الفكر السني السياسي والفكر الشيعي السياسي في بلاد الشام: الصدام والمواجهة
ماهر عصام المملوك
شهدت منطقة بلاد الشام والشرق الأوسط لا سيما سوريا ولبنان، تحديات سياسية واجتماعية كبيرة على مدى العقود الماضية، حيث تصاعدت الصراعات الطائفية والسياسية في ظل محاولات الأطراف المختلفة تعزيز نفوذها الإقليمي. كان أحد أبرز محاور هذا الصراع هو المواجهة بين التيار الإسلامي السني السياسي والتيار الشيعي السياسي الذي دعمته إيران بقوة من خلال مشروعها المعروف بـ”تصدير الثورة”.
يتمحور هذا المقال حول كيفية مواجهة التيار الإسلامي السني السياسي لهجمة التشييع السياسي في منطقة بلاد الشام، مع التركيز على سوريا ولبنان كمسرحين رئيسيين لهذا الصراع. كما نستعرض المحاولات المستمرة التي يقوم بها هذا التيار لتحقيق نصر سياسي ولو بالحد الأدنى، بالرغم من الضربات التي تعرض لها المشروع الإيراني في السنوات الأخيرة.
فبلاد الشام تمثل منطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة، حيث تشكل صلة الوصل بين الشرق الأوسط وأوروبا. تاريخياً، كانت المنطقة ساحة للتنافس بين الإمبراطوريات الكبرى، ومع دخول الاستعمار الأوروبي، تم تقسيم المنطقة ورسم حدودها الجغرافية والسياسية.
فالصراع بين التيارات السنية والشيعية ليس بجديد، لكنه تصاعد في العقود الأخيرة نتيجة عوامل متعددة، أبرزها الثورة الإيرانية عام 1979، التي رفعت شعار “تصدير الثورة” وأطلقت مشاريع سياسية تعتمد على الطائفية كوسيلة لتعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة.
لقد كانت كل من سوريا ولبنان دائماً ضمن دائرة النفوذ الإيراني بعد وصول الخميني إلى الحكم وسيطرته على بلاد فارس ، حيث دعمت إيران نظام الأسد في سوريا وميليشيا حزب الله في لبنان كأذرع سياسية وعسكرية لتحقيق مصالحها الإقليمية. في المقابل، ظهر تيار إسلامي سني سياسي يحاول التصدي لهذا النفوذ.
فاعتمدت إيران على دعم الأنظمة والميليشيات الموالية لها، مثل نظام بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان، واستخدمت هؤلاء كأدوات لتحقيق مشروعها الإقليمي.
كما لم تقتصر جهود إيران على الجانب العسكري والسياسي فقط، بل سعت للتغلغل في النسيج الاجتماعي والثقافي لبلاد الشام، من خلال تقديم الدعم الاقتصادي والطائفي للفئات الشيعية أو المحرومة، مع التركيز على تغيير الهوية الدينية والاجتماعية في بعض المناطق.
وكان التدخل الإيراني المباشر في سوريا منذ عام 2011 نقطة تحول كبيرة، حيث دعمت طهران نظام الأسد ضد الثورة الشعبية السورية، مما أدى إلى تعميق الانقسام الطائفي في البلاد.
في نفس التوقيت وفي هذه الفترة الحساسة في تاريخ بلاد الشام مثلت الثورة السورية نقطة محورية للتيار الإسلامي السني السياسي، حيث اعتُبرت فرصة لإسقاط نظام الأسد المدعوم إيرانياً. ومع أن الثورة واجهت تعقيدات داخلية وتدخلات خارجية، إلا أنها أظهرت صموداً كبيراً في مواجهة آلة القمع المدعومة إيرانياً.
أما في لبنان، فبرزت قوى إسلامية سنية تحاول التصدي لنفوذ حزب الله وسيطرته على القرار السياسي. ومع أن هذه القوى تعرضت لضغوط كبيرة، إلا أنها تمكنت من تحقيق بعض المكاسب، مثل كسر احتكار الحزب للسيطرة الكاملة على المشهد اللبناني.
بالمقابل حاول التيار الإسلامي السني السياسي في بلاد الشام تعزيز علاقاته مع الدول الإقليمية مثل تركيا ودول الخليج، التي دعمت هذا التيار سياسياً واقتصادياً وعسكرياً في بعض الأحيان.
وبالرغم من الدعم الكبير الذي قدمته إيران للنظام السوري، إلا أن الحرب استنزفتها بشكل كبير وكذلك الضربات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت ميليشياتها ومراكز تواجدها ومعسكراتها وقواعدها المنتشرة على كامل الأراضي السورية ،مما أعطى الفرصة والوقت لتجمع قوى فصائل المعارضة الإسلامية السورية المتواجدة في الشمال الغربي في سوريا واستجمعت قواها واستعدت للعودة الفاصلة ، هذا بالإضافة إلى صمود بعض قوى المعارضة بشكل عام في الخارج والداخل حيث كانت عوامل صادقة وجبارة ومدروسة أدت إلى ضعف قبضة إيران في بلاد الشام .
أما في لبنان، فعانى حزب الله من تحديات داخلية وخارجية، منها الأزمة الاقتصادية التي أثرت على نفوذه الشعبي، والاحتجاجات الشعبية التي اتهمت الحزب بالفساد والتبعية لإيران.
كما شهدت السنوات الأخيرة تغييرات كبيرة في المواقف الدولية، حيث أصبحت هناك مقاومة أكبر لمشاريع إيران الإقليمية، مما أدى إلى تراجع نفوذها في سوريا ولبنان.
اما بخصوص استراتيجيات التيار الإسلامي السني لتحقيق النصر السياسي فكان :
- التعاون مع القوى الدولية:
أصبح التعاون مع القوى الدولية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضرورة للتيار الإسلامي السني لتحقيق مكاسب سياسية على الأرض.
- تعزيز الوعي المجتمعي:
حيث سعى التيار السني إلى تعزيز الوعي لدى المجتمعات السنية بخطورة التشييع السياسي، من خلال نشر الفكر الإسلامي الوسطي والتأكيد على الوحدة الوطنية والطائفية.
- بناء مؤسسات سياسية واجتماعية قوية
والتي يتطلب فيه النجاح السياسي لبناء مؤسسات قادرة على مواجهة التحديات، سواء كانت داخلية أو خارجية، من خلال تقديم بدائل تنموية واجتماعية للمجتمعات المتضررة.
- التكيف مع التغيرات الإقليمية
والتي أدرك فيها التيار الإسلامي السني على مدى عدة عقود خلت بأن التغيرات السياسية في المنطقة تتطلب مرونة كبيرة، ولذلك عمل على تعديل استراتيجياته وفقاً للمعطيات الجديدة.
وفي ملخص القول وخاتمة المقال فتظل المواجهة بين التيار الإسلامي السني السياسي وهجمة التشييع السياسي في بلاد الشام مستمرة، مع وجود تحديات كبيرة أمام كلا الطرفين.
وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، فإن قدرة التيار السني على تحقيق نصر سياسي ولو بالحد الأدنى تعتمد على وحدة صفوفه، وتقديم مشروع سياسي واجتماعي جذاب، والاستفادة من نقاط ضعف المشروع الإيراني.
وتمثل سوريا ولبنان ساحتي اختبار حقيقيتين لقدرة هذا التيار على التصدي للتحديات المفروضة عليه، مع الأمل بأن يتمكن من تعزيز الاستقرار والتنمية في المنطقة بعيداً عن الصراعات الطائفية التي أنهكت شعوبها وأوصلتها إلى الحضيض لعقود طويلة .
بوابة الشرق الأوسط الجديدة