المحسـوم
” المحسوم” باللغة العبرية هو الحاجز بالعربية و إليكم أخباره الطريفة و المؤلمة معا فلقد نصب الجيش الإسرائيلي حول “رام الله ” حواجز مزدوجة من الكتل الإسمنية لمنع السيارات من العبور مما يضطر راكبيها إلى التوقف و النزول للمرور على الجنود الإسرائيليين الذين يفحصون هوياتهم و حمولاتهم ثم متابعة طريقهم سيرا على الأقدام إلى الحاجز الأخر حيث يمكن لهم بعده أن يركبوا سيارات الأجرة لمتابعة سفرهم .
كان طول الفسحة في البداية بين المحسومين أو الحاجزين مئتي متر توسعت فيما بعد إلى ثلاثمئة فخمسمئة متر مما زاد من حاجة العابرين المثقلين بحمولاتهم إلى أدوات تساعدهم على نقل أغراضهم الثقيلة فنشأت شيئا فشيئا مع الزمن خدمات لهذا الغرض على الحمير أو البغال أو في العربات الصغيرة بأجر معين ثم فوجئ الناس القادمين من ثلاثين قرية تقريبا بأن المسافة بين الحاجزين امتدت إلى كيلومترين و أن المسافة هذه صارت تحتاج إلى جهود أكثر و أكبر و بالتالي إلى التوقف أحيانا للإستراحة و شراء بعض الأطعمة و هكذا إزدهرت المسافة بالبيع و الشراء و الخدمات كسوق تجارية رابحة و تروي الأخبار أن قصص الحب و طلب الزواج قد بدأت تروج بين المتعارفين على هذه المسافة حتى لقد نظم بعض الشعراء كلمات لأغان لحنها الملحنون و صدح بها المطربون و باتت من الأغاني الشائعة عما يصنعه المحسوم من أفاعيل و أباطيل و حكايات بين البشر العابرين و المغلوبين على أمرهم .
كنت أصغي لهذه الأخبار في الفضائيات أو أطالعها في الصحف فأراني موزعا بين الابتسام المر و الغيظ المكتوم و لا أجد وصفا لمشاعري و أفكاري المختلطة بالقلق الذي يحول حياتنا نحن عرب هذا الزمان إلى حكايات درامية و طرائف مضحكة مبكية .
لم تعد كلمة ” المحسوم ” عبرية فحسب بل صارت أيضا عربية على أرض الواقع و الرمز الأبسط و الأفظع لمأساة أمة عريقة محاصرة بالحواجز من كل الجهات و على الأخص في هذه الأوقات التي بتنا نتعود عليها في سوريا و ليبيا و اليمين و غيرها من المناطق حين يقضي الواحد منا الساعات في انتقاله من حي لأخر و كأنه يسافر من بلد لأخر …كل الحياة بكل متطلباتها و حواجزها و غلاظاتها باتت عبئا لا يطاق ليس على الفلسطينيين و حدهم بل على العرب أجمعين و أن لا سبيل لخلاصنا كما يبدو إلا باختراق ” المحسوم ” أو تحطيمه ..و لكن متى ؟ و كيف يا محسوم لم يحسم أمره بعد !…