الفرح القاتل
في الحرب العالمية الأولى، منتصف الليل خرج الجنود الألمان من خنادقهم، وخرج الجنود الفرنسيون والانكليز من خنادقهم، ويختلطون ببعضهم، رافعين زجاجاتهم ، ويبدأون بقرع الكؤوس… متمنين ان تتوقف الحرب ويعم السلام في العام الجديد…
وفي اليوم التالي تقرع المدافع بعضها ، ويقتل جنود اليوم جنود الأمس.
يقول الكاتب الفرنسي بول فاليري:
“الحرب مجزرة تدور بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض ، لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض… ولا يقتلون بعضهم البعض”.
وبمناسبة عيد الميلاد، والذي لا علاقة للخليج به، جهزت دبي 400 ألف لعبة نارية ومفرقعات، بينما كان الألمان منهمكون بتجهيز 400 ألف بطانية، و400 ألف دفّاية للسوريين والعراقيين المهجرين والمشردين.
يقال أن الفراعنة هم أول من بدأ طقوس في نهاية العام، فيها تقدم قرابين ورقص وغناء، وأول من حدد موعد الاحتفال بأول شهر يناير/ كانون الثاني هو “بومبيلنوس” الحاكم الروماني 650 ق.م.
بعض الشعوب تحتفل في هذا اليوم، برمي الأثاث القديم، في حمى الحماس، من النوافذ، دون الانتباه إلى احتمالات إيذاء الضحايا العابرين.
البرازيليون يلقون الورود في المحيط… لكي يهدأ البحر.
أما الذي اخترع إطلاق الرصاص احتفالاً بهذا اليوم فهم الأمريكيون، وأول مرة حدث ذلك في مدينة نيويورك 1904.
وها نحن…نقلد النموذج الأسوأ.
انا أستغرب فاستغرب هدر الرصاص بهذه الغزارة والكمية والنوعية وهو استغراب من له أرض محتلة (الآن صار عندنا أكثر من احتلال) فالرصاص في يوم رأس السنة كاف لتحرير الجولان.
والرصاص هذا يكلف خزينة الدولة ما يكفي لشراء معمل كهرباء.
وما من سنة مرت دون ضحايا من الرصاص الساقط، ولا أحد يتوب، ولا أحد يستمع إلى تحذيرات وزارة الداخلية.
السيد “سيمبا” ، وهو كلبنا المدلل، لا يكف عن النباح من أول رصاصة إلى آخر مخزن. وقد شرحت له، بمختلف الوسائل… أن المكبوتين يعبرون عن ضعفهم بإطلاق الرصاص على الهواء… وهو تفسير لوجود الاحتقان والعدوانية، وإرضاء النقصان.
في السنة التي سيكف فيها السوريون عن إطلاق الرصاص ..سأبدأ بتدشين الأمل في إمكانية الحوار ب “اللغة” بين السوريين على الطاولات، بدلاً من الاستفزازات ب “الرصاص”على السماء !
متى تأتي هذه السنة الموعودة ؟