في إطار الشهادات التي تنشرها «الشرق الأوسط» عن صيف الاجتياح الإسرائيلي للبنان، عام 1982، يروي هاني الحسن، عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، أن الفلسطينيين تجمعت لديهم معلومات قبل الاجتياح بسنة تفيد بأن «إسرائيل تعدّ لعدوان واسع على لبنان بهدف ضرب الوجود العسكري للمقاومة».
يقول إن قيادة منظمة التحرير اتصلت بالسعودية التي تجاوبت بسرعة وهو ما تبلور في مبادرة ولي العهد السعودي آنذاك الأمير فهد بن عبد العزيز. يضيف الحسن «أن الهدف من المبادرة كان من أجل امتصاص الحرب المقبلة في لبنان ومنع حصولها. الواقع أن المبادرة تعثّرت لأن الاتحاد السوفياتي أصدر أوامره بعرقلتها».
في الشهور الأولى من عام 1982 بدأت تتوارد إلى مكتب مدير المخابرات في الجيش اللبناني العقيد جوني عبده معلومات عن استعدادات إسرائيلية لتنفيذ عملية اجتياح واسعة قد تصل إلى بيروت. وسأترك عبده يروي.
حصلنا على هذه المعلومات من مصادر لبنانية. وأعتقد أن الدول الغربية نفسها كانت تستقي معلوماتها من لبنان. كانت المعلومات على درجة من الأهمية والوقاحة إلى درجة أنه لم يكن ممكناً تصديقها لدى تحليلها. كانت المعلومات تتحدث عن اجتياح واسع مع رغبة إسرائيلية في تحاشي صدام مع القوات السورية المنتشرة في لبنان. ولم نكن نحن نرى كيف يمكن شن مثل هذا العدوان الواسع من دون الاصطدام بالقوات السورية. وكانت لدينا تساؤلات عن مدى أهمية مغامرة من هذا النوع، خصوصاً في ضوء العلاقات السورية – السوفياتية والمعاهدة الموقعة بين البلدين.
ثم بدأ الحديث عن التواريخ. وتبيّن أن التاريخ الأول كان قبل ثلاثة أشهر من وقوعه. ثم عُدّل وأرجئ إلى يونيو (حزيران). حين أطلعت وزير الخارجية فؤاد بطرس على هذه المعلومات في حضور الرئيس إلياس سركيس، سألني بطرس عمّا أصدّقه من المعلومات، فقلت 10 في المائة فقط. فقال: «عال، ظننت أنك جُننت!». كان تحليل بطرس أن إسرائيل لا يمكن أن تتحاشى الصدام مع سوريا التي يمكن أن تفتح جبهة الجولان ثم يتدخل الاتحاد السوفياتي، واستبعد أن يصل الإسرائيليون إلى هذه الدرجة من المغامرة.
جبهة الإنقاذ الوطني تعقد اجتماعها الأول في قصر بعبدا عام 1982 برئاسة الرئيس إلياس سركيس وحضور رئيس الحكومة شفيق الوزان والنائب نصري المعلوف وبشير الجميل وفؤاد بطرس ونبيه بري ووليد جنبلاط (أ.ب)
غادر بطرس القصر، فسألني سركيس هل أصدّق 10 في المائة فقط من المعلومات، فقلت: «لا، إنني أصدّق 90 في المائة منها، لكنني قلت ذلك أمام الوزير بطرس رغم اعتقادي أن الإسرائيليين درسوا سلفاً المسائل التي أثارها». كلفني الرئيس سركيس إطلاع رئيس الوزراء شفيق الوزان على كل هذه المعلومات وأن أُطلع عليها الإخوان السوريين. أبلغت الرئيس الوزان كما أبلغت العقيد محمد غانم المسؤول العسكري السوري في لبنان، وتأكدت من وصول المعلومات (للجانب السوري). لم يصدّق الإخوان السوريون، وربما استقبلوا المعلومات بحذر كونها جاءت من المخابرات اللبنانية التي لم تكن معهم على علاقات ثقة كاملة. وربما رأوا أن المعلومات مدسوسة نتيجة فقدان الثقة.
حصل هذا قبل أسابيع من الاجتياح. صدرت في ذلك الوقت تصريحات لشخصيات لبنانية قريبة من سوريا تعدُّ هذه المعلومات محاولة تهويل وتخويف غرضها ممارسة ضغوط على المقاومة لدفعها إلى تسهيل انتشار الجيش اللبناني في الجنوب. والواقع أن الحل لتفادي الاجتياح كان انسحاب الفلسطينيين من الجنوب وانتشار الجيش فيه. حاولنا ذلك مرات عدة، لكن أبو عمار لم يكن في وارد التخلي عن جنوب لبنان. فقد رفضت منظمة التحرير البحث في الموضوع جملة وتفصيلاً.
أُطلق النار على السفير الإسرائيلي في لندن شلومو أرغوف فبدأت الغارات الإسرائيلية على لبنان وتلاها الاجتياح في السادس من يونيو. ظن كثيرون أن العملية محدودة، لكن المعلومات التي كانت متوفرة لدينا تشير إلى غير ذلك. بعضهم استند إلى تصريحات مسؤولين إسرائيليين للقول إن العملية محدودة. والواقع أن المسؤولين الإسرائيليين لم يكونوا على اطلاع على المدى الذي ستتخذه العملية. فوزير الدفاع الإسرائيلي آرييل شارون وحده كان يعرف السيناريو وإلى أين سيصل. قبل الاجتياح، قام شارون سراً بعمليات استكشاف في مناطق بجبال المتن قبالة بيروت. جاء بواسطة طائرات هليكوبتر، في حين جاء آخرون بحراً.
يعرب عبده عن أسفه لأن السلطة اللبنانية لم تتمكن من إقناع منظمة التحرير باتخاذ ما كان يمكن أن يساعد على تفادي الاجتياح. ويعرب أيضاً عن أسفه لأن الجانب السوري لم يأخذ على محمل الجد المعلومات التي أوصلها إليه الجانب اللبناني.
«دولة ياسر عرفات»… ورحلة العذاب الطويلة
رجل آخر كان يؤلمه أن لبنان لم ينجح في تفادي كارثة الاجتياح رغم الجهود التي بُذلت. إنه فؤاد بطرس، وزير الخارجية في تلك الحقبة. بعد إغلاق آلة التسجيل، قال: «أريدك كصحافي أن تعرف القصة بايجاز. كانت (دولة ياسر عرفات) أقوى على أرض لبنان من الدولة اللبنانية. وكانت أقوى في العالمين العربي والإسلامي. هذا فضلاً عن الاتحاد السوفياتي والدول الدائرة في فلكه. كنا نلمس من بعض وزراء الخارجية والسفراء تفهماً لحقّ لبنان في أن ينشر جيشه في الجنوب لتفادي هجمات إسرائيلية، لكن هذا التفهم لم يكن يظهر علناً ويُترجم في سياسات هذه الدول. كانت للقضية الفلسطينية قدسية تمنع حتى إثارة تجاوزات المنظمة الفلسطينية التي تعرّض لبنان للأخطار».
وأضاف: «كانت منظمة التحرير تعدُّ وجودها العسكري في جنوب لبنان ورقتها الأخيرة للتذكير بالوجود والمطالب والقضية. لم يكن عرفات مستعداً للتخلي عن هذه الورقة. ولم تكن الدول العربية راغبة في الضغط على المنظمة. وكان الإعلام في المنطقة غير متعاطف مع أي دعوة لبنانية لفرض سيادة الدولة اللبنانية وحدها على أراضيها. ويُضاف إلى هذا كله أن الانقسام اللبناني حول الوجود العسكري الفلسطيني كان عميقاً وعنيفاً وكانت حتى محاولة ضبطه توصم بالخيانة».
رجل آخر أصابته معلومات عبده بالقلق وحاول إقناع نفسه بعدم تصديقها. إنه رئيس الوزراء شفيق الوزان. قلب الأمر. لم يسبق في تاريخ النزاع أن احتلت إسرائيل عاصمة عربية. وهناك الرأي العام العربي والإسلامي. وهناك الاتحاد السوفياتي. وليس من المتوقع أبداً أن تؤيد أوروبا مغامرة مجنونة من هذا النوع. حاورته لاحقاً وشعرت بالحرج. بدا وكأنني دفعته إلى أن يحك جرحاً عميقاً لا يزال يؤلمه.
في 1981 وبعد تبادل القصف الشديد بين الفلسطينيين والإسرائيليين في جنوب لبنان، وما رافقه من غارات، جاءنا المبعوث الأميركي فيليب حبيب وقال: «أحب أن أطمئنكم إلى أننا توصلنا إلى اتفاق لوقف اطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين». ظهر الغضب والاستياء في عيني الرئيس سركيس، رحمه الله. كان بالغ الحساسية تجاه أي اتفاق يمكن أن يضع قيوداً على لبنان وسيادته، وكان شديد التمسك باتفاق الهدنة. قال سركيس لحبيب: «نحن لا علاقة لنا بأي اتفاق من هذا النوع، لدينا اتفاق الهدنة فقط». فتح حبيب فمه مستغرباً قول سركيس. كان لا بد من العثور على مخرج، فقلت لحبيب: «الرئيس سركيس على حق في موقفه، لكنني أقول لك إننا أخذنا علماً». أي إننا أخذنا علماً بالاتفاق لكننا لسنا طرفاً فيه.
أضاف الوزان: «بعد الاجتياح، استدعينا سفراء الدول الكبرى وظهرت مواقف إيجابية وسلبية تبيّن في نهايتها أنه ليس أمامنا غير الرهان على الولايات المتحدة للجم العدوان، أو دفع إسرائيل إلى الانسحاب، حتى ولو كانت متعاطفة مع الغزو أو أهدافه. كان الموقف السوفياتي مفاجأة كبيرة لنا. سارع السفير السوفياتي إلى إبلاغنا ومن دون الرجوع إلى حكومته: «نحن دولة ليست بذات تأثير على إسرائيل». تألمت. فقد كان الاتحاد السوفياتي صديقاً للعرب، وكنا نأمل موقفاً آخر. ذكّرت السفير بانذار بولغانين الشهير (نيكولاي بولغانين، رئيس مجلس وزراء الاتحاد السوفياتي) إبان العدوان الثلاثي على مصر، فاكتفى بابتسامة وامتنع عن الرد. كان كلام السفير السوفياتي واضحاً، ومعناه أن عليكم البحث مع من يستطيع التأثير على إسرائيل، أي الولايات المتحدة. بدت قدرة الأوروبيين محدودة بدورها. كنا نتمنى لو كانت هناك قوة عربية قادرة على التدخل وقلب مسار الأحداث، لكن الواقع كان غير ذلك. وهكذا صرنا تحت نار العدوان الإسرائيلي، وأمامنا الوسيط الأميركي وبدأت رحلة العذاب الطويلة.
أغمض الوزان عينيه لبرهة واسترجع المحطة المؤلمة. «حوصرت بيروت وانهالت عليها الحمم براً وبحراً وجواً. صحيح أن إرادة البيروتيين واللبنانيين في الصمود كبيرة، لكن المعاناة تجاوزت كل حدود. قطع الإسرائيليون المياه عن العاصمة المحاصرة، ورحت أفكّر بمن أستجير في وجه هذه الوحشية التي لا مثيل لها. اتصلت بالملك فهد بن عبد العزيز وأبلغته أن بيروت تعيش بلا ماء ولا خبز ولا دواء. تألم كثيراً وأبلغني أنه سيعاود الاتصال بي. بعد خمس ساعات، أبلغني الملك فهد أنه تحدّث إلى الرئيس رونالد ريغان طالباً تدخله، وأن الرئيس الأميركي اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، الذي وعده بإعادة المياه. وفي تلك الظروف القاسية، اعتبرنا إعادة المياه إنجازاً. أحبّ أن أسجّل هنا أن السعودية لم تبخل على لبنان بأي مساعدة ممكنة».
حزب العمل الصامت
لم أتمكن من الحصول على شهادة الرئيس سركيس عن تلك الأيام. والأسباب عديدة. كان من حزب العمل الصامت، لا من حزب الكلام. وكان واثقاً، انطلاقاً من نزاهته وسلوكه المسؤول، أن التاريخ سينصفه إذا كُتب بأمانة. يضاف إلى ذلك أنه غادر القصر مريضاً فأضيفت أوجاع جسده إلى أوجاعه كرئيس بفعل الانقسامات والعواصف التي ضربت عهده، والتي توّجت بزلزال الاحتلال الإسرائيلي. رأى سركيس بيروت تحترق وتُحاصر وتُستباح. ورأى جنود الاحتلال يقتربون حتى من قصر الرئاسة. كان صوت الدولة وكانت الدولة ضعيفة. وكان صوت الوطن وكان الوطن منقسماً. ويقول أصدقاؤه إنه كان يُحصي الأيام في انتظار موعد المغادرة، رافضاً أي بحث في تمديد ولايته.
هل حاول الجانب الفلسطيني تفادي الاجتياح الإسرائيلي، ومن يتحمّل مسؤولية إفشال تلك المحاولة؟ عثرت على الجواب لدى هاني الحسن. كان عضواً في اللجنة المركزية لحركة «فتح» ومسؤولاً عن الأمن السياسي في الحركة، إضافة إلى حضوره في الحلقة الضيقة للقرار حول الرئيس ياسر عرفات.
يقول الحسن إن معلومات تجمعت في 1981 تفيد بأن إسرائيل تعدّ لعدوان واسع على لبنان بهدف ضرب الوجود العسكري للمقاومة، وأن وجود إدارة الرئيس رونالد ريغان يسهّل لإسرائيل عملية من هذا النوع. كان الوضع العربي شديد الصعوبة. مصر في شبه عزلة عربية، والعراق غارق في حربه مع إيران. توجهت قيادة المنظمة إلى السعودية وأطلعت المسؤولين فيها على ما تملكه من معلومات. كان التجاوب السعودي سريعاً وكاملاً، وهكذا تبلورت مبادرة ولي العهد السعودي آنذاك الأمير فهد بن عبد العزيز. ويجزم الحسن «أن الهدف من المبادرة كان من أجل امتصاص الحرب المقبلة في لبنان ومنع حصولها. الواقع أن المبادرة تعثّرت لأن الاتحاد السوفياتي أصدر أوامره بعرقلتها… وكلنا يعلم ماذا جرى في القمة العربية في فاس».
روى الحسن ما عدَّه قصة سيطرة السوفيات على القرار الفلسطيني. كل من يريد أن يؤرخ للثورة الفلسطينية بين 1972 و1982 عليه دائماً أن يضع الموقف السوفياتي في الاعتبار، لأن الثورة الفلسطينية عاشت في تلك الفترة مرحلة اللاقرار، حيث كان يسود فقط في النهاية، رغم كل الخلافات وتعدد وجهات النظر، القرار السوفياتي الذي استحكم بالمقاومة الفلسطينية وجعلها تنقسم دائماً إلى موقفين.
تيار مع السوفيات يؤمن أن قدرنا هو معهم، ويبذل كل جهده لمناقشة السوفيات وتطوير موقفهم لكنه في النهاية يتبنى الموقف السوفياتي. كانت قوة السوفيات في مواجهة التيار الآخر تنبع من سيطرتهم على أجهزة الأمن في المنظمات الفلسطينية، وبخاصة جهاز الأمن الموحد التابع للأخ صلاح خلف (أبو إياد) ومعه اليساريون في «فتح»، مثل المناضل الكبير ماجد أبو شرار ومحمود عباس (أبو مازن) الذي لعب، رغم أنه ليس يسارياً في بنيته الداخلية، دوراً مهماً في تبني وجهة نظر السوفيات. لقد دفعه أبو إياد إلى أن يصبح رجل العلاقة مع السوفيات وملزماً قبول هذا الموقف، هذا إضافة إلى أبو صالح (نمر صالح)، وعضو اللجنة المركزية سميح عبد القادر محمد أبو كويك؛ المعروف بـ«قدري».
في المقابل كنا مجموعة أخرى على رأسها الأخ ياسر عرفات، الذي كان يمثّل الوسط. وأنا لا أقصد أنه لا يأتمر في النهاية بالأمر السوفياتي لأنه كان يساير ويمشي. وكان أيضاً أمير الشهداء خليل الوزير أبو جهاد وفارس الفرسان سعد صايل وأبو السعيد. وكنت أنا ممثلاً للتيار الفلسطيني المستقل، الذي يبحث عن مصالحه سواء كانت عند السوفيات أم عند غيرهم. ومن دون فهم هذه العلاقة مع السوفيات لا يمكن فهم ما دار وراء الكواليس.
تابع هاني الحسن روايته. في 1982 جاءتنا معلومات من مصادر لبنانية صديقة. والحقيقة هي أن الرئيس أمين الجميل، وكان نائباً يومها، لعب دوراً مهماً في تنبيهنا أن الإسرائيليين آتون إلى بيروت. وكان كلامه شبه موثّق، وقد لعب بعض الإخوة دوراً مهماً في هذا الموضوع. إضافة إلى ذلك كان لدينا مصدر إسرائيلي مهم يديره الأخ أبو جهاد وكان في غاية الأهمية بالنسبة لنا. زودنا هذا المصدر بتفاصيل عن الهجوم المقبل الذي كان يفترض أن يحصل في أبريل (نيسان). إنه مصدر أمني وشبه عسكري ومعلوماته من الدرجة الأولى. ورغم شكوكنا التي استمرت فترة في معلومات المصدر، فإن مجريات الحصار أكدت أنه كان صادقاً معنا إلى أقصى الحدود. ناقشنا المعلومات مع القيادات اللبنانية والإخوة في دمشق ومع الدول العربية. والحقيقة أنه بعد تعثّر مبادرة فاس لأسباب فلسطينية لم يعد هناك مجال لقطع الطريق على العدوان الإسرائيلي.
لم تحدث الحرب في أبريل بسبب أمطار غير عادية هطلت، فتأجل الاجتياح إلى يونيو. عندما وقعت الحرب كان هناك انقسام في الرأي. بعضهم اعتقد أن الهجوم الإسرائيلي سيبقى في حدود 45 كيلومتراً داخل الأراضي اللبنانية ثم تتراجع القوات الإسرائيلية. وهذا الرأي كان قوياً في أوساط الحركة الوطنية اللبنانية وموقفها كان مهماً جداً بالنسبة إلينا. كان لدينا في «فتح» قرار دائم باستمرار التعامل والتفاهم، أي أن نختلف ولا نفترق. لم يعتقد الإخوة السوريون أيضاً أن الهجوم سيصل إلى بيروت والبقاع. أقول هذا في ضوء اللقاءات التي عقدها مع الإخوة السوريين العميد سعد صايل وقياديون آخرون.
منذ 1972 وحتى 1982 كان لعرفات أسلوب للعمل يقوم على أن له مجموعته التي تناقش معه القضايا وتنفذها. بعد المناقشة، نذهب إلى اللجنة المركزية أو المجلس الثوري فنعدل القرار أو نزيد عليه. كانت مجموعة أبو عمار الأساسية في 1982 التي تطلع على آرائه ومواقفه وتوجهاته تضم إليه أبو جهاد وسعد صايل وأنا، وكان من خارج اللجنة المركزية المسؤول عن الاستخبارات العسكرية أبو الزعيم، وكان عضواً مهماً في عملية تقويم المواقف.
حصل الحصار وأبلغني أبو عمار أن علينا أن نقاتل ستة أشهر. كان ذلك في اجتماع مجموعة العمل فقط، لأن أبو عمار وأبو إياد كانا لا يلتقيان تقريباً طول فترة الحرب. ولهذا الجو خلفية تاريخية. كان أبو إياد يريد أن يمحو سبتمبر (أيلول) 1970 في الأردن بتشنج ظاهر في المواقف. وهنا نعود إلى السوفيات. المهم أننا اتخذنا قراراً سرياً بالقتال ستة أشهر، وطلب مني أبو عمار القيام بالعمل السياسي. أي أنه طلب مني أن نحرّك العمل السياسي، ولكن من دون الرجوع باتفاق. بمعنى أن نفاوض كي نفاوض، ثم نرى موازين القتال والوضع الدولي وموازين التدخل السوري.
(يتبع)
صحيفة الشرق الأوسط