الفراغ الوجوديّ والإدمان والهُويّة والبطولات الفرديّة: حصاد 2020… أفلام لا تُنسى!
عام يُنسى كأنّه لم يكن! هذا هو إحساسنا تجاه 2020، لكن ليس على صعيد الفن السابع. على الرغم من أنّها كانت سنة مظلمة على صناعة الأفلام، إلا أنّنا شاهدنا تحفاً لا يمكن نسيانها. سوف يُكتب الكثير عن 2020 سينمائياً. هذه السنة أعادت تعريف السينما، والعلاقة بين الشاشة الكبيرة والجمهور، لأنّ أكثرية الأفلام شوهدت على منصات الإنترنت. رأينا تراجع أفلام شركات الإنتاج الكبيرة، وعودة الأفلام المستقلة والأجنبية بقوة. ومع أنّنا لم نذهب إلى السينما كثيراً، وحضرنا مهرجانين فقط (برلين والبندقية)، ولكن السينما أتت إلينا، وساعدتنا على التغلب على عام مليء بالتحديات والعزلة والتباعد. في ما يلي من دون ترتيب، أفضل أفلام شاهدناها هذا العام، بعضها كتبنا عنه خلال تغطيتنا وعرضه في المهرجانات، وبعضها الآخر عند عرضه على المنصات الرقمية، وهناك أعمال نذكرها للمرة الأولى.
Never Gonna Snow Again ـــ بولندا
Malgorzata Szumowska, Michal Englert
زينيا، ملاك بهيئة رجل. معالج طبيعي مع هدايا لا يمكن تفسيرها، يأتي من أوكرانيا إلى بولندا ويكسب رزقه بتدليك زبائنه الأثرياء وغير السعداء في مجمع سكني مغلق. في يديه قوة غريبة، صوفية أو سحرية. يريح زبائنه ويلمسهم جسدياً وروحياً، ويغير ببطء حياتهم وحياة المكان. قصة عن كونك أجنبياً والسحر المخفي في الحياة اليومية الذي يبدو أكثر من ضروري في هذا العالم البائس. «لن تتساقط الثلوج مرة أخرى» فيلم ماكر في إعطاء الإشارات وإلقاء القرائن على المشاهد، ويرفض الإدلاء ببيانات قاطعة. شريط يلمس الروح، هو بلسم للفراغ الوجودي والشعور بالوحدة. غامض ومراوغ، يبني توتراً جنسياً دائماً، ويخاطر بنظرته السياسية. مكتوم، ومقيد يجمع الكوميديا الساخرة والدراما في المشهد نفسه، ومبهر في التصميم الفني والأسلوب المرئي.
A Sun ـــ تايوان
Chung Mong-Hong
كل شيء في فيلم «شمس» يأخذ منعطفاً غير متوقع. دراما عائلية نبيلة ومعقّدة وعاطفية تحدث على مدى سنوات عدة. على مدار ساعتين ونصف ساعة، نشعر بجميع الأحاسيس ونشاهد جميع الأنواع السينمائية. يعمل الفيلم كنهج شبه روائي للتجارب القاسية التي يمر بها أفراد أسرة لا يبدو أن الأمور تسير معها بشكل جيد. في هذه الملحمة، هناك جرائم قتل، سجن، حمل مراهقات، زواج، انتحار، وحتى الأحلام والرسوم المتحركة. وهكذا، «يمرجحنا» الفيلم بين العنف الشديد والحنان، وبين النظرة السادية والإنسانية. تتشعّب الأحداث بطريقة شيطانية في مجموعة من الدوافع والنتائج التي تحاصر أفراد الأسرة التي تسعى لفهم المستحيل وكيف أن كل خطوة تبدو ثابتة وفي محلها تصبح انتكاسة. يعطي الفيلم جميع الشخصيات سبباً وجيهاً للتصرف بالطريقة التي تتصرّف بها، لأنّ الواقع غير مقبول، إلى درجة أنّ أي شيء آخر غير توجيه الغضب يصبح سطحياً. متوافر على نتفليكس
Small Axe: Lovers Rock – المملكة المتحدة
Steve McQueen
البريطاني ستيف ماكوين، يشيد بجذوره وعائلته، ويتمسك بالدفاع عنهما بأمانة وعمق وإنسانية. الفيلم الثاني من المسلسل الأنثولوجي Small Axe ، دقيق لكنه نابض بالحياة، محسوب بالخطوة لكنه خفيف. القصة بسيطة: في حفلة راستافارية في منزل خاص في غرب لندن، تلتقي فتاة بصبي وبين الأحاديث والرقص، هناك ألعاب الإغواء. ولكن ما يجعل الفيلم مبهجاً هو كيف يصور ماكوين المجتمع وعاداته وإيماءاته ولغته وأجساده ورقصاته. يسمح البريطاني للوقت بالتسلسل بين الأجسام المتحركة والإيماءات والتفاصيل الصغيرة. يعرف كيف يصوّر روح حفلة، ويحوّلها إلى احتفال بالسينما والموسيقى والبشرة السوداء والشعور بالانتماء. حوّل الإحباط إلى رقص، والحب إلى أغنية، والحقوق المسلوبة إلى إيقاع، وسحب الهوية والسعادة من براثن الاضطهاد.
Sound of Metal – الولايات المتحدة
Darius Marder
الاستسلام في مواجهة المحن هي سمة إنسانية شائعة للغاية. تضرب المحن الخطط والأحلام والروتين والبنية النفسية والعاطفية للفرد. وغالباً ما يجد الأشخاص المحاربون أنفسهم في مأزق في مواجهة المأساة لأن قسوة قلوبهم تعيق عملية قبول الواقع الجديد، في سياق الإذعان للحقائق التي تفرضها الحياة بقسوة. «صوت الحديد» يرافق عازف الدرامز روبن (زيز أحمد) في رحلته إلى قبول واقعه الجديد المحزن. قوة الفيلم ليست في قصته، ولا السيناريو، ولا الحوارات، بل في صوته. خلق المخرج داريوس ماردير ومصمّم الصوت نيكولاس بيكر تجربة سينمائية حسية تعتمد على الصوت وتعابير العيون والإيماءات ولغة الجسد. نعيش مع روبن ومع أصواته، بدءاً من الانفجار الصاخب لموسيقى الميتل إلى صوت الذبذبات التي ترافق تدهور روبن السمعي والنفسي. يتغير الواقع في الفيلم مع تغير الأصوات التي نسمعها ويسمعها روبن. يستخدم الصوت في الفيلم بالتوازي مع حالته العقلية. مزيج الأصوات بين داخل عقل روبن والخارج يسمح لنا بفهم تراكم الأحاسيس التي تؤثر في كلّ أفعاله. يرهق الشريط آذاننا، ولا يريحها لغاية نهاية الفيلم وسط صراخ الصمت.
Vitalina Varela – البرتغال
Pedro Costa
تصل ڤيتالينا ڤاريلا إلى لشبونة بعد ثلاثة أيام من جنازة زوجها واكين. المزارعة من جمهورية الرأس الأخضر كانت تنتظر تذكرة الطائرة لأكثر من 25 عاماً لمقابلته. في الحي، لا يعرفها أحد، ولا أحد يريحها، والجيران لا يثقون بها. تقضي أيامها ولياليها كالكابوس محبوسةً في منزل زوجها، وتكتشف حياته السرية ورماد علاقتهما وفقر الحلم الذي لم يبق منه سوى أساسات مهترئة. يحول البرتغالي بيدرو كوستا السينما إلى أداة لإعادة أمل ڤيتالينا ڤاريلا، ويترك القصة تُروى من خلال الصمت الذي يعبر عن جميع المشاعر، والحوارات المفاجئة مع النفس بسبب القوة الكبيرة والقسوة التي تنبع منها. كوستا هو علامة على مرور السينما البرتغالية من الواقعية إلى الجمالية المتاخمة للخيال. أفلامه عشوائية، مبنية بطريقة متقنة وبدون تسرّع. في «ڤيتالينا ڤاريلا» يتعمق في حياة شخصيته أثناء نومها ويجرد القصة من الحلي ويحول الظلام إلى شخصية رئيسية.
Apples – اليونان
Christos Nikou
المخرج اليوناني كريستوس نيكو (مساعد المخرج يورغوس لانثيموس) في أول فيلم طويل له، ينضم إلى ما يسمى «الموجة اليونانية الغريبة». «تفاح» فيلم دافئ، يفترض فيه نيكو أن الهوية هي شيء متجذر في مجتمعنا، وبدونها نحن غير مرئيين، ويسأل: ما هي الذاكرة من دون الاستجابة العاطفية التي تستحضرها؟ في الفيلم، نحن في منتصف جائحة، ولكن ليس فيروس كورونا بل جائحة تضرب الذاكرة.
في الفيلم، ما يجمع البشر هو النسيان أكثر من تبادل الخبرات والذكريات والأخبار. بطريقة تشبه الكوميديا وساخرة في أكثر الأوقات، يخبئ لنا نيكو أشياء تغير رؤيتنا لكلّ شيء. «تفاح» كوميديا تراجيدية حزينة مع لمسة مرعبة وصلابة. في النهاية، يتضح أن أكثر الفيروسات فتكاً التي يمكن أن نواجهها هو أنفسنا، وما هو كامن في ذاكرتنا.
Another Round – الدانمارك
Thomas Vinterberg
في صحة أزمة منتصف العمر، في صحة إنعاش الطفل الذي عاش فينا ذات يوم والذي دُفن تحت طبقات من الروتين والتمثيل كبالغين… «جولة أخرى» فيلم عن أربعة أصدقاء والبطل الرئيسي هو الكحول. في مراحل الفيلم الأولى، نسأل أنفسنا: ماذا يريد منا المخرج توماس ڤينتربيرغ؟ مع الوقت، يسكرنا ونحن نشاهد، ويترك كل شيء يدور حتى آخر الفيلم مع الرقصة الأخيرة. الاحتفال النقي بالحياة وبزجاجة الشامبانيا في اليد. للأصدقاء الأربعة، الكحول هو العنصر الذي يسمح لهم بمواجهة مواقف الحياة والتعامل معها بطريقة أكثر استرخاءً. يظهر ڤينتربيرغ في «جولة أخرى» رجالاً يسلّمون أنفسهم فكرياً للإدمان ويعانون من عواقبه. صفقة إنسانية للمراهنة على لعبة خطيرة للغاية.
Collective – رومانيا
Alexander Nanau
ـيقوم «جماعي» بكل شيء مطلوب من الفيلم الوثائقي: فهو يعلمنا، يضغط علينا، يسلّينا، يجعلنا نكتشف الجوانب الخفية لحدث حقيقي ونفكر في أسبابه وعواقبه. وقبل أي شيء، يبقينا ملتصقين على الكرسي، ونذهب في رحلة مع صحافيين ونكتشف طريقة عمل الصحافة الاستقصائية. في «جماعي»، يبدو تقدم الأحداث مقنعاً، والوتيرة سريعة، والانخراط العاطفي يصبح تدريجاً أقوى لأنّ القصة مألوفة حدثت وتحدث في أي بلد يحكمه أشخاص غير مسؤولين، يتأثر بالفساد والمحسوبية والتسييس وتضارب المصالح. يروي الشريط قصة الأبطال الصحافيين الاستقصائيين الذين اكتشفوا فساد النظام الصحي في رومانيا. بدون ميلودراما أو زخارف، وبأسلوب مباشر مثير للصدمة، نرى البؤس والجشع الإنساني في أبغض أشكاله. قصة عابرة للحدود لأن الفساد والجشع لا يعرفان حدوداً. فيلم وثائقي عاطفي، يوقظ العجز ويفتح العين ويلتقط بالتفصيل مدى مرض الإنسانية، ولكنه يحتفل أيضاً بالنزاهة الصحافية وبالأبطال الذين حفروا عميقاً للعثور على الحقيقة.
Bait – المملكة المتحدة
Mark Jenkin
هناك شيء فريد في «طُعم» الفيلم الأول للمخرج البريطاني مارك جينكن. في بلدة ساحلية، يتواجه أشخاص، بعضهم مصمّم على تقاليد صيد الأجداد، وبعضهم الآخر مصمم على تحقيق ربح اقتصادي من السياحة. «طُعم» فيلم يكاد يكون مستحيلاً، انتحاراً تقنياً، مصوّراً بكاميرا «بولكس». لقد احتاج مارك جينكن في مغامرته الأحادية اللون إلى مئة وثلاثين لفة من شرائط أفلام كوداك التي صُنعت عام 1976. قدم جينكن سينما نقية، شبه خارقة للطبيعة من قرن آخر. لا يخفي الفيلم أنّه مشروع يتم تنفيذه مع طلاب مدرسة أفلام، ولكن هذه هي السينما التي تتجذّر وتبتعد عن التقاليد السينمائية، ولا تتخلى عن البحث عن أفكار وأشكال جديدة. يتّسم الفيلم بلحظات مذهلة من حيث المونتاج السردي الذي يعبر الزمن ويطوّر المشاهد والأحداث ويعمل على التفاصيل المرئية والصوتية ببراعة واضحة. وقد تمت إضافة كل الأصوات في مرحلة ما بعد الإنتاج، ما يتسبب في تفكك مثير للاهتمام بين ما هو حقيقي وما هو خيالي، نوع من الفصل بين ما نراه وما نسمعه. في النهاية، «طعم» عمل فريد، غير كامل بقدر ما هو موحٍ.
المزيد والمزيد
لا تكتمل السنة السينمائية بدون ذكر الأفلام التالية
Never Rarely Sometimes Always
Eliza Hittman – (USA)
Minari
Lee Isaac Chung – (USA)
I’m Thinking of Ending Things
Charlie Kaufman (USA) – Netflix
First Cow
Kelly Reichardt (USA)
NomadLand
Chloe zhao (USA)
Da 5 Bloods
Spike Lee (USA) – Netflix
Mank
David Fincher (USA) – Netflix
Notturno
Gianfranco Rosi (Documentary – Italy)
Berlin Alexanderplatz
Burhan Qurbani (Germany)
Fire Ball: Visitors from Darker Worlds
Werner Herzog, Clive Oppenheimer (Documentary – USA) – Apple TV
Dick Johnson Is Dead
Kristen Johnson (Documentary – USA) – Netflix
Time
Garrett Bradley (Documentary – USA)
Let Them All Talk
Steve Soderbergh (USA)
I’m No Longer Here
Fernando Frias (Mexico) – Netflix
The Trial of the Chicago 7
Aaron Sorkin (USA) – Netflix
Pieces of a Woman
Kornel Mundruczo (Hungary) – Netflix
Ma Rainey’s Black Bottom
George C. Wolfe (USA) – Netflix
Days
Ming-Liang Tsai – (Taiwan)
Malmkrog
Cristi Puiu (Romania)
DAU. Degeneration‚ DAU Natasha
Ilya Khrzhanovsky (Russia)
The Disciple
Chaitanya Tamhane (India)
The Human Voice
Pedro Almodovar (Spain)
صحيفة الأخبار اللبنانية