الكوميديا السورية… شرّ البلية ما يضحك
لا ضمانات يمكن تقديمها للمشاهد هذا العام، عند الحديث عن الكوميديا السوريّة المعروضة ضمن برمجة رمضان. فالقدرات الفنيّة والإنتاجية الواقفة خلف إنجاز هذه الأعمال اليوم، لم تعد كما كانت سابقاً، خصوصاً عند شركات تشبه الدكاكين الصغيرة. ينطبق ذلك بشكل خاص على مسلسلات «السيتكوم» التي تعتمدها شركات إنتاج تعمل بمنطق «البقالية الناشئة»، ما يقلّص الأمل بخروج الكوميديا السوريّة من فخ التكرار والسماجة والتهريج.
ستحضر في هذا السياق أعمال عدة، منها «وعدتني يا رفيقي» من إخراج نذير عواد ونص رازي وردة، وهو تتمة لمسلسل «فتت لعبت»، ومسلسل «أهلين جارتنا» من تأليف أكثم علي ديب، إخراج المعتصم بالله مارتيني، ويروي هذا العمل قصة جارتين تعيشان في دمشق. ضمن الفئة ذاتها، مسلسل «مآسي على قياسي» إنتاج فادي غازي عن نصوص لكتّاب عدة، وهو لوحات اجتماعية ساخرة، ينجزها غازي بعد مسلسله «أبو دزينة» من تأليفه وإخراجه وإنتاجه. ويعدّ غازي من أبرز المنتجين الذين عملوا بميزانيات منخفضة، ودخل سوق الكوميديا ليخرج منها «عراباً» في تحويل النكتة إلى مسلسل.
ذلك ما أوصل المسلسل الكوميدي السوري إلى الحضيض، خصوصاً حين نعرف مثلاً أنّ محمد قبنض صاحب شركة «قبنض للإنتاج الفني» قام بنفسه بكتابة مسلسل «فشة خلق»، مقتحماً عالم كتابة السيناريو، مكلفاً محمد زكيّة بالإخراج، وفي البطولة نزار أبو حجر، أندريه سكاف، غادة بشور، وسيم شبلي، نور الوزير، صفاء حبي، خلود عيسى، وآخرون.
الكوارث قادمة لا ريب على هذا الصعيد، خصوصاً مع اكتشاف بعض المنتجين أنّ القنوات التلفزيونية باتت تطلب ساعات من «الفرفشة» و «الثرثرة» بعيداً عن أي شروط فنية أو إنتاجية لائقة، أو حتّى القدرة على استقطاب ممثلين معروفين. ربما يخرق مسلسل «فارس وخمس عوانس» هذه القاعدة، لناحية مشاركة بعض النجوم في البطولة مثل عبد المنعم عمايري، ومرح جبر. العمل من كتابة رنا الحلاق وأحمد سلامة، وإخراج فادي سليم. لكنّ الاستعانة بممثّلين معروفين، قد لا تنقذ العمل، لأنه من المرجّح أن يكرّر أجواء مسلسلات سورية أخرى، في إطار من اللعب على المفردات والألفاظ و «القفشات»، بعيداً عن صياغة كوميديا الموقف، أو محاولة إيجاد معادل ذكي لفن الضحك الدرامي.
من ناحية أخرى، تضاربت الأخبار عن عرض مسلسل «فتنة زمانها» خلال هذا الموسم، بالرغم من انتهاء التصوير قبل أيّام. يروي العمل قصة عائلة سورية لجأت إلى الإمارات، ويطرحه القائمون عليه كأول مسلسل كوميدي عربي يتم تصويره في أبو ظبي؛ وهو من تأليف وإخراج عماد سيف الدين، وبطولة كل من سامية جزائري وحسام تحسين بك وأحمد راتب ومديحة كنيفاتي ومحمد الأحمد وآخرين.
في المقلب الآخر يحضر عملان كوميديان يعوّل عليهما هذا العام لحفظ ماء وجه الكوميديا السورية التي شهدت ألقاً لا ينسى منذ سبعينيات القرن الفائت، مع صعود ثنائية دريد لحام ونهاد قلعي. هنا يحضر الجزء الثاني من مسلسل «دنيا» من إخراج زهير قنوع عن نص من تأليف بطلة المسلسل أمل عرفة بالتعاون مع سعيد الحناوي. يعود الثنائي الشهير دنيا أسعد سعيد، وصديقتها طرفة (شكران مرتجى) لخوض مغامرات جديدة، وتترافقان في الشقاء وخيبات الأمل المتتالية. تعود دنيا للعمل كخادمة، وتدور من بيت إلى آخر، لتصدم في كلّ مرّة بحجم النفاق الاجتماعي، خصوصاً في ظل الحرب التي دخلت عامها الخامس في سوريا، وأثرها على علاقات السوريين ببعضهم البعض، وانهيار نظم أخلاقية وصعود أخرى.
يعدّ الجزء الثاني من «دنيا» عودة قوية للكوميديا الشعبية التي تراجعت منذ سنوات، بفعل سطوة رؤوس أموال غير خبيرة على المنتج التلفزيوني، وما مارسته من تهميش ممنهج لإقصاء طبقات اجتماعية على حساب أخرى للتعبير عن نفسها من خلال الشاشة الفضية.
بدوره، يأتي الجزء الحادي عشر من «بقعة ضوء ـ سما الفن الدولية» هذا العام، محمّلاً بلوحات كوميدية عديدة، بتوقيع المخرج سيف الشيخ نجيب، بعد اعتذار عامر فهد عن عدم استكمال هذا الجزء. النجاح الذي حقّقه فهد في الجزء العاشر، يترك الباب موارباً مع اللوحات التي كتب معظمها كل من مازن طه وحازم سليمان. يحسب للعمل استمراره منذ أكثر من عقد، وإصراره على تقديم كوميديا سورية صرفة، بعيداً عن مزاج السوق وإسفافه، وفي مجابهة مستمرة مع الرقابة في البلاد، وتناول الأزمة والحرب بجرأة فنية لافتة.
صحيفة السفير اللبنانية