الكتاب السوريون : هل هم أحد مفاتيح الحل الوطني الديمقراطي ؟!
الكتاب السوريون : هل هم أحد مفاتيح الحل الوطني الديمقراطي ؟! يطرح السوريون هذه الأيام سؤالا مهما يتعلق بالحرب التي يعيشونها، فالأزمة التي طالت كل شيء في البلاد حتى الكتاب المدرسي، هذه الحرب هل ستعلّم المثقف السوري قبل كل شيء أن عليه أن يتحرك للعمل من أجل إعادة بناء العقل الوطني ليعتمد على المواطنة والحوار والاختلاف ويؤسس لسورية الجديدة بعد الحرب؟ والأهم أن على هذا المثقف أن يتحرك سريعا دون انتظار قرار من فوق لأن المثقف يفترض أن يؤدي دوره كالجندي وهو يحمي المجتمع من الفتنة والفوضى دون حاجة لانتظار قرار سياسي والطيران المعادي فوقه !!
في تاريخية دور المثقف والكاتب السوري، خلت سجلات الحركة الثقافية من أزمات كبرى تعترض مؤسساتها، اللهم إلا تلك الأزمة التي مرت سريعا في أواسط تسعينات القرن الماضي، وكادت تقسم الاتحاد، عندما أقدم اتحاد الكتاب العرب في سورية على فصل أحد أهم القامات الثقافية السورية المعروفة في العالم، أي : علي أحمد سعيد ((أدونيس)) ومعه هشام الدجاني، وذلك نتيجة تداعيات حضور أدونيس لمؤتمر غرناطة واتهامه بالتطبيع مع ((إسرائيل)) ، فانقسمت آراء الأعضاء، ثم صدر قرار الفصل.
كان أدونيس يعود إلى المقهى في دمشق أو إلى قصره الثقافي الجميل في قرية قصابين في منطقة جبلة السورية غير عابئ بهذا القرار، ظنا منه أن اتحاد الكتاب الذي لم يدخله في حياته قط لا يعني الكثير على صعيد سمعته الثقافية والوطنية، وهو ظن أثقل عليه كثيرا مع إندلاع الأزمة السورية وطرحه وجهة نظر لم ترض أحدا لا مع ولا ضد ، فشن الكتاب والمثقفون حملات كثيرة عليه من الطرفين، ولم نعد نشاهده لا في المقهى الذي يرتاده بدمشق، ولا في قصره في قصابين!
كل المعطيات تجزم أن (( الحراك الثقافي السوري)) يحتاج إلى تفعيل، بل إن عليه أن يعمل على تغيير معالم الأزمة الكبيرة التي عاشتها البلاد لتحويلها إلى أزمة وطنية مع الخارج ، والانكفاء إلى الداخل الوطني لحلها ..
وفي أعراض الأزمة السورية، تعرض اتحاد الكتاب لمحاولة إلغاء أو استبدال عبر إنشاء روابط كتاب جديدة تلغي دور المؤسسة الأم المتهمة بأنها صوت للسلطات وليس لها أي استقلالية، وتحاكي إحدى الروابط المشكلة في الخارج رابطة قديمة أسسها أشهر الكتاب في الخمسينات من القرن الماضي وتحوّلت إلى رابطة للكتاب العرب تولى الشاعر السوري شوقي بغدادي أمانتها العامة حتى مطلع عام1959..
أنشئت ((رابطة الكتاب السوريين)) العتيدة في الأزمة لتوازي نشاط اتحاد الكتاب العرب في سورية وتجمع الكتاب المعارضين، وبلغ عدد أعضاؤها 341 يوجد بينهم عدد قليل من أعضاء اتحاد الكتاب وعدد جديد من الكتاب والسياسيين الشباب ، ومن الأسماء المعروفة فيها : أحمد برقاوي وبدرالدين عرودكي وبرهان غليون ومطاع صفدي وحسان عزت وحسين العودات وميشيل كيلو ونهاد سيريس وهالا محمد ووائل أحمد نورس السواح و خالد خليفة وخطيب بدلة وعارف دليلة إضافة إلى ابنة الكاتب المسرحي الراحل سعد الله ونوس الذي انسحب من اتحاد الكتاب العرب تضامنا مع أدونيس ديمة ، وابنة الشاعر الراحل محمد عمران رشا.
وهذا الرابطة لم تقم بأي دور على صعيد بناء العقل، وظلت تدور في إطار الدوامة نفسها التي وقعت فيها البلاد نتيجة الأزمة .
على صعيد المنظمة الأم ، ما أن استعد اتحاد الكتاب العرب في سورية إلى عقد مؤتمره العام، قبل أكثر من شهرين حتى برزت اتجاهات نشطة في حركة الكتاب، وبدا كأنهم يعملون وفق منطق الحيوية الوطنية لكسر الرتابة وقرع الجرس للشروع في مهمات ثقافية جديدة، وما أن حصل ذلك حتى زجت كاتبة مهمة هي الدكتورة نادية خوست بمقال ساخن إلى الصحافة يحمل من النزق أكثر مما هو متوقع ، فاحتجت على التحرك الانتخابي لعدد من الكتاب، وأعلنت في جملها الأولى إنه ((كان يفترض أن تشغل الكتاب مسألة مقلقة هي الفراغ الفكري)) ، ثم وجدت نفسها مضطرة لشرح أسباب هذا ((الفراغ)) وهو مسألة تستلزم البحث في مستوى وطني شامل متصل بالمشروع الثقافي والنهج التربوي، كما تقول، و وضعت يدها على نقطة مهمة إذ لاحظت في التفاصيل الممهدة له (( انفصال السلوك الأخلاقي عن الإعلان الفكري. وتقديم المنفعة الشخصية على مصالح الوطن. كأنما اختبأت الأفاعي في مياه الأيام الراكدة)) والغريب أن هذه الإشارة المهمة فتحت أمامها طريقا لم يكن متوقعا هو أن ملاحظاتها استدعت اتهاما خطيرا هو أن ((القائمة الانتخابية التي وزعت عشية انتخابات اتحاد الكتاب. قائمة كاملة تقريباً، توحي بانقلاب يحتل مجلس الاتحاد، ويبقي لما كان جبهة وطنية مقاعد كومبارس. ينشر الالتباس أن في القائمة أشخاصاً مارسوا سابقاً مسؤوليات في اتحاد الكتاب كحزبيين أو ممثلي اتجاهات، وأخذوا كل ما يمكن أخذه، وقالوا كل ما يمكن قوله، وكان بعضهم من قائمة الجبهة الوطنية الغائبة اليوم.))
لم يقم الكتاب بالرد، وكان ((التعقل هو رد فعلهم))، أو ربما سعت الجهات المختصة إلى تهدئة الخواطر، والاعتماد على مبدأ حرية الترشيح لأي كاتب في الإتحاد بشكل منفرد، وأثمرت هذه الطريقة عن فوز الدكتور حسين جمعة رئيس الاتحاد السابق بأكبر عدد من الأصوات، وعندما انعقد مجلس الاتحاد انتخب الدكتور نضال الصالح رئيسا لاتحاد الكتاب العرب، وتقبل الدكتور جمعة التغيير بصدر رحب، ثم لم يمانع في الظهور في أول تجربة سورية تلفزيونية على ((قناة تلاقي)) هي إنشاء حوار مع مسؤولين هما بالعرف المؤسساتي (( السابق والجديد)) .
في ذلك الحوار التلفزيوني، كان الخوف واضحا على وجهي رئيسي الاتحاد السابق والجديد من إثارة أي مواجهة، قد تؤدي إلى إضافة عبء على كاهل السوري يشعره أن الأمل يضيع حتى بين المثقفين عندما يتواجهون لأول مرة، وقال كاتب كان شاهد الحوار على الشاشة، وعلق عليه في المقهى أمام مجموعة من أصدقائه : لقد استوعب الطرفان الأسئلة التي تتعلق بالمعارضة والشفافية والخلاف حول الأداء المطلوب، وما أن عرض الحوار وانتهى ، حتى شرع الدكتور نضال الصالح رئيس الاتحاد الجديد في الكشف عن خطته للتعامل مع هذه المؤسسة الثقافية من خلال ما يكتبه في افتتاحية صحيفة الأسبوع الأدبي، وكثفه في لقاء مع برنامج سلطة الصحافة بالقول إنه ومع بداية العام سيدعو إلى مؤتمر صحفي للحديث عن مشروعه التنويري الذي يؤسس على ماقدمه الاتحاد في مسيرته ، وفي حديث صحفي ثبّت الفكرة مع إيضاح ذي معنى ، فقال : (( شخصياً أؤمن بالأداء المؤسساتي، أي باتخاذ القرار من خلال إرادة المؤسسة لا من خلال إرادة مديرها أو رئيسها، لأن صناعة القرار، أي قرار، يجب أن تكون فعلاً تشاركياً بامتياز)) هذا يعني إما أن إرادة المؤسسة مرهونة بمجموع الكتّاب أنفسهم، أو بالتناغم مع القرار السياسي للدولة، فهل سيقف الكتاب عند عتبة المسؤولية التاريخية أمام مهمات المرحلة الجديدة ؟
الدكتور نضال الصالح همس للصحفي الذي أجرى معه الحوار أنه (( ولتحقيق ذلك ثمة الكثير في جعبتي من المشروعات، بل قل الطموحات التي سأسعى إلى ترجمتها على أرض الواقع بكلّ قوة، ومن ذلك رفع مستوى دوريّات الاتحاد، ونوعية الإصدارات، لكي يتطهر الاتحاد من لوثة الوظيفي على حساب الثقافيّ، ثمّ إنجاز فعاليات وأنشطة نوعية بامتياز، من مهرجانات ومؤتمرات وندوات ستتجاوز فضاءها القطريّ إلى فضائها العربيّ، لكي يسهم الاتحاد في إعادة إعمار سورية، وعلى نحو خاص في إعادة إعمار الوعي، ولاسيما ما يعني التنوير الذي سنتخذه شعاراً لهذه الدورة من تاريخ الاتحاد..))
ذلك ماقاله الدكتور الصالح، ولكن أهم مسألة في حياة السوريين، كان يفترض الحديث عنها ((أي حل الأزمة بالمعنى الفكري)) تتعلق بالمثقفين والكتاب والمفكرين ، فلماذا لانتحدث عنها صراحة، وماذا سيفعل الكاتب السوري من أجل حل الأزمة؟ وهل من دور فاعل له؟ وهل هناك تفكير جدي في دور ما لحوار بين مثقفي سورية وكتابها (( جميعا)) لإطلاق مشروع ثقافي يؤسس للحوار السياسي في بعده الوطني، ويعلن صراحة أن ثمة أرضية وحيدة للانتماء لوطن هي قطع أي صلة بالمشاريع الخارجية والاتفاق على أن السوريين وحدهم هم من يصنعون مشروعهم ؟!
وهنا نعود إلى الدكتورة ناديا خوست التي قالت عشية مؤتمر الكتاب: إن ((فحص المجموعات والأشخاص بمعيار الرموز الكبرى التي يندمج فيها السلوك بالنهج الوطني، واجب وضرورة. ولو سلبنا نعمة الجهل. كم نتمنى المعارك الانتخابية التي تتنافس فيها برامج المرشحين على ثقة الناخبين! لكن أين التنافس النزيه تحت سقف الثوابت الوطنية؟! ))
هذا يعني أن المسألة لم تزل أعقد مما تتصوره الأسئلة الصحفية، وهي حقيقة معروفة، لكن في خلفية هذه الحقيقة يختفي السر الذي لايريد أحد البوح فيه وهو أن المثقف السوري معزول عن الفعل، حتى الآن، رغم السنوات الخمس التي مرت على الحرب ورغم كل الدمار الحاصل ورغم سقوط مئات الألوف من القتلى وهجرة ملايين السورية خارج سورية إلى أرض الله الواسعة!