القانون مطيةً لتبرير العنف العسكري المعاصر
بداية، كلمة سريعة وباختصار شديد لا بد منها عن المؤلفات عن القضية الفلسطينية. فالقراء يلاحظون أن كل ما أعرضه من إصدارات تتناول بالبحث والتحليل جانباً أو أكثر من جوانب المسألة الوطنية الفلسطينية والاستعمار الصهيوني الاستيطاني في فلسطين، هو بأقلام بحاثة قديرين من دول الغرب الاستعماري، ولم أعثر على مؤلف واحد عن القضية الوطنية الفلسطينية بقلم بحاثة فلسطينيين أو حتى عرب صدر في الأعوام الخمسين الماضية؛ لكن ثمة مؤلفات مهمة عن القضية الفلسطينية بأقلام باحثات فلسطينيات عرضت بعض أعمالهن في هذا المنبر. هذا الغياب التام لأعمال بحاثة فلسطينيين فضيحة مجلجلة توضح على نحو مأساوي مدى تقاعس المثقفين الفلسطينيين وتجاهلهم لقضية شعبهم وأمتهم.
«محامو الحروب: الولايات المتحدة وإسرائيل والتقاتل الحقوقي» (منشورات جامعة أكسفورد ـــ 2020) مؤلف مهم يبحث في «قانونية» جوانب من ممارسات الولايات المتحدة والعدو الصهيوني في الحروب التي شنّها ولا يزال.
يتحدث الكاتب كريغ جونز عن تحضيراته لعمله هذا، فقال إنّه أجرى أكثر من خمسين مقابلة مع «محامي الحروب»، وهم الخبراء القانونيون الذين تستخدمهم واشنطن وتل أبيب في عملياتهما العسكرية وحروبهما علينا. يؤدي محامو الحرب حالياً مجموعة محيرة من المهام لأسيادهم العسكريين. نظراً إلى أن الجيوش مثل الولايات المتحدة وإسرائيل قد طمست الحدود بين الحرب والسلام، ومع اقتتال العمليات العسكرية على تضاريس مكانية وزمنية واجتماعية قانونية واسعة النطاق على نحو متزايد: التدخل الإنساني، ومكافحة التمرد، والحرب الإلكترونية، وما يسمى «العمليات العسكرية» بخلاف الحرب، اضطر محامو الحرب إلى توسيع صلاحياتهم ومهاراتهم، لتشمل تقديم المشورة القانونية بشأن الحياة والموت في غرفة الحرب العملياتية. في الواقع، يتم دمج محامي الحرب بشكل متزايد في المراحل المختلفة لعمليات الاستهداف المميتة ليس فقط في «إسرائيل»، لكن أيضاً بين أعضاء الناتو وبخاصة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا. وهكذا أصبح محامو الحرب وسطاء رئيسيين في تصنيف الأرواح والأفعال في ساحة المعركة المعاصرة. فمحامو الحروب يشاركون في مشروع تشريعي عندما يقدمون المشورة القانونية بشأن الاستهداف.
لكن هل واشنطن وتل أبيب وبقية دول الناتو مهتمة حقاً بمنع أي ممارسات عسكرية تنتهك قوانين الحرب؟! أحد محامي الحرب الصهاينة أجاب بصريح العبارة: الغرض من المشورة القانونية ليس تقييد الجيش، وإنما منحه الأدوات اللازمة للانتصار بطريقة مشروعة [كذا!].
بالتالي، فإن هذا المؤلف محاولة من الكاتب، وهو دكتور محاضر في مادة الجغرافيا السياسية في كلية الجغرافيا والسوسيولوجيا والسياسات في «جامعة نيوكاسل» البريطانية، للحصول على مقياس حاسم للدور الهيكلي الذي يؤديه القانون ومحامو الحرب في عمليات الاستهداف الجوي، وعلى نطاق أوسع، فهم الحرب. والكاتب يأمل بأن يجلب مؤلفه منظوراً جديداً ونقدياً للأعمال الحالية، لكن أيضاً لتعريف غير المتخصصين بإحساس كيف يحكم القانون العنف العسكري المعاصر – وهذا يعني الاهتمام بالطرق التي لا يتم فيها تخفيف هذا العنف فقط من خلال القانون لكن يتم تمكينه وإضفاء الشرعية عليه وتوسيعه أيضاً.
ويستطرد الكاتب في شرح موضوع مؤلفه فيقول: «أتناول في هذا الكتاب دور محامي قوانين الحرب في عمليات الاستهداف الجوي بالمسيرات التي يقوم بها الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان وجيش العدو الصهيوني في غزة. أركز على كيف ولماذا أصبح محامو الحرب محامين متسللين وأستكشف سؤالين أساسين. أسأل أولاً، ما الآثار المادية والاستطرادية لقوانين الحرب ومحامي الحرب على الاستهداف الجوي تحديداً، والطريقة التي نفهم بها الحرب بشكل عام؟
للإجابة على هذه الأسئلة الحاكمة، يقدم الكاتب ثلاثة مطالبات مركزية وذات صلة فيقول: أولاً، أنا أزعم أن قوانين الحرب غير محددة. ثانياً، أنا أزعم أن قوانين الحرب تنتج العنف. ثالثاً، أنا أزعم أن محامي الحروب يشاركون في مشروع صياغة قانون عندما يقدمون المشورة القانونية بشأن الاستهداف.
يوضح الكاتب سبب تركيزه في هذا المؤلف على ممارسات الولايات المتحدة والعدو الصهيوني لأنهما كانا رائدين في استخدام محامي الحرب في عمليات الاستهداف جنباً إلى جنب مع المملكة المتحدة. السبب الثاني لتركيز الكاتب على الدولتين أنهما كانا في طليعة الجهود المبذولة لتشكيل القانون الدولي بشأن الاستهداف. من خلال التعاون والتبادل الوثيقين، تبنت كلتا الدولتين تكتيكات وسياسات استهداف ثبت أنها مثيرة للجدل وتدفع إلى حدود القانون الدولي.