بدور واحد في مسلسل «مسافة أمان» (2019 ــ كتابة: إيمان السعيد، وإخراج: الليث حجّو)، تمكّنت الممثلة الشابة لين غرة من لفت الأنظار. يومها، جسّدت دور فتاة تركت دراسة الحقوق وقرّرت التفرّغ لـ «المعهد العالي للفنون المسرحية» من دون علم والدتها (كاريس بشّار) التي تعيش معها وحيدة بعدما هاجر والدها بلا عودة! رغم جلافة الحياة، وقسوة يومياتها في موسم الحرائق السورية وفوضى الحرب، إلا أنّها تنتزع لنفسها مساحة، ولو بخرم إبرة، لتحبّ وتعيش وتتنفّس. وفي اللحظة المواتية، تقلب المعادلة وتتبادل الأدوار، فتصبح كأنّها الحضن الدافئ ومساحة الأمان المُطلقة لوالدتها!
طبعاً، أن تقف أمام محترفة مثل كاريس بشار، فتنافسها وتوازيها في الحضور والأداء، فهذا يعني أنّها ربّما لا تقلّ موهبة ومرونة عن ندّها مهما بلغ من الخبرة!
لاحقاً، جاءت فرصة جديدة لتترك لين انطباعاً واضحاً بالاختلاف، وتقترح التجريب في مطرح خام وبكر، في مسلسل «المنصّة» (كتابة: هوزان عكّو، وإخراج: رودريغو كريشنار ــ نتفليكس) الذي لعبت بطولته بدلاً من سلافة معمار. العمل ككلّ يقترح صيغة ناضجة لمجاراة الدراما العالمية من ناحية الشكل، والمنطق البصري، والجاذبية المتعلقة بالصورة، والمكمّلات الجمالية، وأيضاً لناحية المنطوق الحكائي والسوية التمثيلية. على مستوى تكنيكها الأدائي في بطولتها المطلقة الأولى، أدّت غرّة ببراعة واضحة، وكشفت عن فهم عميق لفن التمثيل المعاصر، عندما قدّمت دور صبية تتقاذفها الأقدار إلى كمائن متناقضة كلياً، فتتصدّى لها بأداء موسوم بالدقة، والنأي الكلي عن الافتعال المبالغ، مع التركيز على الشغل الجوّاني العميق.
سجّلت لين مشاركات سياحية في الدراما المشتركة التي لا تقول أي شيء (من بينها مسلسل «صالون زهرة» مع نادين نجيم ومعتصم النهار). وهي اليوم تمشي خطوة على طريق الظهور التمثيلي المجاني من ناحية القيمة، من خلال «كريستال» (سيناريو وحوار: لبنى مشلح ومي حايك، وإخراج: هاكان أرسلان/ mbc و«شاهد») الذي يتقاسم بطولته السوري محمود نصر مع اللبنانيّتَيْن باميلا الكيك وستيفاني عطا الله. وهو نسخة معرّبة من المسلسل التركي «حرب الورود». يتتبّع العمل حكاية الثلاثي «جواد» و«عليا» و«فاي» الذين تجمعهم قصة تدور في فلك الحب والانتقام والانكسار. دراما اجتماعية ــ عاطفية خاوية تقدّم ترويجاً سياحياً لتركيا، وتشيّد عداء جذرياً مع الواقعية والقضايا الملحّة للمواطن العربي، وتبتعد بالمطلق عن دائرة اهتماماته، لصالح إمتاعه بالخضرة والوجه الحسن.
في كلّ الأحوال، الموضة الرائجة تستقطب أهّم النجوم، وليس عيباً العمل فيها من أجل المال، لكن ربّما مع إعطائها مكانتها التي تستحقها من دون تهويل. وفي هذا العمل، تظهر لين غرّة بشخصية تحكي باللهجة اللبنانية، فانقضّ عليها جمهور السوشل ميديا باعتبار أنّها «مصطنعة ومفتعلة وبعيدة عن القلب وتبالغ في الأداء»، فيما عاب عليها بعضهم الحديث بغير لجهتها الأمّ. سريعاً، ردّت الممثلة السورية الشابة عبر حسابها على إنستغرام، بالقول: «أنا ممثلة عربية سورية بكل فخر وأحب لبنان الشقيق أرضاً وشعباً ولهجة، وقد أتيت لأعيش تجربتي بكل سلام، ولديّ رغبة في التجريب بكلّ اللهجات العربية وسأواظب على التجريب وأتمنى للجميع أياماً أكثر حباً وسلاماً». الرد البسيط ربّما اختارت صاحبته أن يكون شعبياً بعيداً عن المنطق المهني من أجل الوصول للعامة.
وفي مقابل أصوات المنتقدين، لاقت لين مساندة من كثيرين، من بينهم زملاء المهنة. على سبيل المثال، أكّد المخرج السوري زهير قنوع عبر صفحته على فايسبوك أنّ «أي انتقاد لأي ممثلة أو ممثل سوري يتحدّث باللهجة اللبنانية أو غيرها من اللهجات العربية أو العالمية، هو ساذج وغير محترف وغير بنّاء على الإطلاق، ولا يخدم الفنّ السوري وسفراءه الذين نفتخر بهم أينما كانوا، ونفتخر بنجاحاتهم المستمرة…». وتابع: «إلى الأمام نجمتنا الجميلة لين غرة، وكل الممثلات والممثلين السوريين الرائعين. نجاحكم باللهجات هو إضافة لإمكاناتكم الكبيرة التي يعرفها العرب من المحيط إلى الخليج…».
طبعاً يحق للجمهور أن يرفض الافتعال، كما أن يشير إلى مكامن التصنّع، يحب ويرفض بمزاجه لأنّه صاحب الحكم الأوّل والأخير، لكن الأكيد أيضاً أنّه من حق الممثل استخدام اللهجة التي يراها مناسبة للشخصية والطريقة التي يجدها ناجعة في إيصال أفكارها، ولا يمكن الانتقاص من قيمة أي شخصية لأنّها تحكي اللهجة اللبنانية أو غيرها. ربّما تكون اللكنة الشامية قد وصلت إلى المشاهد العربي بشكل أوسع بسبب الانتشار الكثيف لدراما البلاد، لكن تبقى اللهجة مفتاحاً أدائيّاً، وأحد المداميك التي يؤسس الممثل عليها بعد الانتهاء من البناء الداخلي والتفرّغ للصيغة الخارجية من الشخصية التي يؤديها. وهذا جوهر وخصوصية شغله بالتنسيق مع المخرج وفريق عمله.
