القوافل
القوافل…
خيولي تغتذي ريح الفيافي ويكفيها من الماء السرابُ
___________________________________________
إذا لم أكن مخطئاً فإن أغاني الثورات، والعمل، والحماسة الوطنية، ومناسبات النكبات، والإنجازات منشؤها الأول، عند العرب…الحداء وهو نغمة الإيقاع التي تسير عليها الإبل في الصحراء.
لكن الفرق أن الحداء، بوظيفته الطبيعية المعتادة، عبر سلسلة القوافل، وعبر الفيافي، التي تنهك الحيوانات الصحراوية، في القر والحر… تؤدي الغرض، وتقوم بواجبها تجاه الإنهاك، فالقوافل تسير، وفق برنامج هذا البيت:
قوافل في صحارى التيه تمشي وقائد كل قافلة حمار
ومع ذلك… فهي تصل، غالباً، الى هدفها.
بينما نجد الحداء العصري (الغناء. النشيد. الأهزوجات. القصائد) كلها تقول شيئاً عن الحلم والواقع، فيما الواقع هو العكس المخيب والمكذب.
انتبهت إلى هذه الفكرة يوم عيد العمال 1 أيار/ مايو.
ففي الراديو كانت هذه الأغنية التي يعود تاريخها إلى الستينات، وتحديداً هي من مواليد فكرة البعث في سورية، عن العمل والعمال. تقول الأغنية:
فرحتنا بعيد العمال…
حقّقنا كل الآمال.
ما عاد ظالم يظلمنا
أو يحكمنا برأس المال.
هكذا… مجازفة كاذبة بوضوح في قول ما ليس له علاقة بالواقع. فالعمال، في سورية، طبقة تكدح ليل نهار، وبعد نهاية يوم عمل يذهب كل عامل إلى بؤس عمل آخر ليؤمن خبز أولاده.
أما رأس المال… هذه الكلمة الكبيرة، فقد ترعرع في ظل اشتراكية ملفقة جاءت من تعاليم غريبة سوفييتية المنشأ. حيث اختلطت مفاهيم “القطاع العام” بقطاع الدولة، ثم وصولاً إلى رأسمالية القطاع الخاص المافيوي، الكومبرادوري الملتحق بشركات أجنبية.
حتى ماركس… مبدع نظرية رأس المال، في آخر أيامه، افضى بهذا الاعتراف المؤلم: أنا قضيت عمرا اشتغل برأس المال، لكنني لم أحصل من وراء عملي هذا على ثمن السجائر التي دخنتها في تأليفه. وحين مات كارل ماركس مشى في جنازته 13 شخصا.
ثمة شعارات سادت في الستينات مثل: اليد المنتجة هي العليا في دولة البعث، والحقيقة غير ذلك بالمطلق. وهذا يشبه شعار الشرطة في خدمة الشعب. والحقيقة غير ذلك.
أما الأغنية طيبة النوايا، سيئة الحظ، فهي من أغاني الستينات أيضاً:
من قاسيون أطل يا وطني فأرى دمشق تعانق السحبا
آذار يدرج في مرابعها والبعث ينثر فوقها الشهبا
لقد كانت الشهب الحامل الرمزي للنور في مقصد الشاعر خليل خوري، ولكنها في الواقع الأخير كان ما يسقط على دمشق من القنابل والصواريخ والمفخخات.
القافلة بحداء بدوي بسيط تصل إلى هدفها، ولكن الأغاني الحالمة، المبالغة في التمجيد الفارغ… تجعل مؤلفها خجلاً من مصير حوامله التعبيرية.
كان عبد الوهاب يغني للملك فاروق، من تأليف الشاعر أحمد شوقي، أنشودة تدعي مديح العمال:
أيها العمال أفنوا العمر كداً واكتساباً فلولا سعيكم أمست خراباً
“أفنوا العمر” هو الحقيقة البارزة… وما عداها كل المدائح لا تخبز رغيفاُ.
كما ان عبد الوهاب قدم نموذجا لادعاء الشعر وتكذيب الواقع، حين غنى لفلسطين:
طلعنا عليهم طلوع المنون فطاروا هباء وصاروا سدى