حدثت في القرن العشرين بشكل عام أكدت أنه لم تحدث عملية اقتلاع للنظام القديم من جذوره مرة واحدة، وإنما تمت بالتدريج، وهذا بدوره ينطبق علي ما حدث في الحالة المصرية، حيث تم إسقاط النظام، واستمرت عملية التخلص من مؤسساته ونخبته. ورغم التحديات التي تواجه الشعب المصري في ذلك الصدد، فإنه بالفعل صنع حالة ثورية لم تكن متوقعة قبل ذلك.
وترصد الدراسة تفرد ثورة 25 يناير 2011 بعدد من السمات التي جعلتها تختلف عن الحالات الثورية الأخري، والتي تمثلت في توافر العقل الجمعي الذي حرك أحداث الثورة في ظل تقدم ثقافة الاحتجاج بالمجتمع المصري، وعدم وجود قيادة لهذه الثورة، ومشاركة جميع الطبقات المصرية بكافة توجهاتها الأيديولوجية، خاصة الطبقة الوسطي التي شاركت بكثافة لكونها من أكثر الطبقات التي عانت الاختلالات البنيوية في المجتمع المصري، كما جاءت مشاركة هذه الطبقة لتبطل الاعتقاد السائد قبل الثورة، والخاص بانكماش حجمها ودورها في مصر. ويضاف إلي ذلك الطابع السلمي والفجائي للحدث الثوري، وقدرة الشارع المصري علي تجاوز الأحزاب والنخب والمثقفين.
تعد دراسة خصائص وطبيعة الفاعلين الرئيسيين في الثورة أمرا مهما للتعرف علي دوافع لجوء هذه الفواعل إلي الثورة في ذلك التوقيت، ويعد الشباب، خاصة من أبناء الطبقة الوسطي والجماهير الشعبية، هم أبرز الفاعلين بالثورة المصرية، بالإضافة إلي الفاعل الرقمي الذي مثل نمطا جديدا للمشاركة السياسية غير التقليدية، وقد حددته الدراسة بأنه يشمل جميع الوسائل التكنولوجية، ولا يقتصر فقط علي وسائل التواصل الاجتماعي. وهؤلاء الفواعل الثلاثة توجد بينهم علاقة مترابطة ومتشابكة أسهمت في اندلاع ثورة يناير.
عوامل سياسية واقتصادية لثورة 25 يناير:
خلصت الدراسة إلي أن هناك ثلاثة عوامل سياسية شكلت مقدمات الفعل الثوري في 25 يناير 2011، والتي تتمثل في:
أولا- أزمات الإصلاح السياسي، وهي تشمل قضايا المشاركة السياسية، والشرعية، والتوزيع، والهوية، والثقة السياسية. وقد تشابكت تلك الأزمات مع بعضها بعضا لتشكل ضغوطا علي النظام السياسي. وتشير الدراسة في هذا الشأن إلي أن النظام السياسي في عهد مبارك، والذي اتسم بكونه “سلطويا انتخابيا”، يسمح بمساحات للحركة في ضوء تعددية شكلية، فضلا عن التعديلات الدستورية في عامي 2005 و2007، والتي لم تأت بجديد فيما يتعلق بالإصلاح السياسي، وتصاعد الأزمات في ضوء الرغبة المتزايدة للجماهير بمزيد من الإصلاحات. كما أن فشل النظام في استيعاب المطالب قد فاقم من حالة الاحتقان والاستياء لدي الشعب.
ثانيا- الحركات الاحتجاجية، حيث شهد المجتمع المصري في السنوات السابقة علي الثورة ظهور عدد من الحركات الاحتجاجية، سواء ذات طابع سياسي، أو اجتماعي، أو فئوي، ويأتي في مقدمتها حركة “كفاية” التي ظهرت عام .2004
ثالثا- الانتخابات البرلمانية، حيث تمت انتخابات مجلس الشعب في أواخر 2010، وتم استبعاد المعارضة بكافة أشكالها بشكل صارخ مما أسهم في مزيد من الغضب الشعبي.
وقد حصرت الباحثة العوامل الاقتصادية وراء ثورة الخامس والعشرين من يناير في ثلاثة عوامل رئيسية، هي علي النحو الآتي:
أولا- نمط توزيع الدخل والثروة بالمجتمع المصري قبل الثورة: فقد اتسعت الفجوة بين الطبقات مع عدم العدالة في توزيع الدخل، وصاحب ذلك ظاهرة “تزاوج السلطة بالمال” من خلال تزايد الدور السياسي لرجال الأعمال داخل النظام.
ثانيا- ارتفاع معدلات البطالة ونسب الفقر: فمع ندرة فرص العمل وانتشار البطالة بين الشباب المتعلم الواعي، اتضح أن سوء إدارة الحكومات المتعاقبة للجانب الاقتصادي هو السبب وراء ذلك. كما أن سياسة الانفتاح الاقتصادي لم ينجم عنها سوي مزيد من الفقر والتهميش لفئات معينة.
ثالثا- نمط تعامل الحكومة مع الأصول الاقتصادية للمجتمع المصري: فسياسات الخصخصة أدت إلي بيع أكثر من نصف شركات القطاع العام بأقل من قيمتها الحقيقية، كما نتج عنها تراجع دور الدولة في تقديم الخدمات في المجالات المختلفة، وهو ما أسهم في اتساع نطاق الفقر، وازدياد حالة السخط لدي المواطنين.
رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2015.
مجلة السياسة الدولية (تصدر عن مؤسسة الأهرام المصرية)