الـعـنـف فـي الـحـروب الأهـلـيـة: الـقـنّـاص والمـنـتـقـم

 

في الحرب من هو جدير بالقتل. المدنيون هم اختصاص «القناص». لا معنى لنعت المدنيين بالبراءة ولا وجود لأبرياء وفق منطق الحروب الأهلية. الثأر الجمعي هو واجب «المنتقم»، «السبت الأسود» نموذجاً، حيث يتحوّل المنتقم إلى ذئب لا تتشبّه به الذئاب لوحشيته. هنا سيرة القناص ورواية المنتقم.

الجَمع بصيغة المفرد
«السوري»، «الفلسطيني»، «المسلم»، «الدرزي»، «المسيحي»، «الماروني»، الخ. هكذا يجري تفريد الجماعة في لغة الحرب. العدو دوماً مفرد. تختصِر صيغةُ المفرد كل خصائص الجماعة. ويخدم هذا التفريد في تبرير العقاب الجماعي: اي واحد منهم جدير بالقتل. لمّا كان كل واحد منهم يحمل خصائص الجماعة، إذاً فقتل واحد منهم يعني قتلهم جميعاً. لنتذكر هنا المعادلة الحسابية الرهيبة التي أطلقها «حراس الارز»، وصكّها سعيد عقل، ورفعها الى مصاف الواجب «الوطني»: «على كل لبناني أن يقتل فلسطينياً».
للقبائل دوماً «عادلون»، وهم المنتقمون المتطوعون لغسل العار بالدم، او الرد على الثأر بالثأر. وهم الذين يتلقون الضربات الأشد إيلاماً في وقائع الثأر وساحاته. ان القناص في الحرب الاهلية هو مسخ حداثي للمنتقِم القبليّ. لقبه ــ القناص ــ وسلاحه ــ القناصة ــ مستمدان من القنص. القناص صياد يعمل لحسابه الخاص. غير أن القناص في الحروب الاهلية لا يشبه بشيء تقريباً قناص الحروب الكلاسيكية او حركات التحرير الوطنية. أسلافه الاشهر هم قناصو الحرب الاهلية الاسبانية، افراد «الطابور الخامس» الشهير، الموالون للجنرال فرانكو الذين بقوا في مدريد المحاصرة، مكلّفين بإحداث أكبر قدر من الأضرار، وقتل وترويع أكبر عدد من المدنيين، وزرع الرعب في اواسط القوات المعادية وتحطيم معنوياتها. وقد سمّي هؤلاء الأفراد المجموعات بالطابور الخامس لأنّ الطوابير الاربعة الاولى كانت تحاصر مدريد، فيما الخامس يعمل داخل اسوار المدينة.
كثر استخدام مصطلح «الطابور الخامس» في الحروب الاهلية اللبنانية، للاشارة الى قوة غامضة مؤامراتية ومجهولة يعزى إليها تخريب التعايش بين اللبنانيين وعرقلة جهود تحقيق السلام. والافتراض السائد ان قتل اللبناني للآخر أمر مناف لـ«طبيعة اللبناني» فلا بد من محرّض خارجي، بل منفّذ خارجي، حتى أنّ الحرب كلها ليست إلا «حرب الآخرين»، حسب الصيغة الشهيرة للصحافي غسان تويني. في خطابات بيار الجميل، مطلع الحرب عامي 1975ــ 1976، كان الطابور الخامس هو «اليسار الدولي». ثم كثرت الاشارات الى «الاصابع الخارجية» التي تعبث بـ«أوضاعنا الداخلية» وتخدم مؤامرة دوماً خارجية تروم زعزعة الاستقرار وزرع الفتنة بين اللبنانيين.

المدنيون هم اختصاص القنّاص
للقناص دوران اثنان في الحروب الاهلية. دوره الاول الابقاء على توتر أمني من دون ان يؤدي ذلك الى اندلاع الاشتباكات على خطوط التماسّ، او اللجوء الى اعمال القصف بين الاحياء السكنية. يكفي «قطع» طريق من الطرقات بنيران القنص لإثبات انّ الوضع ليس آمناً. خلال تنفيذه هذه المهمة، يكون القناص تحت الرقابة المباشرة لرؤسائه الذين يقررون وتيرة القنص ومدته.
يؤدي القناص الدور الثاني خلال الاشتباكات العسكرية عندما الحرب «تمري في يد حالبها»، وتكون خطوط التماس قد استقرّت. اذذاك يكون القناص رامياً حراً، اكثر حرية من القتلة واشد فتكاً منهم، بمعنى ان اهدافه هم المدنيون في معظم الاحوال. اولئك الذين لا ذنب لهم الا انهم يتجولون في الشوارع والطرقات والازقة الواقعة في الجهة الثانية. اما الخوف من الموت الذي يزرعه القناص فيمنحه سلطة فردية استثنائية على عشرات الألوف من البشر. هنا يكون نشاط القنّاص التطبيق العملي لتفريد الجماعة بمعنيين: الجماعة ــ جماعته ــ تتجسد هنا بفرد يمارس العقاب باسمها. وعكساً، الجماعة المعادية تتفرّد، اي تصير كثرة من الافراد يجدر، إن لم نقل يحلو، قتلهم. ولما كان القنّاص «صياد رؤوس» فغالباً ما يجري تعويضه مالياً حسب عدد الرؤوس التي أطاحها.
المدنيون هم اختصاص القناص. اولئك الذين لا يحاربون. لنتفاهم: لا معنى لنعتهم بالمدنيين الابرياء. ذلك انه لا وجود لأبرياء وفق منطق الحروب الاهلية. كل فرد متّهم بالأمر الوحيد الذي لم يختره: ولادته. كل فردِ يحمل الجماعة في ذاته، والجماعات مذنبة بعضها تجاه بعض. بل ان معظم ضحايا القناص هم المدنيون الذين تدفعهم الضرورة الاقتصادية الى التنقل: عمال، كناسون، موزعو صحف، باعة متجولون، موظفون صغار، صحافيون، الخ.
لا يقتل القناص إلا القناص. يصعد قناص صديق الى أحد السطوح ليناوش القناص المعادي ويشاغله لكي يتمكن أخيراً من ان يصيب منه مقتلاً.
في الانتظار، ابتكر الناس حيلتين رئيسيتين للتحايل على القناص. الحيلة الاولى هي ان يعمد اهل الحي ليلاً الى رفع ستائر على عرض الطريق تحجب النشاط الجاري في الشارع. هكذا يجد القناص نفسه بمثابة الاعمى ويستطيع أهل الحي ان يؤدوا ما يلزم من مهمات حياتهم اليومية دون كبير مخاطر. وجدير بالذكر أنّ اهل ساراييڤو المحاصرة استخدموا الحيلة ذاتها التي استخدمها قبلهم اهالي بيروت الحرب الأهلية للاحتماء من القناصين المعادين. بل زادوا على ذلك نصيحة للعابرين شوارع يسيطر عليها قناصون: إياك ان تكون ثالث العابرين في شارع يقطعه قناص. فالقناص يشاهد العابر الاول. ويصوّب على الثاني. ويصيب الثالث.
اما الحيلة الثانية فهي استخدام عارضات أزياء الواجهات التجارية (المانيكان) لحرف انظار القناص، فما ان يكتشف القناص ان ما يراه من خلال منظاره ليس إلا تمثالاً يتحرك على عجلات، لا بشر، يكون الأهالي قد عبروا الشارع الخطر الذي يسيطر عليه القناص. لكن القناص ينتقم من العارضة بإطلاق النار عليها فيمزقها إرباً إرباً.

في اغتيال الحياة
لا يكتفي القناص بقتل الابرياء، انه يغتال «الحياة» ذاتها. في رواية حنان الشيخ، «حكاية زهرة»، يمكن قراءة انجذاب زهرة الجنسي الى القناص العامل في الجوار قراءة فرويدية على انه رغبة في الموت. مهما يكن، فإن رغبة زهرة تفضح حقيقة القناص. ففي الأمر ما يتعدى الرغبة في الموت عند زهرة الى الموت ذاته. ما تجهله زهرة هو انها إذ تجامع القناص تحكم على نفسها بالموت. فمن المجامعة تولد حياة تحملها زهرة في أحشائها. تحلم زهرة بأن القناص سوف يتزوّجها ذات يوم. اما القناص فما هو في الحقيقة إلا العِنّة والعُقْم. وهي العنة التي تولّد العنف، كما تشير حنة ارندت عن حق. لهذا فإن زهرة إذ تحمل من القناص تحكم عليه بالإعدام، لأنها تحمل في أحشائها نقيضه، الخصوبة والحياة. إن قناصاً خصيباً ليس بالقناص. لن يقع القناص في الفخ. بحذر، بلا رحمة وبسرعة خاطفة، يقنص المرأة التي تحمل الحياة في أحشائها، تلك الحياة التي هي موته.
ثم ان القناص ليس يقتل المدنيين الابرياء ولا هو يقتل الحياة ذاتها وحسب. انه يقتل الموتى ايضاً. رصاصة في قدم الضحية، وها هي ارتمت ارضاً. رصاصة ثانية في الخاصرة مثلا او في الرأس. يجب دوماً اصابة الرأس. الرأس هو الامتحان الارقى للقناص وهو ما يكرّسه قناصاً. واصابة الرأس هي البرهان الأكيد على ان الضحية لم تعد غير جثة هامدة. والرأس هو ما يصوّب عليه منتقمو القبيلة، بين العينين تحديداً. ذلك أن الشرف يستوطن بين العينين، كما يقال. والثأر يوجب قتل الشرف. وبعد أن يتأكد القنّاص من أنّ الضحية قد ماتت، تنهال الرصاصات بتصويب دقيق. عند كل واحدة منها، تترقص الجثة، يتقفز عضو من اعضائها، في هذا الاتجاه او ذلك، في حركة فجائية، وعند كل رصاصة اضافية، تتحرّك الجثة حركاتها المتخلعة. في الحروب اللبنانية جرى تعميد هذه اللعبة «ترقيص الجثة».
مع ان القناص هو منتقم القبيلة، الا ان اهله لا يعترفون به. انه يذكّرهم كثيراً برعب زميله، القناص العدو في الجهة المقابلة من الشارع. يخشى الناس القناص، لكنهم لا يحبّونه. القناص ليس بطلاً. خلال حملات التفتيش والمداهمة، تكون الأولوية للبحث عن القناص، ويمكن التعرّف اليه من الكدمات الزرقاء الكبيرة على كتفه. ذلك أن للبندقية القناصة قوة ارتداد عنيفة تحدث كدمات تظل ظاهرة خلال اسابيع. اما بشاعة ما يرتكبه القناص فيستحق عليه مصيراً على المستوى ذاته من البشاعة عندما يقع بين أيدي أعدائه. يطلق القبض على قناص هذياناً دموياً وطقس تضحية جماعياً. هذا هو المصير الذي لاقاه قناص فندق «هوليدي إن» الذي روّع سكان بيروت الغربية وأرهبهم خلال شهور بأكملها. إذ القي القبض عليه عند سقوط الفندق بيد «القوات المشتركة» لمنظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، طُعِن جماعياً بالسكاكين والخناجر والحراب ثم شنق وفصل رأسه عما تبقى من جثته التي ربطت بخلفية سيارة، وتم جرّها عارية استعراضاً في شوارع بيروت الغربية.
في الحرب الطائفية، يموت القناص وحيداً. إنه قاتلٌ لحسابه الخاص وعلى مسؤوليته، وهكذا يموت.

المنتقِم بين شرعتين
الانتماء المزدوج للفرد الى منظومتي قيم وسلوك هو احد النوابض الاكثر مراوغة والاشدّ زخماً للعنف في الحروب الاهلية اللبنانية. ينجم عن ذلك نظام قيمي هو تنغيلٌ يجمع أعرافاً من العنف القبليّ الى أحكام انتقائية من قوانين المجتمع الحديث. ولهذا السبب بالذات فهو نظام يعيش حالة استعصاء دائمة تطلق عنفاً مخبلاً حد العبث. والحالة الأكثر تعبيراً عن هذه النغولة وذاك الخبل هي حالة جوزيف سعادة، الملّقب «سفاح السبت الأسود».
يمكن الحديث عن حياتين عاشهما جوزيف سعادة. للوهلة الاولى لم يكن شيء يؤهل هذا الرجل للعنف او لارتكاب المجازر. كان نشطاً في الوسط الرياضي، يرأس «جمعية سباق السيارات اللبنانية»، وعلى خصومة عنيدة مع حزب الكتائب المسيطر على قطاع لا بأس به من الحياة الرياضية اللبنانية. ولأنه متمرد «ضد سلطة المال والظلم»، حسب تعبيره، جنحتْ عواطفه السياسية جهة كمال جنبلاط وحزبه التقدمي الاشتراكي. خلال «ثورة» العام 1958، والاسابيع التي تلتها من الاقتتال الاهلي، عمل سعادة مقدِّماً للاخبار في اذاعة الثوار. وعمل خلال الستينيات والسبعينيات موظفا اداريا في جريدة «الاوريان» في مكاتبها في بيروت الغربية. ولما كان جوزيف سعادة ايضاً احد المتحمسين للنضال الفلسطيني، كنتَ ترى على الجدار فوق مكتبه صورة لجورج حبش، زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي كان جوزيف معجباً بإخلاصه وصراحته. عند اندلاع الحرب، انبثقت شخصية اخرى وحياة باطنية اخرى لجوزيف سعادة، موسومتين بميسم الاصل والهوية. فهذا الجوزيف سعادة ذاته هو ابن صاحب مطعم ماروني كسرواني الأصل عمل في خدمة الجيش الفرنسي ولحق بعسكر الانتداب من لبنان الى درعا فالسويداء في سوريا. انتظم ابنه جوزيف في الامن العام الفرنسي في سوريا، ما اضطره الى مغادرة البلاد هرباً من الانتفاضات الوطنية ضد الانتداب. ثم عاد. وعند الاستقلال، سجن جوزيف لشهر واحد في دمشق بتهمة «التعامل مع العدو». فور الافراج عنه، غادر الى بيروت حيث استقرّ ووجد لنفسه عملا ثابتا بما هو حارس الملعب الرياضي الفرنسي، المسمّى «ستاد ده شايلا». سمح له المورد المالي الثابت بأن يطلب يد امرأة لطيفة من أسرة ارثوذكسية ميسورة. سمّيا ابنهما الاول «رولان» على اسم ابن اخ الامبراطور شارلمان الذي قُتِل بسهام العرب، على ما تزعم رواية مشكوك فيها تاريخياً. مهما يكن، عُرِف جوزيف سعادة بتعلّقه الشديد بالعائلة وبنزعة الى الارتقاء الاجتماعي ولو على سبيل الادعاء. فكان فخوراً بابنيه اللذين يشاركانه الحماسة لسباق السيارات ويخالطان ابناء المجتمع المخملي البيروتي الذين يتعاطون تلك الرياضة، من ابناء السفراء وزعماء السياسيين ورجال الاعمال.

«السبت الاسود»: 6 كانون الاول 1975
هذا الجوزيف سعادة الثاني سوف تنقلب حياته رأساً على عقب جراء حادثة وقعت خلال احدى هدنات الحرب. في آب 1975، اختفى ابنه الاصغر ايلي خلال سباق سيارات، ووجدت جثته بعد بضعة ايام على مقربة من قرية مسلمة في منطقة زحلة. صاح الوالد المفجوع: «سوف أرتكب مجزرة… أريد 15 ولداً مقابل ولدي». المجزرة سوف يرتكبها بعد شهور. اما حينها، فما إن شفي من ذبحة قلبية اصابته يوم دفن ابنه، حتى كان جوزيف سعادة امسى عضواً في حزب الكتائب وأخذ يطارد الفلسطينيين والمسلمين مراكما اعداد ضحايا الانتقام من الذين حمّلهم مسؤولية قتل ولده. في رياضة القتل تلك، لعب الادوار كلها: مارس القنص والخطف والقتل، يعاونه ابنه رولان الذي انضم الى الـ«ب.ج»، فرقة النخبة الكتائبية التي تحمل الأحرف الاولى من اسم بيار الجميّل، ويقودها ابنه بشير. غير ان ممارسة جوزيف سعادة الأثيرة كانت ان يستقلّ سيارة أجرة يقودها أحد الفلسطينيين فيخطف السائق ثم يقتله. يوم 5 كانون الاول 1975، اختفى ابنه رولان بدوره في برمانا ومعه ثلاثة من رفقائه من مقاتلي «ب.ج.». وإذ بلغ خبر اختفائهم، بدأ خطفُ المسلمين في بيروت الشرقية. وعندما عثر على جثث الكتائبيين الأربعة في منطقة الفنار، في ضواحي بيروت الشرقية، بدأ «السبت الاسود» يوم 6 كانون الاول، المجزرة الطقوسية الأشد روعاً في الحروب اللبنانية قبل مجزرة صبرا وشاتيلا. هكذا يروي جوزيف سعادة نفسه وقائع ذلك النهار المرعب:
«حمل الي احد افراد الميليشيا قميص ابني رولان مخضباً بالدم. دفنت رأسي في القميص. وذرفت دموعاً وانا اصرخ واطلق العويل.
رفعت القميص بذراعيّ الاثنتين فوق رأسي، وأخذت أتمتم صلوات غير مفهومة، فيما قدماي تؤديان رقصة جنائزية بدائية. صرت الفّ وأدور على نفسي هكذا خلال دقائق عدة ثم توقفت شاخص النظر، متوتر الجسد. امتدت يدي الى اخمص مسدس الـ «كولت» المعلّق في حزامي. وقد بقي في جيوبي ممشطا رصاص اثنين.
توجهتُ الى الرجال الشيعة الذين كنا عفونا عنهم منذ ساعة. وصرعتهم جميعاً.
صرخ رينغو صرخة مروعة عندما أخبرته بمقتل رولان ورفاقه الثلاثة. إغرورقت عيناه بالدموع. فامتشق رشاشه الـ«ماو» ذا الممشط الاسطواني وفتح الباب. وأخذ يطلق النار في كل الاتجاهات فيما انا أفرغ رصاصات مسدسي «الكولت».
نفدتْ ذخيرتي خلال ثوان. فأسرعت باتجاه القيادة العامة للـ «ب.ج.» حيث مخزن الاسلحة. عثرت فيه على بندقية كارابين اميركية ذات العشرين طلقة وثلاثة مماشط. انضممت الى رينغو اتهادى كالمجنون وواصلنا التصفيات. كان الرجال متمددين في بحر من الدماء تنوس حشرجاتهم وتوسلاتهم تدريجياً. غادرت الزقاق وقد خيّم عليه الصمت وتقدمت باتجاه جادة شارل حلو حيث كانت بوابات جهنم مشرّعة على مصاريعها.
هي حمى مجنونة ضربت الحيّ. لم نعد بشراً. حتى الذئاب كانت أرحم منا تأكيداً. كنا نصفّي المسلمين، ومعظمهم عمال في المرفأ، برصاصة في الرأس بطلقة من مسدس او بصلية من رشاش الكلاشنيكوف. كدّسنا الجثث في شاحنة ذات ستارة، فنقلهم مسلحون وقذفوا بهم من فوق احد الجسور. لقد انتصر الأكثر خبلاً بيننا. لكني لم أشعر بأني ارتويت. لم أشعر بأي فرح، ولا اية نشوة. كنت أطلق النار لأنه لم يعد يوجد أبرياء، لأنه لم تعد توجد براءة. كان جميع المسلمين مسؤولين عن مقتل ولدي».

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى