القمة العربيّة الصّينيّة وردود الفعل الأميركيّة
اختتمت في العاصمة السعودية الرياض الأسبوع الماضي القمة العربية الصينية، التي عُقدت من أجل تعزيز التعاون بين الدول العربية والصين. وقد شارك في هذه القمة معظم القادة العرب، إلى جانب الرئيس الصيني شي جين بينغ.
وبحسب البيان الختامي للقمة، فقد توافقت أطرافها على قضايا دولية، من بينها تأكيد صون النظام الدولي القائم على أساس القانون الدولي والعمل المتعدد الأطراف، وتأكيد احترام سيادة الدول، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، واحترام مبدأ حسن الجوار، وتأكيد مركزية القضية الفلسطينية في الشرق الأوسط، وإيجاد حل عادل ودائم لها على أساس حل الدولتين، ودعم جهود إيجاد حلّ سياسي للأزمة الأوكرانية، بما يضمن المصالح الجوهرية لجميع الأطراف. وتوافقت أطراف القمة أيضاً على تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين الدول العربية والصين؛ الشراكة القائمة على التعاون الشامل والتنمية.
بعد 4 أيام من نهاية القمة العربية الصينية، عُقدت في واشنطن قمة أميركية أفريقية جمعت الرئيس الأميركي مع 49 من القادة الأفارقة من كل أنحاء القارة الأفريقية، التي هي موطن ثلثي العرب وحاضنة نصف عدد الأقطار العربية، في ما يشبه الرد على القمة العربية الصينية التي عززت، وفق خلاصاتها، التعاون العربي الصيني، وأكَّدت في الوقت عينه علاقاتها القائمة مع الغرب عامة، وأميركا بشكل خاص.
وقد حرص وزير الخارجية السعودي على تأكيد هذا الموقف حين قال: “يجب أن نكون منفتحين على التعاون مع الجميع، وأن لا نؤمن بالاستقطاب أو الاختيار بين شريك وآخر، وأنَّ التعاون مع ثاني أكبر اقتصاد ضروري، لكنه لا يعني عدم التعامل مع أكبر اقتصاد في العالم”.
وعلى الرغم من تأكيد العرب عبر بيانهم الختامي، وعبر حديث وزير الخارجية السعودي، انفتاح الحكومات العربية على الجميع، وبلغة شديدة الوضوح، فإنَّ مجرد عقد القمة العربية الصينية أزعج الإدارة الأميركية. وقد ظهر ذلك من خلال تحذير المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، الذي قال إنّ تنمية العلاقة بين الدول الأفريقية والصين ستكون لها تداعيات سلبية على علاقة هذه الدول مع الولايات المتحدة.
وأضاف: “نحن مستمرون في التشاور مع شركائنا الأفارقة، إذ إنّ أيّ انخراط في أنشطة معينة مع جمهورية الصين الشعبية قد يكون له بعض التداعيات السلبية على علاقاتهم معنا”. وقد تعزز هذا التحذير في كلمة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن التي ألقاها في حديث في مستهل القمة الأميركية الأفريقية، حين قال: “إن نفوذ الصين وروسيا في أفريقيا يمكن أن يكون مزعزعاً للاستقرار”.
وأضاف دون غريفز، نائب وزير التجارة الأميركي، تحذيراً ثالثاً أقرّ فيه بأنّ الصين تجاوزت باستثماراتها الاستثمار الأميركي في أفريقيا، كأنه يعبر عن تجاوز الصين والدول الأفريقية خطاً أميركياً أحمر.
من ناحية أخرى، وفي موقف يشبه التلويح بالجزرة، وفي وقت سابق للقمة الأميركية الأفريقية، قال مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، إنّ الولايات المتحدة ستتعهد تقديم دعم لأفريقيا قيمته 55 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، كما أعلن البيت الأبيض دعم الرئيس جو بايدن للاتحاد الأفريقي ليصبح عضواً دائماً في مجموعة الدول العشرين.
تعكس تصريحات المسؤولين الأميركيين ردود فعل الإدارة الأميركية على القمة العربية الصينية، وتعكس أيضاً حالة الانزعاج من تمدد الصين الواسع النطاق في مناطق تعتبرها الولايات المتحدة الأميركية مناطق مقفولة على نفوذها، لا يحق لها أن تبحث عن مصالحها مع دولة مثل الصين التي باتت تنافس أميركا على عرشها كقطب أوحد ظل يسعى مع بقية دول الغرب لاحتكار قرار دول الجنوب وثرواتها، وتوظيف ذلك في خدمة مصالح تلك الدّول التي سيطرت منذ حقبة الاستعمار على موارد الدول المستعمرة وقرارها وسيادتها، فبنت مجدها من ثروات تلك الدول، وشيّدت نهضتها على حساب ماضي المستعمرات وحاضرها، وحرصت على أن تستمرّ في سياساتها الاستعمارية التي ستكون من دون شكّ على حساب مستقبل تلك الدول، كما كانت على حساب حاضرها وماضيها.