مساحة رأي

الكاتب حسن م.يوسف : هذا ماقاله للرئيس المخلوع وأنا شاهد !

عماد نداف

عرفتُ حسن م.يوسف ككاتب لأول مرة من خلال مجموعته القصصية (العريف غضبان) ، ولكني تعرفت عليه شخصياً عندما استقبلني في بيته في مساكن برزة عام 1994 بشأن مشروع درامي يتعلق بأحد قصصه عن عيد الجلاء.

 

وعندما عرف أنني معتقل سياسي، ازداد الترحيب بي وأكرمني وأعد لي القهوة بطريقته الخاصة، وعرّفني على عصافير مكتبه الذين يتوافدون على نافذته كل صباح، ثم التقط لي صورة شخصية بكاميرته الخاصة، التي أعتبرها واحدة من أهم الصور بحياتي لأنها الأولى بعد خروجي من المعتقل، وقد أرسل لي الصورة المنشورة (في هذه الصفحة) بعد أن قام بإظهارها من الفيلم (كانت الأفلام تُحمّض ثم تُظَهر ثم تُطبع) .

ولأن الصخب الدائر اليوم حول قرار فصله من اتحاد الكتاب العرب اتسع و أصبح ينذر بتعميق اصطفافات النخب الثقافية، وأيضاً لأن مادتي السابقة كانت عن علاقتي بالدكتور أحمد جاسم الحسين وتعيينه رئيسا جديدا لاتحاد الكتاب العرب، لابد من الإدلاء برأيي في الحوار الدائر، وخاصة لأنني شاهد على تفاصيل هامة.

سأبدأ من آخر حوار دار بيني وبينه ، عندما أقام هو والمخرج باسل الخطيب ندوة حول الدراما السورية، وكنتُ بين الحضور أتابع مايُقال إلى النهاية، وأسوة بالآخرين كنت أطرح رأيي دائما، أو استفسر من المحاضرين عن شيء ما أثار فضولي .

كان رأيي في الحوار الذي دار وقتها أن مشكلة السينما والدراما السورية التي تنتج عن الحرب في سورية هي أنها تندرج تحت سمة (البروباغندة) ، وقلت حرفياً : دائما هناك بطل إيجابي من الجيش السوري يتصدر البطولة ، وأنا كمشاهد أعرف الجندي السوري، ولا يستدعي الأمر تعريفا متتاليا في المنتج الدرامي بأنه (البطل الإيجابي) ، سؤالي يتعلق (بالبطل السلبي)، لماذا لايظهر هذا النوع في إنتاجاتكم ، وشرحت ذلك بمثال (يقيني شر ردود الفعل الأمنية) قائلا : الذي يهمني كمشاهد أن أعرف لماذا يفجر السوري نفسه، لماذا يقاتل السوري الجندي السوري، لماذا يقتلني ويقتل الآخرين كما يقدم لنا في السينما والدراما، أريد أن أتعرف عليه بظروفه ومعاناته وأهدافه من خلال شخصية درامية كما تُعرفنا عليه السينما العالمية كبطل سلبي.

كان رد الكاتب حسن م. يوسف ، بعد تفاصيل قصيرة من الأخذ والرد تدخّل فيها الأستاذ باسل الخطيب، (لانجرؤ ) على ذلك ، فقلت : شكرا !

لماذا لايجرؤ الكاتب والسيناريست حسن . م يوسف على إبداع نص أو سيناريو عن البطل السلبي الذي أشرت إليه؟!

في عام 2006 على ما أذكر، دُعينا أنا وهو ومجموعة من الصحفيين والمسؤولين الإعلاميين إلى قصر الشعب للقاء هام مع بشار الأسد، وكما هو معروف فإن العادة أن يقوم المدعوون بطرح الأسئلة والإشادة (بسيادته) و(بقيادته الشجاعة والحكيمة)، وعندما جلسنا في قاعة الضيافة طلب وزير الإعلام محسن بلال وقتها تقديم أسئلة مكتوبة ، وكنتُ أنا مطيعا فكتبتُ سؤالا جريئا (لا أريد أن أذكره الآن )، وأعطيت الورقة إلى الوزير، فأشار لي بالصمت ، أما حسن فنهض وتحدث مباشرة مع بشار الأسد قائلاً: لقد أمضى الكاتب ميشيل كيلو ، وهو كاتب معروف وجيد ومثقف مهم، رغم المواقف السياسية التي أخذت عليه، أمضى ثلاثة أرباع مدة الحكم ( أظن أن الحكم كان عشر سنوات)، ونرجو منكم (ياسيادة الرئيس) العفو عنه ومنحه ربع مدة من الحكم، فغضب بشار الأسد وصاح أنه لن يعفو عنه ولو ليوم واحد !

وجلس حسن محبطاً، ولا أعرف إذا كان قد ارتجف من غضب (الرئيس) !

سأعود إلى مطلع التسعينيات، لأحكي لكم عما جرى مع الصحفيين وأنا وحسن من بينهم،  عندما دعانا وزير الإعلام الأسبق محمد سلمان ، وهو حي يرزق، وجرى اللقاء في قاعة الاجتماعات في مبنى التلفزيون العربي السوري، وهي الآن مكتب العلاقات العامة في مدخل البناء. في ذلك الوقت كان الاجتماع مشتركا (لضيق وقت الوزير) بين الصحفيين والمخرجين، فما أن بدأ محمد سلمان الترحيب بنا حتى أثار لغطا بحديثه، فقد رحب بداية بالمخرجين قائلاً : أرحب بالزملاء المخبرين .. (زلة لسان) ، وأخذت عليه لسنوات طويلة.

المهم كان حسن .م يوسف يجلس في الصف اليميني من القاعة فطلب الحديث، وتحدث عن واقع الإعلام ، وطالب بإعلام مهني ومنح الصحفي هامشا ديمقراطيا لأن الصحافة لايمكن أن تنجح وتزدهر وتكون حيوية من دون شفافية وجرأة في الكتابة وهامش واسع من الديمقراطية، وانتقد انعدام هذا الهامش!

فماذا كان رد الوزير؟ قال له وكأنه يعرفه من زمن طويل ، اسمع ياحسن .. إذا كنتم تعتقدون أنكم صحفيون ، فأنت غلطان ، أنتم موظفون عندنا تكتبون مانريد منكم، ومن لاتعجبه الصحافة ألله معه !

وجلس حسن محبطاً ولا أعرف إذا كان قد تخوف من شيء ما قد يحصل ضده..

بقيت نقطة هامة، تتعلق بعضويته في الاتحاد، فهناك خطوتان من الضروري أن أحكي عنهما، الأولى : لماذا قام الدكتور نضال الصالح بمنحه العضوية الفخرية ؟ وقد أخبرني رئيس الاتحاد بالخطوة قبل حدوثها، وكان بيني وبينه ودٌ وعلاقة قديمة ، وعندما صدر قرار بتعيينه رئيسا للاتحاد ، أجريت مواجهة تلفزيونية بينه وبين سلفه الدكتور حسين جمعة في (قناة تلاقي) التي أنشئت من أجل أن تتحول لمنبر للمعارضة السورية ، وكتب ميثاقها ثلاثة أشخاص تعرفونهم (الدكتور ماهر خولي، الصحفي خالد مجر، والعبد لله أنا)، ثم منع ظهور المعارضة عليها، وفيما بعد أغلقت .

المهم جرت المواجهة وكانت شفافة جريئة، شارك فيها الدكتور محمد الحوراني الذي أضحى رئيسا للاتحاد فيما بعد، وهذه المواجهة شجعت على مايبدو الدكتور  نضال الصالح على اتخاذ قرارات تميزه ، فأخبرني أنه سيقدم على خطوات انفتاح هامة وعندما سألته أجاب أنه سيعيد طباعة الأعمال الكاملة للكاتب حسن م. يوسف ويمنحه العضوية الفخرية ، وهذا ماحصل !

دققوا على كلمة (انفتاح) ، أي أن حسن لم يكن متوافقا مع سياسة الاتحاد ، وقد خطا الدكتور محمد الحوراني هذا النوع من الانفتاح، بشكل أعمق وأوضح عندما أجرى اتصالات ، وكنت شاهدا عليها ، مع أدونيس وغادة السمان وطالبهما بزيارة دمشق، وعندما تخوفت غادة السمان من الاعتقال أكد أنه سيكون منتظرا قدومها على الحدود، وقام بالفعل بطباعة كوابيس بيروت على نفقة الاتحاد في سياق (انفتاح جدي على المثقفين السوريين)، أثارت ردود فعل قاسية. كذلك وافق الاتحاد على طباعة أعمال جريئة في انتقادها للكاتب حيدر حيدر قبل وفاته ، والكاتب اسماعيل مروة ، والكاتب خليل صويلح وحتى رواية المئذنة البيضاء ليعرب العيسى..

أيضا دققوا على كلمة (انفتاح)، التي تقابل دائما بسخط من الأجهزة، وأنا استفدتُ جرأة محمد الحوراني، وجعلتني خطوات الدكتور الحوراني أتجرأ بدوري وأقدم روايتي (حكمة البوم والببغاء كاسكو) عن فرع التحقيق العسكري ، فوافق الدكتور الحوراني وطبعت وكانت أول رواية تنشر عن المخابرات السورية في ظل حكم الأسد..

دققوا في عبارة (جعلتني أتجرأ) ..

كل ذلك لأقول أن شكل وأدوات الحكم في سورية كانت سداً منيعاً تجاه أي جرأة تقترب من الخطوط الحمر، وهذا لا يبرر لنا أن نكون خائفين، ومع ذلك خفنا إلى حد ما، لكن من الضروري أن أخبركم أنني وعندما لم أكن خائفاً  دفعت من عمري عشر سنوات في سجني تدمر وصيدنايا وفروع الأمن ..

كان الوضع صعباً في ظل الحقبة البائدة،، ولذلك أرى أن قرار فصل الكاتب حسن م. يوسف غير مبرر، وينبغي على اتحاد الكتاب أن يسعى لتبقى النخب الثقافية متماسكة حتى ولو اختلفت الآراء والسير الذاتية لأصحابها .. !

هذه شهادتي ، وهذا واجبي !

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى