“الماء العاشق” .. تقديم .. وتشكيل
في ظلال الشغف الدائم بالمعرفة، وعشق الكتب، تأسست فنون المطالعة، ومنها توصية بعض النابهين بضرورة طرق أفق الكتاب، والتعارف المبدئي عليه، وأطلقوا مفهوم (تليين الكتاب) حول التعامل البكر مع الكتاب موضوع القراءة، ويكون من خلال السمات الجسدية للكتاب، مشكّلة في غلافه ولوحته الفنية، وعنوانه وموضوعه أو تصنيفه المدون علي الغلاف – إن توافر وكلمة الغلاف الأخير، والمقدمة والفهرس، وسائر تلك السمات الشكلية والتشكيلية للكتاب، والتي تحتل أهمية مضاعفة مع الكتب الإبداعية، حيث أصبحت جزءا من البنية الإبداعية للمشهد الكلي الطباعي والمضموني والفني للكتاب الإبداعي، لذلك اهتم القراء بمطالعة هذه العلامات الكلية لسبر غور العمل الفني واكتشاف أيقوناته المعنوية والفكرية علي سواء.
وفي الكتاب الإبداعي الروائي “الماء العاشق” للروائي أحمد فضل شبلول نطالع للقاص محمد محمد السنباطي كلمة تعريفية بالرواية في علامة فرعية موازية دالة علي الرواية، ويشير فيها للتجريب في أفق الرواية، والتجريب درب الأدب الناهض، فالتجريب سبيل التجديد، تلك سمة، وسمة أخرى تحدث عنها وهي الإشارة إلي اللغة في الرواية كونها مزيجا بين اللغة اليومية المعيشة – دال الكتابة الجديدة المنتجة في رحاب الإنترنت الذي طالعنا الروائي نفسه باولى كتب الاتجاه الأدبي في الإنترنت الطريف والمعنون “أدباء المستقبل أدباء الإنترنت” – وأشار لنحت مفردات قديمة لكنها موظفة في أفق السرد بمعني أنها خادمة للسرد في رؤية التعقيب النابه.
وسمة ثالثة هي تنوع المكان والزمان، وأسطرة الواقع – إذن هناك نزعة نقدية اجتماعية – حيث ضفاف التاريخ قد تمنح هذا الخاطر في ذائقتي، كان التعقيب من الذكاء بحيث لا يكشف خيوط الحكاية قلب الرواية، وإن شوق إليها القارئ.
يبقي العنوان وصفحة الغلاف الأولى، فالماء في ذاكرة الإيمان والأفئدة والتراث هو جوهر الحياة ذاتها، ففي قصة رسالة قيصر الروم إلى معاوية يسأله فيها بعض أسئلة، وأرسل مع رسالتة قارورة – زجاجية انسيابية كالتي نراها بغلاف الرواية – طالبًا أن يرسل بها بذر كل شيء، فأحال رسالته للعارف “ابن عباس” فرد الرسالة بإجابات وافية، وأرسل بالقارورة “ماء”، إذن الماء بذر الحياة، وأنسنته فهو العاشق، وهي صورة بلاغية تصنف بنمط (التشخيص) حيث الماء الحسي تم منحه صفة إنسانية شغوفة “العشق”.
إذن هي حياة عاشقة، تمور وتفور، ماء يحقق ارتواء القارئ، والتركيب هنا إشباع المعنى، حيث الماء للإرتواء في طبيعته، وتم مضاعفة شحنة الشعور نحوه بكونه شغوفًا بالحب “عاشقًا”.
ومن علامة الكتاب الكلية ولمحة التعقيب بالغلاف الأخير نجد ملامح فنتازية تحيي الخيال المحلق عبر عصور التاريخ ورحلة الماء العاشق، مع مزج واقعي، وهذا الإبحار الزماني يعطي ملمح التوثيق لرحلة نفسية مثلها الماء العاشق معادلاً موضوعيًا.
ويبقي أن أحيى استعمال خط النسخ تعليق “الفارسي” في العنوان حيث إنه خط ُيرسم في صفته الغالبة، ويجمع بين الرفيع والسميك في رقة بالغة، فكان المنحى جماليا تشكيليا خطيا ينسجم مع ماء بذر الحياة ممزوج بعشق.
ميدل إيست أون لاين