المأزق الإسرائيليّ: تل أبيب تُعوّل على روسيا بإخراج إيران من سوريّة

الضربة العسكريّة، المنسوبة لإسرائيل ليلة السبت-الأحد ضدّ مطار المزّة العسكريّ بالقرب من العاصمة السوريّة، دمشق، لم تؤكّد من قبل تل أبيب لا رسميًا ولا إعلاميًا، إذْ أنّ وسائل الإعلام العبريّة، المكتوبة، المسموعة والمرئيّة، اعتمدت على مصادر سوريّة، التي شدّدّت على أنّ الانفجار في المطار كانت نتيجةً لتماسٍ كهربائيٍّ، ولكن مع ذلك، إذا كانت تل أبيب وراء الضربة، فإنّها تُريد من وراء ذلك، الضغط على روسيا وتركيّا وإيران بالعمل على إخراج القوّات الإيرانيّة من سوريّة، وهو مطلب طوباويّ في ظلّ المُستجدّات الأخيرة.

علاوةً على ذلك، بعد أنْ غاب الثلج وبان المرج، تبينّ لإسرائيل أنّ جميع خططها ورهاناتها في سوريّة باتت في خبر كان، إذْ أنّ التهديد والوعيد والضربات الجويّة والخطوات الدبلوماسيّة للحصول على “شيءٍ ما” في بلاد الشام سجلّت فشلاً مُدوّيًا، وبحسب مُحلّلة شؤون الشرق الأوسط في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، سمدار بيري، التي اعتمدت على مصادر سياسيّةٍ وأمنيّةٍ وصفتها بأنّها رفيعة المُستوى في تل أبيب، فإنّ كيان الاحتلال يُراقِب ويُواكٍب عن كثب التطورّات الأخيرة في بلاد الشام، حيثُ يهتّم بشكلٍ خاصٍّ بالقمّة الثلاثيّة، التي ستُعقد يوم الجمعة القادم في طهران بمُشاركة الرئيس الروسيّ، فلاديمير بوتن، والرئيس التركيّ، رجب طيّب أردوغان، والمُضيف الرئيس الإيرانيّ، حسن روحاني، حيث أشارت إلى أنّ أهمية القمّة تنبع فيما تنبع من قرار الثلاثي عدم عقد أيّ مؤتمر صحافيّ بعد القمّة، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ تل أبيب تعتقد بأنّ مصير إدلب سيُحسَم في هذه القمّة.

بيري، أضافت نقلاً عن المصادر عينها، إنّ أركان كيان الاحتلال يُعوّلون على روسيا، مُوضحةً أنّ العلاقات بين الرئيس الروسيّ ورئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، وطيدة جدًا، وللتدليل على ذلك، أوضحت أنّه في السنوات الثلاث الأخيرة اجتمعا في موسكو تسع مرّاتٍ، بالإضافة إلى نقل الرسائل الدبلوماسيّة عبر مبعوثين من كلا الطرفين، ولكن في الوقت نفسه، أكّدت على أنّ روسيا لم تتعهّد لإسرائيل بإخراج القوّات الإيرانيّة من سوريّة، كما تُطالب الدولة العبريّة، كما أنّ التقارير التي أفادت بأنّ موسكو وعدت تل أبيب بإبعاد إيران عن الحدود مع إسرائيل مسافة مائة كيلومتر، لم تؤكَّد من الجانب الروسيّ، علاوةً على ذلك، شدّدّت أنّ تمركز القوّات الإيرانيّة على بعد مائة كيلومتر من الحدود، لا يمنع إيران، التي تمتلك صواريخ بعيدة المدى وشديدة الدقّة من ضرب أهدافٍ إسرائيليّةٍ في العمق وإصابتها، بحسب المصادر في تل أبيب.

بالإضافة إلى ذلك، أشارت إلى أنّ الرئيس التركيّ، الذي يُعادي إسرائيل بشكلٍ عامٍّ، ويُهاجِم نتنياهو بشكلٍ بذيءٍ للغاية، لا يُمكن التعويل عليه، وإيران، كما هو معروف، لا تُخفي طموحها بشطب إسرائيل على الخريطة، وبالتالي بقي أمام إسرائيل اللجوء إلى الروس على ضوء تراجع التدّخل الأمريكيّ، ولكن، استدركت المصادر قائلةً، إنّ ما يُقلِق روسيا أولاً وقبل كلّ شيءٍ تثبيت أقدامها في سوريّة، وثانيًا، المُحافظة على العلاقات الإستراتيجيّة المتينة مع طهران، ومُحاولة خلق محورٍ جديدٍ يضُمّ موسكو-أنقرة-طهران، في ظلّ الحرب الاقتصاديّة الشرسة التي أعلنها الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب ضدّ تركيّا، على حدّ قول المصادر.

المصادر الأمنيّة والسياسيّة في تل أبيب أكّدت أيضًا على أنّ قيام روسيا بإرسال غواصّاتٍ وسفنٍ حربيّةٍ في الأسبوع الماضي إلى الشواطئ السوريّة، تُعتب التطوّر الأكثر إثارةً في المشهد، إذْ أنّ الروس قاموا به بعد أنْ هدّدّت فرنسا، بريطانيا وأمريكا بشنّ عدوانٍ ضدّ سوريّة في حال استخدامها الأسلحة الكيميائيّة ضدّ الإرهابيين في إدلب، وهي المسرحيّة التي يعكف على إعدادها هذا الثلاثي غيرُ المُقدّس من أجل إطالة أمد الحرب السوريّة، بعد أنْ دخلت هذه الحرب إلى الزمن بدل الضائع.

ومع أنّ إسرائيل فقدت كلّ شيءٍ في سوريّة، بقيت الآن مُتمسّكةً بإخراج القوّات الإيرانيّة من بلاد الشام، وعليه نقلت الصحيفة العبريّة، عن مصادر أمنيّةٍ وصفتها بأنّها واسعة الاطلاع، نقلت عنها قولها إنّ المُخابرات الإسرائيليّة تُتابِع عن كتب التحركّات العسكريّة الإيرانيّة، ولن تتورّع عن توجيه الضربات العسكريّة لها في العمق السوريّ، لافتةً إلى أنّ تل أبيب لم تُعلن ولو مرّةً واحدةً بأنّها ستتوقّف عن استهداف القوّات الإيرانيّة وشحنات الأسلحة من دمشق إلى حزب الله.

وفي هذا السياق، لا غضاضة بالتذكير بما قاله المُحلّل اليمينيّ المُتطرّف، يسرائيل هارئيل، في صحيفة (هآرتس)، الذي شدّدّ على أنّ عمليات القصف المتقطّع للشحنات الإيرانيّة المُحملّة بالصواريخ إلى لبنان ليست أكثر من ألعابٍ ناريّةٍ، إذْ يجري تدمير العشرات بينما المئات، لا بل الآلاف، من الشحنات، تصل إلى حزب الله، على حدّ قوله.

وجزم أنّه كلمّا جرى تأجيل الحسم، سيكون الثمن باهظًا أكثر، ومؤلمًا أكثر، وإذا أعطينا العدو، كعادتنا، “حقّ” القيام بالضربة الأولى، فإنّ الثمن سيكون غيرَ مُحتملٍ. وتساءل: ماذا ستُفيد الضربة المُضادّة؟ حتى الآن لم تتعافَ إسرائيل بعد من الصدمة الوطنيّة التي سببتها خسائر حرب أكتوبر 1973، على حدّ تعبيره.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى