القنوات الضيقة التي تُفتح : هل تستوعب مياه الفيضان في سورية ؟!

تشتغل السياسة السورية على مجموعة أنماط من التعاطي مع الحرب التي بدأت منذ عام 2011 ولم تنته بعد، فالحرب كانت شاملة، وفي معادلتها أطراف كثيرة، داخلية وهي أطراف تمكنت السنوات الخمس التي مرت من تغيير ملامح المشهد من ((سيناريو ربيع لتغييرات ديموقراطية داخلية)) إلى سيناريو ((مساومات لتغييرات اقليمية ودولية)) ، وكان لذلك أخطر الأثر على بنية الدولة السورية ومؤسساتها!
ومن مجموعة الأنماط التي شهدتها هذه الحرب ((القتال)). وهو واحد من الأنماط التي مازالت مستمرة، ومعركة حلب اليوم هي أهمها، وهي كما يقول المعنيون ليست للمساومة وإنما لاسترجاع الأرض التي سيطرت عليها المجاميع المسلحة بمختلف أطيافها. والمعارك التي تجري الآن على كاملة رقعة السيادة السورية ستظل مفتوحة الإحتمالات، وسوف لن تتراجع السياسة السورية عن التعامل معها على أرضية حرب تستهدف سورية، وبالتالي الرد هو بالدفاع ومقاتلة كل من حمل السلاح بوجه الدولة إلى أن يخرج من سورية إذا كان غير سوري، أو يدخل في مائدة الحوار والمصالحة إذا كان سوريا.
ومن الأنماط أيضا ((التحالفات))، وهي النمط الأهم الذي غيّر موازين المعارك على الأرض في أخطر اللحظات التي مرت في الحرب السورية، ومن خلال التحالفات حسمت أخطر المعارك في القصير ودمشق وتدمر وحمص والآن في حلب وغدا في الطبقة وبعد غد في الدير وهكذا .. وأسفرت التحالفات عن تحويل الحرب في سورية إلى قضية دولية تخضع للتوازنات، وترسم أفقا لمعطيات جديدة تتعلق بالخرائط وبالتوازن الدولي إضافة إلى كونها نقلت الأحداث من ((فوضى)) يجري العمل بصعوبة على ضبطها إلى ((صراع محاور)) ذات هويات متناقضة تصب في نهاية الأمر في الصراع الدولي من جهة والصراع العربي الاسرائيلي من جهة أخرى ..
أما ما يتعلق بالنمط الثالث، فهو ((فتح قنوات للحوار)) مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد ازدادت فعالية هذه القنوات في الآونة الأخيرة وخاصة بعد تحقيق تقدم على الأرض بمساعدة الروس والغطاء الجوي الفعال الذي صنعته عاصفة السوخوي وصرير الحوامات القادرة على تطهير مكامن المجموعات المسلحة وإفساح المجال أمام تقدم القوات التظامية السورية..
ولم يعد جديدا الحديث عن القنوات التي تفتح لحل الأزمة السورية، فعلى الأقل صارت دمشق تستقبل وفودا غربية من أوروربا أو أميركا أو أي مكان آخر وتُسمعهم وجهة النظر التي كان أغلق عليها العالم كل النوافذ المتعلقة بإسماع الصوت طيلة السنوات الخمس التي مرت. وموخرا يمكن الحديث عن الوفد الإيطالي برئاسة مدير الاستخبارات الخارجية الذي قيل إنه في دمشق لاستكمال الملفات التي طرحت خلال زيارة رئيس المخابرات السورية محمد ديب زيتون تمهيدا لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ونقلت وسائل الإعلام عن مصادر مطلعة قولها إن “المباحثات تركزت على تطبيع العلاقات بين البلدين، وفك الحصار الأوروبي على سوريا، إذ إن الحكومة السورية ربطت هذا الشرط ببدء أي مفاوضات أو تعاون أمني”.
بل إن إيضاحا مهما جاء في التقارير التي تحدثت عن الموضوع يقول : إن الوفد الإيطالي تعهد بمحاولة إحداث خرق يمهد لتطبيع أوروبي – سوري قريبا، إذ تتطلع روما للعب دور في التسوية السياسة في سورية.
والآن يقوم وفد من البرلمان الأوروبي، برئاسة خافيير كوسو نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان بزيارة لدمشق، وجرت مباحثات على أعلى المستويات جرى فيها الحديث عن “الأوضاع في سورية، والحرب الإرهابية التكفيرية التي يتعرّض لها الشعب السوري، والآثار التدميرية لتمدد الإرهاب، الذي ضرب في مناطق عدة من العالم”.كما جاء في الخبر الرسمي .
ونقل عن الرئيس بشار الأسد قوله إن ما يجري في سورية والمنطقة من الطبيعي أن يؤثر بشكل كبير على أوروبا بحكم الموقع الجغرافي والتواصل الثقافي بينهما، لافتاً إلى أن المشكلات التي تواجهها أوروبا اليوم من الإرهاب والتطرّف إلى موجات اللجوء سببها تبني بعض قادة الغرب سياسات لا تخدم مصالح شعوبهم، وخاصة عندما قدّم هؤلاء القادة الدعم والغطاء السياسي للمجموعات الإرهابية في سورية.
واستغل الرئيس الأسد الفرصة للتشديد على أهمية دور البرلمانيين الأوروبيين في تصويب السياسات الخاطئة لبعض حكوماتهم، والتي أدت إلى تفشي ظاهرة الإرهاب، وإلى تدهور الأوضاع المعيشية للسوريين عبر الحصار الاقتصادي الذي فرضوه على الشعب السوري.. كل ذلك دفع كثيراً منهم لمغادرة بلدهم واللجوء إلى الدول الأخرى.
ونقل عن الوفد الأوروبي أن زيارتهم لسورية ومشاهدة ما يعانيه الشعب السوري من جرائم الإرهاب ستمكّنهم من العمل من أجل تصحيح سياسات الحكومات الأوروبية، والضغط باتجاه رفع العقوبات الجائرة المفروضة على الشعب السوري.
وكان الرئيس الأسد أشار خلال لقائه وفداً فرنسياً، يضم برلمانيين ومثقفين وباحثين وإعلاميين في السابع والعشرين من آذار الماضي، إلى أن زيارات الوفود البرلمانية لسورية، واطلاعها على حقيقة الأوضاع في مختلف المناطق والمدن السورية، يمكن أن تساعدها على العمل بشكل فاعل لتصحيح السياسات الخاطئة والمفاهيم القاصرة التي تتبناها حكومات بعض الدول، ومن بينها فرنسا، تجاه ما تشهده سورية.
يذكر أنه خلال العامين الأخيرين زار دمشق العديد من الوفود منها السرية ومنها العلنية، لعقد اتفاقات تحت الطاولة، تفضي إلى استئناف التعاون أمنيا ضد الإرهاب، والحصول على لوائح اسماء الجهاديين الأوروبيين في قبضة الجيش السوري، أو السعي لمعرفة المزيد مما في حوزة الأجهزة السورية، عن المجموعات الجهادية الأوروبية، التي تعمل في البؤرة السورية المفتوحة في الرقة، والشمال السوري.
وتأتي زيارة وفد البرلمان الأوروبي بعد 3 أشهر من زيارة قام بها وفد برلماني بلجيكي ضم عضو مجلس الشيوخ آنك فان دير ميرخ، وعضو مجلس النواب الاتحادي يان بينريس ورئيس حزب الديمقراطية الوطنية البلجيكي ماركو سانتي، وزيارة أخرى قام بها وفد برلماني فرنسي ضم 5 أعضاء من الجمعية الوطنية الفرنسية برئاسة عضو اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية في الجمعية تيري مارياني.
وعن العلاقات مع تركيا تسربت أخبار عن اتصال أجراه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تطور مفاجئ في العلاقات التركية – السورية، مع الرئيس السوري بشار الأسد، وذكرت صحيفة “اليوم” السعودية على صفحتها في “الفيسبوك” أن الرئيس التركي أشار في هذا الاتصال الهاتفي إلى خطر “داعش” الارهابي على الأمن القومي التركي والسوري وضرورة المكافحة الدولية المشتركة ضد الإرهاب.