الفصائل السورية تمتحن وفد المعارضة الى جنيف
لم يكد وفد الرياض يطأ أرض جنيف حتى تعرض لبعض الهزات، التي تؤكد أن تركيبة الوفد السوري المعارض والصلاحيات الممنوحة له لممارسة مهام التفاوض غير ثابتة، ويمكن لأي طرف مشارك فيها أن يتراجع عنها بأي لحظة، وهو ما يعكس تضاؤل آمال بعض أعضاء «مؤتمر الرياض» تجاه العملية السياسية، ونزوعهم نحو الحل العسكري، خاصةً في ظل عملية إعادة الهيكلة التي تشهدها الفصائل المسلحة في الشمال السوري على وجه الخصوص.
وأصبح «لواء صقور الجبل» أول فصيل مسلّح يعترض على تراجع «وفد الرياض» عن قرار عدم المشاركة في مؤتمر جنيف، وهو الموقف الذي لاقى ترحيباً واسعاً، الأسبوع الماضي، من قبل غالبية الفصائل المسلحة بحكم تقاربه مع توجهاتها العسكرية المحضة.
وتعبيراً عن استيائه من تصرف الوفد، الذي جاء استجابة لضغوط مارستها عليه جهات إقليمية ودولية عدة، قرر «صقور الجبل الانسحاب من الهيئة العليا لمؤتمر الرياض المفاوض في مؤتمر جنيف 3». وأكد في بيان صدر عنه، الجمعة الماضي، أنه «غير معني بالمفاوضات الجارية ما لم يلتزم النظام السوري بتطبيق بنود حسن النيات».
ويعتبر «صقور الجبل»، وغالبيته من التركمان، من الفصائل الفاعلة والمنتشرة على معظم جبهات الشمال السوري، سواء في حلب أو ريف اللاذقية أو ريف حماه، ويمثله في «هيئة التفاوض العليا» قائده النقيب المنشق حسن حاج العلي.
وكانت «حركة أحرار الشام الإسلامية» قد انسحبت من «مؤتمر الرياض» قبل انتهائه، الشهر الماضي، وقالت إنها لم توقع على بيانه الختامي، كما امتنعت بعد ذلك عن المشاركة في نشاطات «هيئة التفاوض» رغم ورود اسم مسؤول علاقاتها الخارجية لبيب نحاس ضمن تركيبة الهيئة. وعند تشكيل «وفد المعارضة» لم يكن للحركة أي تمثيل فيه، وهو ما يؤكد عزوفها التام عن المشاركة في العملية السياسية، ليلحق بها «لواء صقور الجبل»، وهما من الفصائل المدعومة تركياً.
وأمس الأول، أصدر 35 فصيلاً، من بينها جميع الفصائل المشاركة في «مؤتمر الرياض»، باستثناء «صقور الجبل» و «أحرار الشام»، بياناً لافتاً، حاولت خلاله توضيح طبيعة علاقتها مع «وفد الرياض» ومدى الصلاحيات الممنوحة له في عملية التفاوض، مع إبرازها مجموعةً من التأكيدات التي توحي أن الثقة بين الطرفين ليست بأحسن أحوالها.
وما يثير الاستغراب أن البيان تحدث عن أن «الهيئة العليا للمفاوضات ذهبت إلى جنيف للمباحثات مع الأمم المتحدة من أجل تنفيذ القرار 2254، وخصوصاً ما يتعلق بالحقوق الإنسانية»، فهل المباحثات مع الأمم المتحدة؟ وماذا عن وفد الحكومة السورية؟ أم هكذا برر الوفد للفصائل تراجعه عن عدم المشاركة، موهماً إياها أنه ذاهب للتباحث مع الأمم المتحدة لا مع النظام؟
وحول شرعية المفاوضين وتمثيلهم للفصائل، أكد البيان أن «شرعية الهيئة العليا للتفاوض منبثقة من شرعية مطالب الشعب السوري ما دامت الهيئة، دون النظر إلى أشخاصها، ملتزمة بها»، وهذا يعني أن بإمكان الفصائل الموقعة على البيان أن ترفض أي نتائج تتمخض عنها محادثات جنيف بذريعة عدم تلبيتها لما أسمته «مطالب الشعب السوري».
وتأكيداً لذلك، اعتبر البيان أن «وقوفنا (الفصائل) خلف الهيئة، ودعمنا لخطواتها، لا يعنيان بأي حال تفويضاً لها للتفاوض على ثوابت الثورة والتنازل عن أي هدف من أهدافها»، علماً أن الثوابت المقصودة، وهي الثوابت الخمسة الواردة في بيان سابق صدر عن هذه الفصائل إبان التحضير لعقد مؤتمر الرياض، تتناقض مع مخرجات اجتماعات فيينا ومع قرار مجلس الأمن الدولي 2254، لذلك من الطبيعي ألا يكون هناك توافق بين أي نتائج محتملة لمحادثات جنيف وبين هذه «الثوابت»، أي أن الفصائل سيكون بإمكانها التنكر لهذه النتائج وعدم الالتزام بها.
وبالرغم من أن البيان السابق يمكن فهمه في سياق توزيع أدوار بين الفصائل من جهة وبين الوفد المفاوض من جهة ثانية لإدارة ملف المحادثات، وإظهار أن الوفد يتعرض لضغوطات داخلية لا يمكنه القفز فوقها، إلا أن الأرجح أن هناك أزمة ثقة حقيقية بين الوفد والفصائل، بما فيها تلك المشاركة في تأليفه، وسبب هذه الأزمة أن الفصائل ذات الارتباطات الإقليمية المختلفة تخشى ألا تعكس نتائج مؤتمر «جنيف 3» مصالح الدول المرتبطة بها، وأن يميل الميزان في النهاية لمصلحة محور على حساب محور آخر.
والمسافة التي أخذتها الفصائل من وفد الرياض لناحية تحديد الشرعية وتقليص الصلاحيات، تعد أحد الأوجه التي تعكس ضعف الآمال التي تعلقها هذه الفصائل على العملية السياسية، أو ربما خشيتها من مآلاتها، لذلك واكبت الفصائل انطلاق محادثات جنيف، وإن متعثراً، بإطلاق عملية واسعة من إعادة هيكلة نفسها، وتغيير اصطفافاتها بما يتلاءم مع المرحلة المقبلة.
وقد تكون المبادرات المطروحة للتوحيد بين «أحرار الشام» و و «جبهة النصرة»، والتي تضاءلت فرص نجاحها بعد حرب التسريبات التي تعرضت لها، من أهم خطوات إعادة الهيكلة التي يمكن أن تشهدها الساحة السورية، وأكثرها تأثيراً على مجريات الأحداث، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي. وهناك خطوات أخرى في سبيل إعادة الهيكلة، بعضها وجد طريقه إلى التنفيذ، وبعضها لا يزال ينتظر إزالة بعض العقبات. ومن هذه الخطوات تشكيل «لواء الشمال» من بعض الكتائب الصغيرة وانضمامه إلى «فيلق الشام»، وكذلك الاندماج بين «الجبهة الشامية» و «لواء ثوار الشام». وثمة أنباء شبه مؤكدة أن «جيش السنّة»، أحد مكونات «جيش الفتح»، يعتزم مبايعة «لواء الإيمان» التابع إلى «حركة أحرار الشام».
وفي وقت سابق، أُعلن عن تشكيل «الفرقة الشمالية» من اتحاد «الفرقة 101» و «لواء فرسان الحق»، وكذلك تشكيل «فرقة السلطان مراد» من اتحاد «لواء السلطان مراد» و «لواء السلطان محمد الفاتح» و «لواء زكي التركماني» و «لواء أشبال العقيدة». كما كان «لواء الفتح»، وهو من أبرز فصائل حلب، قد أعلن الانضمام إلى «أحرار الشام».
صحيفة السفير اللبنانية