افتتاحية الموقع

المخاض الكبير في الشرق الأوسط خلال فترة انتقال السلطة الأمريكية: الأسباب والمآلات

ماهر عصام المملوك

تُعدُّ منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر المناطق تعقيدًا من الناحية الجيوسياسية على المستوى العالمي، حيث تتشابك المصالح الدولية مع التوترات الإقليمية والصراعات المحلية. وتأتي الأحداث التي شهدتها المنطقة في سياق فترة الانتقال الرئاسي الأمريكي، وخاصة عندما تكون الإدارة المنتخبة مغايرة في التوجهات والسياسات للإدارة الحالية، لتضع سؤالًا مُلحًّا: لماذا تتحوّل الأشهر الثلاثة الفاصلة بين الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتسليم السلطة إلى فترة زاخرة بالتطورات في منطقة الشرق الأوسط؟

الإطار الزمني للأحداث: الفجوة بين الإدارتين الأمريكية

في النظام السياسي الأمريكي، تُجرى الانتخابات الرئاسية عادة في شهر نوفمبر، وتبدأ فترة الانتقال السياسي التي تمتد إلى يناير، حين تُنصّب الإدارة الجديدة رسميًا. خلال هذه الفترة، تشهد الولايات المتحدة ما يمكن تسميته بـ”الفراغ الرئاسي”، حيث تكون الإدارة الحالية في وضع تصريف الأعمال، بينما تنتظر الإدارة المقبلة تشكيل فريقها وتنصيب كبار المسؤولين.

تُعتبر هذه المرحلة وقتًا مناسبًا لتحركات الفاعلين الدوليين أو الإقليميين في محاولة لاستغلال حالة الانشغال أو التقيد السياسي للإدارة الأمريكية، لا سيما في منطقة تتسم بالتغيرات السريعة والاضطرابات المتواصلة مثل الشرق الأوسط.

الأسباب وراء تزامن الأحداث الكبرى في الشرق الأوسط مع الفراغ الرئاسي الأمريكي

1. الانشغال الأمريكي بالداخل خلال انتقال السلطة

تعاني الإدارة الأمريكية خلال هذه المرحلة من انعدام اليقين بشأن السياسات المستقبلية. فالحزب الجمهوري الذي قد يتبنى سياسة مغايرة للديمقراطيين يُؤجل عادة اتخاذ قرارات حاسمة أو إصلاحات جذرية حتى تسلم السلطة رسميًا. وهذا الوضع يوفر فرصة للفاعلين في الشرق الأوسط لإعادة ترتيب مواقفهم على الأرض، سواء كانت القوى المحلية مثل الحكومات والميليشيات المسلحة أو الأطراف الإقليمية مثل إيران وإسرائيل وتركيا .

2. التغير في توجهات السياسة الخارجية

الانتقال من إدارة ديمقراطية إلى جمهورية (أو العكس) يغير أولويات السياسة الخارجية الأمريكية. ففي حين تركّز الإدارات الديمقراطية على قضايا حقوق الإنسان والدبلوماسية المتعددة الأطراف، تعطي الإدارات الجمهورية عادة اهتمامًا أكبر للقضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب. الفاعلون في الشرق الأوسط يدركون هذا التغيير ويحاولون استباقه لفرض واقع جديد على الأرض.

3. اختبار الإدارة الجديدة

تلجأ الأطراف الإقليمية والدولية إلى “اختبار” مرونة الإدارة الجديدة وحدود نفوذها بمجرد انتخابها. في منطقة الشرق الأوسط، غالبًا ما تُترجم هذه الاختبارات إلى تصعيد عسكري أو دبلوماسي كما في الحالة السورية والفلسطينية أو بروز أزمات سياسية كتلك التي حدثت في لبنان.

الأحداث في سوريا، لبنان، وفلسطين خلال تلك الفترة

أ) سوريا:

شهدت الساحة السورية خلال هذه الفترات عادة تصعيدًا عسكريًا أو إعادة توزيع النفوذ بين اللاعبين الدوليين مثل روسيا، تركيا، وإيران لكي يتم في هذه الفترة الدقيقة من التوقيت القضاء على نظام عائلة الأسد من قبل هيئة تحرير الشام مدعومة من تركيا في فترة انتقال السلطة الأمريكية.

علماً ان روسيا حاولت جاهدة تعزيز مواقعها العسكرية والدبلوماسية قبل مواجهة أي خطط أمريكية محتملة للتصعيد أو التراجع ولكن استمرار الحرب في أوكرانيا جعلها تعيد ترتيب اوراقها حسب تسلسل الأفضليات لمصالحها وأمنها القومي .

ب) لبنان: انهيار اقتصادي وأزمات سياسية

يتزامن الفراغ السياسي الأمريكي عادة مع اندلاع أزمات لبنانية متجددة. فالتأثير الأمريكي الكبير على السياسات اللبنانية يتقلص خلال هذه الفترة، ما يفسح المجال لقوى أخرى (مثل حزب الله وإيران) لاستغلال الانقسام الداخلي وتوسيع تأثيرها بعد كل الخسائر التي تكبدتها في الجنوب والضاحية وخسارة معظم قيادات الصف الاول . كما أن دولًا مثل إسرائيل تسعى في هذه الفترات إلى تأمين حدودها الشمالية عبر تصعيد العمليات الاستخباراتية والعسكرية.

ج) فلسطين

تستخدم إسرائيل عادة فترة الانتقال السياسي في الولايات المتحدة لفرض تغييرات على الأرض، مثل زيادة الاستيطان في الضفة الغربية أو تنفيذ عمليات عسكرية في غزة، مستفيدة من ضعف رد الفعل الأمريكي.

  • اما بخصوص المقاومة الفلسطينية (سياسيًا أو عسكريًا) ترى في الفترة الزمنية هذه فرصة لتحسين مواقفها التفاوضية على الساحة الدولية.
  • تجتمع العوامل المحلية والدولية عادة لتوليد ضغط كبير، لا سيما في قضايا مثل القدس والأقصى.

استراتيجيات القوى الإقليمية في استغلال الفراغ الرئاسي

1. إيران وحلفاؤها

تعتمد إيران بشكل أساسي على هذه الفترة لتعزيز نفوذها عبر وكلائها مثل حزب الله والميليشيات . فيما تستغل طهران هذا “الفراغ النسبي” في السياسة الأمريكية لتصدير أسلحة متطورة، تعزيز البنية التحتية العسكرية، أو حتى اختبار ردود فعل المجتمع الدولي عبر التهديد بإغلاق الملاحة البحرية عبر المنافذ والبوبات البحرية أو رفع وتيرة تخصيب اليورانيوم .

2. إسرائيل

في ظل الإدارات الجمهورية، تعمد إسرائيل إلى انتهاز الفترات الانتقالية لتكثيف أنشطتها في المناطق المحتلة، وفي بعض الأحيان شن غارات عسكرية على أهداف إيرانية في سوريا. من ناحية أخرى، تعمل تل أبيب على تأكيد تفوقها العسكري والتفاوضي تحسبًا لأي مبادرات سياسية أمريكية جديدة تحت إدارة الديمقراطيين.

3. الأنظمة العربية الأخرى

بينما تعتمد دول الخليج (السعودية والإمارات) على استباق الخطوات الإيرانية والتحسب من عودة أي اتفاق نووي تحت إدارة جديدة، تتخذ الأنظمة في شمال إفريقيا والعراق موقف الحذر والترقب لتجنب تغيير في المواقف الأمريكية قد يعيد رسم ملامح النفوذ في المنطقة.

أبعاد دولية لتزامن أحداث الشرق الأوسط والفراغ الأمريكي

1. التأثير الروسي والصيني

تعمد روسيا والصين إلى استغلال كل فرصة لتعزيز وجودهما في الشرق الأوسط. روسيا، التي تمتلك دورًا نشطًا في سوريا، تستخدم هذه المرحلة لترسيخ قواعدها واستمالة حلفاء إضافيين على حساب الولايات المتحدة. أما الصين، فتعتمد على التفاهمات الاقتصادية لتوسيع نفوذها.

2. الدور الأوروبي

تواجه أوروبا انقسامات في سياساتها الخارجية تجاه الشرق الأوسط، لكنها عادة تُحاول ملء الفراغ الدبلوماسي الذي تخلّفه الولايات المتحدة، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمات أو تهدئتها حسب طبيعة الدور الأوروبي.

انعكاسات الأحداث على الاستقرار الإقليمي والدولي

تُحدث تحركات القوى الإقليمية والدولية خلال هذه الفترة أزمات طويلة الأمد، حيث تؤدي الخطوات غير المدروسة أو الاندفاعية إلى تصعيد المواجهات وزيادة هشاشة الأوضاع، ما يُسفر عن:

  • استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي.

وفي ختام هذا المقال وهذا الاستعراض السريع فيمكن القول ان فترة الانتقال السياسي تتسم في هذه المرحلة في الولايات المتحدة بانشغال داخلي يمنح الفاعلين الإقليميين والدوليين مجالًا أوسع للتحرك في الشرق الأوسط، حيث تسود حالة من السيولة الجيوسياسية التي تتراكم آثارها لعقود طويلة.

وتسلط هذه الديناميكيات الضوء على التفاعل المُعقد بين المصالح المحلية، الإقليمية، والدولية، ما يجعل الأشهر الثلاثة الفاصلة بين الانتخابات الأمريكية وتنصيب الإدارة الجديدة أشبه بمرحلة “مخاض كبير” لا تقتصر آثاره على الشرق الأوسط وحده، بل تمتد لتشمل النظام الدولي ككل.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى