الغرب يُعاين التخبط الإسرائيلي: نتنياهو يكرّر عثراته الإستراتيجية
يبدو العقل الإسرائيلي الذي «أبدع»، على مدى أشهر طويلة، في ابتكار أساليب القتل وارتكاب المجازر الجماعية، عاجزاً، حتى اللحظة، عن وضع مسار، أو حتى هدف منطقي واحد، لحرب الكيان مع «حزب الله». أمّا حلفاء بنيامين نتنياهو، ولا سيما الولايات المتحدة، فقرروا، على ما يبدو، تأدية دور «المتفرج»، ترقّباً لما إذا كانت «إستراتيجية الجنون» الإسرائيلية ستجبر المقاومة في لبنان على التراجع، وهو ما يستبعده، بشكل متزايد، المزيد من المراقبين في الدول الغربية وإسرائيل على حدّ سواء.
وتنقل صحيفة «واشنطن بوست» عن مايكل ميلشتاين، مسؤول الاستخبارات الإسرائيلية السابق، قوله إنّ نتنياهو حالياً يتبنى مبدأ أنّه في حال «استخدم المزيد من القوة، فإنّ العدو سيصبح أكثر مرونة». ويستدرك بأنّ الخطة المشار إليها «لم تنجح في غزة، ومن غير المرجح أن تجعل حزب الله يتراجع أيضاً».
ويذكّر يأن وقف إطلاق النار في غزة سيجعل «حزب الله» يوقف عملياته «على الفور»، إلا أنّ «نتنياهو هو من لا يريد إنهاء الحرب».وينسحب موقف المسؤول الاستخباراتي على «كبار المسؤولين الإسرائيليين» الآخرين، الذين قالوا، في حديث إلى صحيفة «نيويورك تايمز»، إنّ «إسرائيل حققت عدداً من الأهداف القصيرة المدى في سلسلة الضربات الأخيرة على حزب الله الأسبوع الماضي»، معربين، في الوقت عينه، عن قلقهم من عدم وجود إستراتيجية واضحة «لإعادة الهدوء وعشرات الآلاف من النازحين إلى شمال إسرائيل».
وبحسب ثلاثة مسؤولين حاليين وسابقين تحدثوا إلى الصحيفة، فإنّ قرار التصعيد مع لبنان «قوبل بمعارضة شديدة من بعض كبار المسؤولين الإسرائيليين»، الذين حذروا من أنّ مثل ذلك التصعيد المشار إليه قد يؤدي إلى حرب شاملة «وقتال مباشر» مع «حزب الله»، متسائلين عن الآلية التي سيسمح فيها مثل ذلك السيناريو بعودة المستوطنين إلى منازلهم.
الجيش «المنهك»
وفي حين تلوّح بعض المصادر الإسرائيلية بإمكانية شن «غزو بري» على لبنان مستقبلاً، في حال لم تجبر الهجمات الجوية «حزب الله» على التراجع، تتزايد الشكوك حول مدى قدرة جيش الاحتلال، فعلياً، على خوض معركة على جبهتين في الوقت عينه، وسط إقرار المراقبين بأنّ الحرب في غزة «لم تنتهِ بعد»، رغم إعلان العدو نقل «ثقل» المعركة إلى الحدود اللبنانية.
وفي هذا الإطار، نشرت شبكة «سي أن أن» الأميركية تقريراً جاء فيه أنّ المعركة ضد «حماس» أنهكت الجيش الإسرائيلي، الذي لم يتلقّ جنوده «سوى قسط قليل من الراحة»، فيما يتحدث مسؤولون إسرائيليون عن «نقص» في الجيش، وتراجع الاقتصاد الإسرائيلي بشكل دراماتيكي، وتزايد الضغط العام من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتبادل الأسرى.
وتنقل الشبكة عن خبراء قولهم إنّه «في حال دخلت إسرائيل في حرب واسعة النطاق مع حزب الله، فإنها ستواجه تهديداً وخسائر أكبر بكثير من تلك التي تسببت بها (حماس)». ويتبنى يوئيل جوزانسكي، الباحث «في معهد دراسات الأمن القومي» (INSS) في تل أبيب، والذي عمل في «مجلس الأمن القومي الإسرائيلي» تحت قيادة ثلاثة رؤساء وزراء، وجهة النظر تلك، مشيراً إلى أنّ «حزب الله ليس (حماس)»، وهو يتمتع بقدرات عسكرية «أكثر تطوراً بكثير».
وطبقاً لجوزانسكي، فإنّ «تحويل الموارد نحو لبنان، لا يعني أن حرب غزة قد انتهت»، بل إنّ «نتنياهو يشعر بأنه مضطر إلى التعامل مع الجبهة الشمالية، وسط ضغوط محلية متزايدة لتسهيل عودة الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من هناك».
وفي تقرير منفصل للشبكة نفسها، يرِد أنه بعدما «توقفت»، في وقت سابق، المساعي الأميركية في اتجاه التوصل إلى وقف لإطلاق النار، جاءت التطورات الأخيرة بين «حزب الله» وإسرائيل «لتعقّد المهمة» أكثر، وتجعلها «شبه مستحيلة»، ولا سيما مع استمرار القصف.
ويقر مسؤولون أميركيون بأنّهم لا يزالون «في المراحل الأولى من تقييم الوضع المضطرب في لبنان، ويحاولون فهم ما إذا كان لدى إسرائيل هدف نهائي محدد جيداً». وفي ظل غياب إستراتيجية واضحة لدى إسرائيل، «يأمل المسؤولون الأميركيون في أن يجبر هجوم إسرائيل، حزب الله، على الجلوس إلى طاولة المفاوضات»، مع تجنب أي سوء تقدير يؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية. وبحسب هؤلاء، لا يمكن «فصل» الحرب في غزة عن الحرب في لبنان، رغم إصرار إسرائيل على القيام بذلك.
تضامن مع لبنان
من جهة أخرى، تظاهر محتجون في بعض المدن الأميركية، الثلاثاء، تنديداً بالدعم العسكري الأميركي لإسرائيل. وتجمّع العشرات منهم في «هيرالد سكوير»، في مدينة نيويورك، حاملين لافتات كُتبت عليها عبارات من مثل: «ارفعوا أيديكم عن لبنان الآن»، «ولا لحرب أميركية – إسرائيلية على لبنان»، و«ارفعوا أيديكم عن الشرق الأوسط»، وغيرها.
وفي السياق، قال تحالف «أنسر» (وهو اختصار للأحرف الأولى من اسم حركة تدعو إلى التحرك الفوري لوقف الحرب وإنهاء العنصرية)، في بيان، «إن هجمات إسرائيل في لبنان والحصار المستمر والإبادة الجماعية في غزة، أصبحت ممكنة بفضل الكم الهائل من القنابل والصواريخ والطائرات الحربية التي قدمتها الحكومة الأميركية».
وأضافت أنه جرى تنظيم احتجاجات مماثلة، الثلاثاء أيضاً، في مدن أخرى، منها سان فرانسيسكو وسياتل وسان أنطونيو وفينيكس. كما شهدت دول أخرى، من مثل تونس والمغرب، تظاهرات شعبية تضامنية مع لبنان.
صحيفة الأخبار اللبنانية