العيش في أمريكا”: حلم تختلف فيه كتب تفسير المنام
ريبة وملتبسة، هي علاقة الشعوب العربية بالولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن تلخيصها في نحت لغوي يجمع بين الصداقة والعداوة في آن معا، العيش في أمريكا”: حلم تختلف فيه كتب تفسير المنام.
بقولنا: إنها علاقة “عداقة “، فأغلب المواطنين العرب، يجهرون بمعاداة أمريكا، ويدلّلون على مواقفهم بقائمة طويلة عريضة، تتعلّق بسياسات الإدارة الأمريكية إزاء العالمين العربي والإسلامي، لكنهم ـ وفي الوقت ذاته ـ يتمنون السفر والعيش في هذا البلد المرغوب ـ المذموم، وهي حالة انفصام ظاهرة تدل عليها طوابير الطالبين لتأشيرات الدخول إلى أرض الأحلام..نفس الطوابير ـ وبنفس العدد ـ تندد وتستنكر سياسات هذا البلد، وتنعته ب” الجحيم و أرض الكوابيس “.
أغلب الاعتقاد أنّ من خلق هذا الانفصام لدى الشعوب العربية في العلاقة مع أمريكا، هو انفصام آخر يتمثل في الفارق الملحوظ بين طبيعة الشعب الأمريكي المشهود له بالطيبة والبساطة من جهة، والسياسة الأمريكية التي ما تنفكّ تثير السخط عليها في كل أصقاع الأرض من جهة أخرى، هذا بالإضافة إلى ” انفصامات ” أخرى تخص سياسات الكثير من الأنظمة العربية في علاقاتها مع شعوبها.
الغريب أنّ علاقة العرب مع الولايات المتحدة على المستويين الرسمي والاجتماعي، قديمة وضاربة في القدم، فلقد كانت أمريكا التى أعلنت استقلالها فى عام 1776 تبحث عن الاعتراف الدولى، وكانت دول العالم آنذاك تحجم عن الاعتراف بالجمهورية الجديدة مراعاة لبريطانيا، وتقدم السلطان محمد بن عبدالله الثالث سلطان المغرب ليقدم للولايات المتحدة الأمريكية أول اعتراف رسمى بها. كان ذلك عام 1777 أى بعد عام واحد من إعلان استقلالها وبذلك أصبحت المغرب هى أول دولة فى العالم تعترف بالولايات المتحدة الأمريكية، وفى العام التالى، وقعت معها معاهدة صداقة، مازالت سارية المفعول وتعد أقدم معاهدة دولية فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت ثانى دولة عربية توقع معها معاهدة صداقة وتجارة هى سلطنة عمان فى عام 1833.
ووصل العرب إلى أمريكا فى هجرتين كبيرتين: الأولى فى الثمانينيات من القرن التاسع عشر، وكان معظمهم من اللبنانيين المسيحيين على وجه الخصوص، ومعظمهم من العمالة غير الماهرة التى تسعى لتحسين ظروفها الاقتصادية، وهؤلاء سرعان ما قطعوا صلاتهم بالعالم العربى وذابوا تدريجيا فى النسيج الأمريكى، أما الموجة الكبيرة التالية التى أسست الوجود العربى فى أمريكا فبدأت على إثر حرب فلسطين عام 1948 ثم تلتها موجات أخرى فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، وهؤلاء قدموا من فلسطين وسوريا ومصر والعراق واليمن، وهم أحسن تعليما وأكثر تمسكا بهويتهم العربية ودينهم الإسلامى أو المسيحى. وقد قدمت الجالية العربية للمجتمع الأمريكى نجوما فى مختلف المجالات.. ومع ذلك لم تستطع هذه المساهمات أن تمحو صورة العربى فى العقل الجمعى الأمريكى، ومازالت العلاقة مع العرب أو التودد إليهم تعد من” المخاطر” والعواقب غير المحسوبة فى السياستين الداخلية والخارجية بأمريكا.
ويبقى لتعلق الشباب العربي بأمريكا أسباب كثيرة وواضحة، فلقد ذكرت دراسة تابعة لمركز الخليج للدارسات الاستراتيجية بأنَّ الدول العربية أصبحت بيئات طاردة للكفاءات العلمية وليست جاذبة أو حاضنة لها، الأمر الذي أدّى إلى استفحال ظاهرة هجرة الأدمغة العلمية العربية، خاصة إلى الولايات المتحدة، وذكرت أنَّ 45 في المئة من الطلاب العرب الذين يدرسون في أمريكا لا يعودون إلى بلدانهم.
ويرى محللون ومراقبون عرب وأجانب أنه إذا كانت أمريكا تريد صداقة الدول والشعوب العربية الحقيقية، فإن عليها أن تسارع في تغيير هذه السياسات، ونزع هذا العداء المبطن منها، وذلك باتخاذ سياسات ربح تقوم على الاحترام المتبادل، وخدمة المصالح المشتركة للطرفين معا. إن هذه الصداقة ستفيد الجانبين، وتفيد أمريكا بقدر أكبر لأنها لن تكلف أمريكا سوى اتخاذ سياسات ومواقف تتماشى والحق، والمنطق الإنساني والسياسي السليم. ولعل أهم متطلبات هذه الصداقة، هو المساهمة في الحفاظ على وحدة وسلامة البلاد العربية، وحمايتها من التقسيم والتجزئة، وحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حلا عادلا، يضمن تحقق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والمساعدة في إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل بالشرق الأوسط.
ومقابل ذلك، فإن غالبية العرب ستقدم لأمريكا -وبطيب خاطر- كل ما يمكنها تقديمه، كي تظل هذه الولايات المتحدة دولة عظمى محترمة ومقدرة، تعمل ـ كما ينص دستورها ـ على إحقاق الحق، وإعلاء كرامة الإنسان، في كل مكان.