القاعدة في الثورة السورية.. خطر مؤجل ولكن محتمل.
يرسم التحليل الذي قدمه الباحث هاني نسيرة صورة معمّقة عن أسئلة عديدة تثار حول الوجود الإسلامي الجهادي، وتحديداً تنظيم القاعدة في الثورة السورية، خاصة مع غياب وتأخر التدخل الخارجي لإنقاذ الشعب والثورة السورية، وازدياد التعاطف الدولي والإسلامي مع ازدياد القمع الأسدي لشعبه.
وهو ما مثّل فرصة للقاعدة وبعض التنظيمات الأصولية المأزومة في بعض المناطق للهجرة والدعوة للجهاد في سوريا، التي قد تمثل ملاذاً أماناً لهم كما مثلت – وتمثل العراق بدرجة ما – وكما مثلت الصومال وأفغانستان في بعض المراحل.
ولكن من المهم ملاحظة أن علاقة القاعدة بسوريا ليست جديدة، فقد كانت جسر العبور نحو العراق في السابق، وهي الآن تبقى ليشرب الأسد كأس المرارة الذي أذاقه جيرانه في السابق، كما يقول البعض! وهو ما نود أن نلقي الضوء عليه قبل عرضنا لتنظيمات السلفية الجهادية الموجودة الآن في المشهد الثوري السوري وأهم ملامحها.
القاعدة وبشار من ورقة للعب لآلة للصدام
تبدو علاقة سوريا بتنظيم القاعدة علاقة ملتبسة وقديمة، فقد سمحت حكومة دمشق باستجلاب المجاهدين للعراق عبر أراضيها، حتى هتفت مدن العراق ضد جارتها السورية مرات عديدة، بعد العديد من العمليات الانتحارية للقاعدة ضدها وضد مقدساتها، قيادات القاعدة في العراق المحطة السورية في مسارها، وكان سهلا ومتاحا بل تشجعه حكومة الأسد مرور عناصر القاعدة عبر أراضيها إلى العراق منذ عام 2003 لمقاومة الاحتلال الأمريكى هناك. وفى هذا السياق يبرز اسم «جند الشام» التنظيم الذى ظهر بقوة فى لبنان بعد اشتباكات مخيم عين الحلوة فى 24 أكتوبر 2005، وتعود تسمية جند الشام إلى المجموعة الأولى التى تزعمها الزرقاوى فى أفغانستان عام 1999، حيث أطلق الاسم على مخيم للتدريب كان يضم متطوعين من بلاد الشام، أى لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، وتولى شأنه التنظيمى عماد ياسين، وقام المدعو أبويوسف شرقية بإعلان تشكيل جند الشام، وتولى «إمارته» فى مايو 2000 بالإضافة الى الداعية في حلب ورجل الأمن السورى أبوالقعقاع( محمود أغاسي) الذى كان أبرز الداعين للدخول للعراق، والذي تم اغتياله فيما بعد في 28 سبتمبر سنة 2007 على يد عناصر عراقية .
ويقد البعض عدد عناصر القاعدة والمقاتلين الأجانب ب 6000 عنصر من خارج سوريا تدفقوا للجهاد ضد نظامها بعد الثورة من العراق ولبنان وجنسيات عربية متعددة، بعد أن اصبحت الشام أرض جهاد وليست أرض نصرة حسب تعبير تلك التنظيمات، بل لا نستغرب وجود عناصر كانت من قبل مرحبا بها في سوريا من قبل نظامها لمواجهته مثل فتح الإسلام وسرايا زياد الجراح التابعة لكتائب القاعدة في بلاد الشام التي أسسها محمد خليل الحكايمة ثم خلفه في قيادتها القرعاوي!
القاعدة في المشهد الثوري
يعد تشكل جبهة النصرة أواخر العام 2011 وكذلك صدور العديد من البيانات من قيادات تنظيم القاعدة في العراق تدعو للجهاد في سوريا، منها البيان الصادر عن القيادة العسكرية لجماعة راية الحق والجهاد في العراق» والمنشور على موقع «شبكة الجهاد العالمي» والداعي إلى «فتح باب التطوع للجهاد في سورية». وعلى موقع «منتديات شبكة حنين»، وقد دعى زعيم تنظيم القاعدة لإعلان الجهاد ضد نظام بشار الأسد ولدعم الشعب السوري فى الثالث عشر من فبراير 2012، وهو ما استجابت له عناصر القاعدة الكامنة في سوريا في السابق والقادمة إليها بعد تفجر الأحداث، وهو ما دعى له كذلك «أمير المؤمنين» في دولة العراق الإسلامية أبو بكر الحسيني القرشي البغدادي «للمجاهدين في بلاد الشام» ليحثهم على المضي في «ثورتهم»، «امضوا بارك الله فيكم، وإياكم أن ترضوا بحكم أو دستور غير حكم الله وشريعته الم طهرة» وهذا التقارب المكاني مع تنظيم القاعدة في العراق وسرايا وكتائب القرعاوي في بلاد الشام، ووجود تنظيمات سلفية جهادية عديدة- مثل تنظيم فتح الإسلام- في هذه المنطقة المحيطة يرفع من درجة هذا الاحتمال وخطورته، بل برر طارق الفضلي القيادي في تنظيم القاعدة في اليمن انسحاب تنظيمه من إبين وزنجبار بتوجهه للجهاد في سوريا! .
ولعل دليلا آخر على هذه الاحتمالية هو عدم انضواء العديد من هذه الكتائب وفي مقدمتها جبهة النصرة تحت لواء الجيش الحر والمجالس العسكرية الثورية الأخرى، رغم قرب مقاراتها منه، المسؤولون في هذا الجيش وفي تلك الوحدات إن ثمة تنسيقاً بينهما، لكن قيادة الجيش الحر، وهو الفصيل الأكبر والأقل انسجاماً، تقول إنها لا تملك نفوذاً على هذه الجماعات.
ولعل من الصواب عدم الاعتبار للتسميات الدينية المنتشرة في المشهد الثوري السوري كثيرا، من قبيل أنصار الله وجند الرسول والمعتصم بالله، وغيرها والحسم قطعا بأنها تنظيمات تنتمي لتنظيم القاعدة وفروعها لمجر تسمياتها الدينية، وأنها تتخذ من سوريا وثورتها ما سبق أن اتخذته ملاذا آمنا العراق والصومال وغيرها، نظرا للجو الديني المشحون في هذا الجو حيث تغلب الشعارات والتوجهات الدينية في مثل هذا النوع من الثورات والحروب!
بل يلاحظ توجه العناصر الأجنبية فيما يشبه عولمة جديدة للجهاد في سوريا لكتائب بعينها دون البعض الآخر، مثل جبهة النصرة وكتائب أحرار الشام تحديدا في ريف حماة، لكن نسبتهم- حسب المراقبين- لا تتعدى في الأولى الـ20 في المئة، وفي الثانية الـ5 في المئة»، ويرفض مسئولو هذه التنظيمات الحديث عن تشكيلات وحداتهم، مثل جبهة النصرة وكتائب الفاروق وكتائب أحرار الشام، رغم الميل الواضح لدى بعضها للتصدر في وجاهة المشهد الثوري الحالي!
ولكن لعل الزخم الإسلامي في هذا المشهد الثوري يعود لثلاثة أمور رئيسة:
-أولها: شتات القوى الثورية المسلحة، وعدم قيادة واحدة نافذة لها حتى الآن بعد الاختلاف بين قيادة الجيش الوطني السوري الحر وقيادة الجيش السوري الحر المقيمة في الحدود التركية وبعض المجالس العشكرية في الأقاليم، وهو ما يمكن رده للطبيعة العفوية التي بدات واستمرت في مسار الثورة السورية، ولعل مواجهتها الناجعة والضرورية للنظام تستدعي هذا التوحيد والتخلي عن ذاتية بعض القيادات، وكذلك ضمانا لنجاح الثورة وأمنها بعد سقوط الأسد، وكذلك ضعف التواصل وارتباكه المستمر بين التمثيلية السياسية للثورة وبين تمثيلياتها وتنسيقياتها على الأرض حتى الآن، بما فيها حركة الإخوان المسلمين التي يغيب تمثيلها في التنظيمات المسلحة داخل الثورة السورية.
2- ثانيها: يبدو الإسلاميون الأقل عددا بين كتل الثورة الكبيرة الشعبية والمسلحة ولكنهم الأكثر تنظيما، ويملكون بدائل ضد استهداف النظام للكهرباء ويدفعون رواتب لبعض العاملين المجندين فيها مثل كتائب احرار الشام، بينما المجندون في الجيش الحر والتنظيمات الأخرى لا يتقاضون رواتب منتظمة سوى مرات قليلة!
3-ثالثها: وجود علامات أو سمات تنظيم القاعدة في العديد من العمليات الانتحارية التي بلغت حتى يوليو الماضي 35 تفجيرا انتحاريا أعلنت جبهة النصرة مسئوليتها عن 10 منها وقد ظهر في كثير من تسجيلاتها المصورة وفي العديد من مناطق سوريا علم القاعدة السوداء، كما بدت معالمها الأيدولوجية في خطابات ومقابلات العديد من عناصر النصرة وغيرها!
وسنحاول فيما يلي العرض لأهم تنظيمات السلفية الجهادية والأقرب للقاعدة في المشهد الثوري السوري حتى الآن
تنظيمات السلفية الجهادية في الثورة
1 – جبهة النصرة: وهي جماعة سلفية جهادية يرجح أنها الأقرب إلى تنظيم «القاعدة»، وقد تأسست أواخر العام 2011، تبنت عدة هجمات انتحارية في حلب ودمشق. لا يعرف بالضبط ما أصل هذه المنظمة غير أن تقارير استخبارية أمريكية ربطتها بتنظيم القاعدة في العراق، وقد دعت الجبهة في بيانها الأول الذي أصدرته في 24 يناير/كانون الثاني 2012 السوريين للجهاد وحمل السلاح في وجه النظام السوري. تقوم “جبهة النصرة” بنشر بياناتها وإصداراتها بشكل حصري من خلال “مؤسسة المنارة البيضاء للإنتاج الإعلامي” ولا تتبعها كتائب أحرار الشام، وهي مقفلة على نحو محكم، تقيم في المدن والقرى إلى جانب مقرات الجيش الحر، وقد نشرت جبهة النصرة في 24 يناير الماضي سنة 2012، على شبكة الإنترنت نسخة لشريط مصور لجماعة جهادية جديدة أعلنت عن نفسها تحت مسمى «جبهة النصرة لأهل الشام»، يظهر فيه مجموعة مقاتلين ملثّمين يتدرّبون، ويتكلم فى الشريط رجل اسمه الفاتح أبومحمد الجولانى بصفته المسئول العام للجبهة النصرة معلناً الجهاد المقدس، وذكر الجولانى أنه قدم إلى أرض سوريا من إحدى الساحات الجهادية مع مجموعة من رفاقه. وتبنت هذه الجبهة بعد ذلك التفجيرات التى وقعت فى حلب ودمشق من خلال خلال تسجيلٍ مصوّر أصدرته تحت مسمى «غزوة الثأر لحرائر الشام»..
2- كتائب أحرار الشام: عدد عناصرها قليل، والحساسية الاجتماعية والسياسية حيالها مرتفعة وتضم العدد الأكبر من المقاتلين غير السوريين، ويبرز فيها عناصر سرايا زياد الجراح التي تتبع كتائب القرعاوي والتي نشطت خلال الفترة السابقة في لبنان، وقد نجح النظام في أسر بعض من عناصرها في إدلب في شهر أغسطس الماضي سنة 2012
3- حركة فتح الإسلام: حركة «فتح الإسلام» التي كشف وجودها للمرة الأولى في لبنان العام 2007، وينشط عناصرها في المشهد الثوري السوري الآن، وقد تبنت هجوماً على سيارة عسكرية في محافظة حلب (شمال) في بلدة أعزاز، وقتل في نيسان (أبريل) الماضي سنة 2012 زعيم فتح الإسلام عبد الغني جوهر خلال مشاركته في معارك في سورية، والذي كان مطلوباً بتهمة قتل جنود في الجيش اللبناني في عملية تفجير في مدينة طرابلس في شمال لبنان. وتزداد الدعوات إلى المشاركة في القتال في سورية مع ارتفاع وتيرة العنف في البلاد.
4- مقاتلو من جنسيات مختلفة: يشار لتدفق اعداد من الثوار الليبيين والخليجيين المتعاطفين مع فكر السلفية الجهادية والقاعدة في ظل تصاعد الدعوات لذلك ونشاط بعض الوجوه الدينية للتوجيه لهذه الدعوة، يتوزعون على مختلف الكتائب والمناطق وينشطون في ريف شمال سوريا بالخصوص.
خاتمة
استغل العديدون هذا الوجود الجهادي الذي لا يجزم بتبعيته للقاعدة، كما لا يجزم بعدم علاقة بعضها به، وإن كانت الساحة السورية ساحة أمان للقاعدة منذ حرب العراق سنة 2003، وهو وجود يعارض التركيبة السكانية المتعددة الطوائف في سوريا ويصطدم بها ولكن يمثل خطرا محتملا ليس في هذه المرحلة ولكن في مرحلة ما بعد الأسد، الذي حاول استغلاله في مقابلته مع مع صحيفة صنداي تلغراف في 30/10/2011 أن “سوريا اليوم هي مركز المنطقة. إنها الفالق الذي إذا لعبتم به تتسببون بزلزال..
هل تريدون رؤية أفغانستان أخرى أو العشرات من أفغانستان”، كما وجد فيه البعض شماعة لتبرير عدم تدخلهم ضده من الولايات الغربية واستغله حلفاؤه ومؤيدوه في تبرير تدخلهم، ومن جانبهم دأب بعض رموز المعارضة السورية في الخارج بالخصوص على إنكار وجود هذه الفزاعة… بين هذه التوجهات المتضاربة يتضح أن ثمة وجودا للجهاد في حرب تجير طائفيا وثورة تبرر تضحياتها شعبيا بلغة ومنطق وشعارات دينية، كما تبنني وطنيا وديمقراطيا في أفقها السياسي والوطني التعددي.
ولعل التوازن في وجود خطر محتمل بعد سقوط الأسد من هذا الأسد يستدعي التحفز له من الآن عبر ضبط الإيقاع والتنظيم وتوحيد الفصائل العسكرية في الثورة السورية والربط بين التمثيل السياسي والتنسيق العسكري في الداخل والخارج على حد سواء، دون الوقوع في عدمية الخضوع ل فزاعة تخدم النظام رغم أنه كان أحد صناعها قبل الثورة ومبررها بعد قيامها!
معهد العربية للدراسات والتدريب